توزيع الدخل في المغرب: مجالٌ لا يزال يسوده الغموض
بقلم: د. عبد السلام الصديقي
تُواصل المندوبية السامية للتخطيط نشر نتائج البحث حول دخل الأُسر المغربية.
فبعدما نشرت المذكرة الأولى في شأن “تطور مستوى معيشة الأسر وتأثير جائحة كوفيد 19 على الفوارق الاجتماعية” في 24 مارس 2021، بادرت كذلك إلى نشر إصدار مذكرة ثانية بعنوان “دخل الأسر: المستوى والمصادر والتوزيع الاجتماعي” بتاريخ 24 أبريل 2021.
وسيتم تعميم الجزء الأخير خلال الأيام القادمة، حسب ما تم الإعلانُ عنه.
وعليه، فإن المندوبية السامية للتخطيط تُقَــدِّمُ لنا معطيات غنية من شأنها أن تساهم في إنعاش الحوار الوطني خلال هذه الفترة التي تسبق الانتخابات، وتُحفز بالتالي الفاعلين السياسيين على إضفاء مزيدٍ من الدقة على خطابهم وتفادي التصريحات الجافة والالتباسات المفاهيمية. فماذا نستخلص من هذه المذكرة الثانية؟ وكيف يتم توزيع “الكعكة الوطنية”؟
فحسب الأُسر، يُقدر الدخل الوطني المتوسط ب91933 درهماً، أي ما يكافئ دخلاً متوسطًا شهرياً مُقدراً ب7661 درهماً، ويتراوح بين 98483 درهماً في الوسط الحضري (8207 درهماً في الشهر) و77600 درهما في الوسط القروي (6467 درهماً في الشهر).
أما الدخل الوسيط (Le revenu médian) فيُقدر ب 5133 درهماً.
أما بحسب الفرد الواحد، فيبلغ الدخل السنوي 21515 درهماً على الصعيد الوطني، أي ما يُعادل 1793 درهماً في الشهر: 24992 درهماً في الوسط الحضري (2083 درهماً شهرياً)، مقابل 15560 درهماً في الوسط القروي (1297 درهماً في الشهر).
من طبيعة الحال، فالمعدلات الحسابية محدودة من حيث التحليل، لأن ما تُخفيه أهم بكثير مما تكشف عنه. فالأهم هو معرفة الكيفية التي يتم بها توزيع الثروة المنتجة.
وهنا بالضبط تتجلى الرهانات وتظهر التناقضات الاجتماعية.
ونسجل على هذا المُستوى الفجوة بين عُــشُــر (10%) الأقل يُسراً والعُشُر الأكثر فقراً. حيث يعيش العُشُر الأخير بأقل من 6270 درهماً سنوياً للفرد الواحد (7756 درهماً في الوسط الحضري مقابل 5157 درهماً في الوسط القروي).
في حين يتمتع العُشُر الأكثر يُسراً بأزيد من 41507 درهماً (48440 في الوسط الحضري و28090 درهماً في الوسط القروي). ومن جهة أخرى يستحوذ العُشُر الأكثر يُسراً على 37.8% من مجموع الدخل، مقابل 2.2% فقط بالنسبة للعُشُر الأكثر فقراً.
وهو ما يُمثل فارقاً بين الفئتين من 1 إلى 17.2. وذلك ما حَــذَا بمحرري المذكرة إلى استنتاج الخلاصة الآتية: “في هذه الظروف، تبلغ التفاوتات في توزيع الدخل 46.4% قياساً بمؤشر جـــيــنـــــــــي (l’indice de Gini)، وهو مستوى يتجاوز نسبياً المُستوى المقبول اجتماعياً (42%)”.
كما أن قياس التفاوتات بحسب الدخل يُعتبرُ أكثر حدةً من التفاوتات بحسب الاستهلاك. وهو ما يؤكد حقيقةً بديهية.
هكذا يبلغ مؤشر جيني في الحالة الثانية المرتبطة بالاستهلاك/الإنفاق 38.5%، ويقفز في الحالة الأولى المتصلة بالدخل إلى 46.4%. وحسب مجال الإقامة تبلغ هذه المؤشرات على التوالي: 37.9% مقابل 45% في الوسط الحضري، و30.1% مقابل 44.5% في الوسط القروي.
إن توزيعَ الدخل يسمح لنا بتحديد عتبة الفقر. وعلى أساس أن هذه العتبة تتحدد في نصف الدخل الوسيط، فإن نسبة الأشخاص ذوي الدخل المحدود تبلغ 12.5% على الصعيد الوطني سنة 2019: 6.8% في الوسط الحضري و22.9% في الوسط القروي.
وبصفة إجمالية يبلغ عددُ الفقراء، بحسب الفقر النسبي، 4.5 مليون شخصاً، من بينهم الثلثان، وبالضبط 66.4%، ينتمون إلى المجال القروي.
وينبغي التوضيحُ، أيضاً، ودائما بحسب المندوبية السامية للتخطيط، أن دخل الأسر يختلف حسب سن رب الأسرة وجنسه ومستوى تكوينه والفئة السوسيو-مهنية التي ينتمي إليها.
وعلى هذا المُستوى، من بين المجموعات الستة التي تم ذكرها، تتمتع فئة الموظفين السامين والمُدراء والأطر الإدارية بالمقاولات وأطر عليا ومهنيون مستقلون بأعلى دخل: 17040 درهماً.
أما الفئة الدنيا التي تتوفر على دخلٍ متوسط هو 4720 درهماً للأسرة الواحدة، فهي التي تتشكل من عمال غير زراعيين وحَــمَّــالين ومُشتغلين بالمهن الصغرى والعاطلين الذين لم يسبق لهم مزاولة أي عمل،.
ولقد كان من المُفيد أن يوضح لنا محررو المذكرة الوسيلةَ التي يتمكن من خلالها عاطلٌ لم يسبق له أن اشتغل، وهو رب أسرة في نفس الوقت، من الحصول على دخل شهري يبلغ 4720 درهماً !!
مع ذلك، ومهما يكن من أمر، فإن العمل المُنجز من قِبَل المندوبية السامية للتخطيط يُعتبر إسهاماً بغاية الأهمية لحصول المعرفة بهذا الموضوع الذي ظل إلى حد الآن في الظل.
وللتذكير، فإن المُعطيات المُعتمدة في هذه المذكرة تم الحصول عليها مُباشرةً من الأشخاص الذين شملهم البحث. ومن ثمة فهي مُعطياتٌ غير مطابقة للحقيقة.
فمن هو هذا المغربي الذي يجرؤ على الإفصاح عن دخله الحقيقي بكل تجرد ونزاهة !؟ فنحن أمام مسألة في غاية الحساسية مَــرَّ عليها التقرير حول الثروة الإجمالية مرور الكرام. وهو أمر لا يحتاج إلى تفسير.
وعليه، فإن مسألة الدخل وتوزيعه تظل مطروحةً بكاملها، وتتطلبُ مُعالجتها، بالإضافة إلى إرادة سياسية حقيقية، مُساهمة كل الأطراف المعنية، وبالدرجة الأولى إدارة الضرائب والنظام البنكي…
وعلى أي حال، فإن التفاوتات النقدية (الشكلية) لا تُعَبِّرُ إلا جزئياً عن التفاوتات الحقيقية، طالما أن هذه الأخيرة تشمل أيضاً متغيرات أخرى، من قبيل الولوج إلى التعليم والصحة والسكن، والموقع الاجتماعي، وشبكات التأثير في المجتمع.
وفي نهاية المطاف، نحن أمام ورش واسع يجب الخوض فيه نظريا للحسم فيه سياسياً.
إنه بالفعل برنامج بكل ما تحمله الكلمة من معنى.