الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات: حالات الغش والفساد تندرج ضمن جرائم الاعتداء على المال العام قد تجد مصدرها في الملاحظات التي تسفر عنها العمليات الرقابية التي تنجزها المحاكم المالية
قال الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات بمناسبة توقيع مذكرة التعاون بين المجلس الأعلى للحسابات من جهة، وبين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة من جهة أخرى. قال ان “حالات الغش والفساد التي تندرج ضمن جرائم الاعتداء على المال العام قد تجد مصدرها في الملاحظات التي تسفر عنها العمليات الرقابية التي تنجزها المحاكم المالية، وقد تكون أيضا موضوع مساءلة قضائية أمام المحاكم المالية سواء في مادة التدقيق والبت في الحسابات أو التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية؛”
واضافإ” إن محاور هذه المذكرة تجسد تقاطع وتكامل دور مختلف الأطراف الموقعة عليها على نحو يضفي على تدخلاتهم في مجال محاربة الفساد طابع الشمولية. ويتجلى المظهر الأول لهذا التقاطع في تشابه الركن المادي للمخالفات المستوجبة للمسؤولية أمام المحاكم المالية مع الجرائم المتصلة بالاعتداء على الأموال العمومية.فعلى سبيل المثال، لا تختلف كثيرا بعض صور مخالفة قواعد تصفية النفقات العمومية والأمر بصرفها وحصول الشخص لغيره على منفعة نقدية أو عينية غير مبررة مع جريمة الاختلاس، التي تنطبق على كل موظف عمومي اتجهت نيته إلى التصرف فيما يحوزه من مال بسبب وظيفته على اعتبار أنه مملوك له وإن لم يتصرف فيه فعلا، وجريمة التبديد التي تهم كل موظف عمومي وضعت تحت يده أموالا عمومية بحكم وظيفته وقام بصرفها للغير دون احترام المساطر والقواعد التنظيمية الجاري بها العمل أو قام باستعمالها واستغلالها استغلالا معيبا وغير قانوني، وهو يعي جيدا بأن من شأن ذلك إلحاق أضرار مادية بالجهاز العمومي.”كما تتشابه مخالفة حصول الشخص على منافع غير مبررة لنفسه مع جريمة تلقي فائدة. ويظهر هذا التقاطع بشكل أكثر جلاء عندما يتعلق الأمر بمخالفة مبدأ فصل المهام بين الآمر بالصرف والمحاسب العمومي، كما هو الشأن بالنسبة لحالات التسيير بحكم الواقع، إذ يرتبط الأمر في غالب الأحيان بأفعال قد تشكل جرائم انتحال الصفة أو تزوير أو اختلاس أو تبديد أموال عمومية .عمومية.”
وأكد الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحساباتا ” ان المظهرالثاني لهذا التكامل وهذه الشمولية، فيتجلى في نطاق مبدأ شرعية المخالفات. فإذا كان يقصد بالجريمة كل فعل أو امتناع نهى المشرع عنه ورصد لفاعله جزاء جنائيا حيث يلزم لقيام الجريمة قانونا وجود نص قانوني يحظر إتيان أو ترك فعل معين، وتقرير عقوبة جنائية على ذلك، وتوافر أركان الجريمة وفقا للنص القانوني الخاص بها، فقد اتجه المجلس الأعلى( محكمة النقض حاليا)، نحو التوسيع في تحديد مفهوم القواعد القانونية التي قد يترتب عن عدم احترامها إثارة مسؤولية الأشخاص الخاضعين لاختصاص المحاكم المالية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، كما هو الشأن بالنسبة للمساءلة التأديبية بشكل عام، حيث قضى في اجتهاداته بأن ” قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص إنما تخص تطبيق القانون الجنائي وموضوع المتابعة المعروضة هو المجال التأديبي الذي يخضع للقوانين والأنظمة والمناشير والدوريات إلى جانب خضوعه لما يعتبر من المسلمات البديهية التي لا تحتاج إلى تنظيم أو تقعيد…”.
ويتجلى المظهر الثالث لشمولية وتكامل صلاحيات الأطراف الموقعة على المذكرة فيالمذكرة في الغاية من المساءلة سواء في المادة الجنائية أو أمام المحاكم المالية. فإذا كانت المساءلة الجنائية تتجاوز وظيفة تدبير المال العام وتهدف، بالأساس،إلى معاقبة الإخلال بواجب الاستقامة وحفظ الأمانة، فإن إثارة المسؤولية أمام المحاكم المالية ترتكز على على وظيفة المسؤول المعني ومدى قيامه بالمهام المنوطة به طبقا للقوانين والأنظمة السارية وللممارسات الجيدة والفضلى في التدبير المطبقة بالجهاز العمومي الذي يتولى داخله مسؤوليات ومهام وظيفية، وهو ما يضفي على هذه المسؤولية طبيعة خاصة ومهنية تهدف من خلال فرض عقوبات مالية إلى حماية قواعد القانون العام المالي بغض النظر عن مدى ثبوت الإرادة لدى المسؤولين المعنيين عند ارتكاب المخالفات المستوجبة للمسؤولية. وعليه، فإن المخالفات المستوجبة للمسؤولية أمام المحاكم المالية لا تختلف جوهريا، عندما تتسم بخطورة كبيرة، عن الجرائم ذات الصلة بالأموال العمومية.
وفي المحصلة، يقول الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات “نخلص إلى أنه لئن كانت بعض المخالفات أو الجرائم تبدو على درجة عالية من الخطورة، فإن من شأن ظروف وملابسات ارتكابها أن يحدّ بشكل كبير من نسبة هذه الخطورة. وفي مقابل ذلك، هناك جرائم ومخالفات أخرى، وإن كانت تبدو أقل خطورة من حيث طبيعتها، فإن من شأن الظروف التي واكبت أو سبقت أو تلت ارتكابها أن تجعلها أشدّ خطورة.”