رئاسة النيابة العامة.. صرح قضائي يستشرف نماذج جديدة للحكامة
بشرى آزور/ ومع
الرباط – تكرس مؤسسة رئاسة النيابة العامة نموذج صرح قضائي يعمل على تفعيل مبدإ استقلالية السلطة القضائية، للارتقاء بدورها ضمن حقل القضاء بالمملكة.
فمنذ استقلالها بتاريخ 07 أكتوبر 2017، تعمل هده المؤسسة على تنفيذ استراتيجية تروم تنزيل مقتضيات دستور المملكة، المتعلقة بتعزيز استقلالية السلطة القضائية، وتفعيل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة.
وشكل نقل صلاحيات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى رئاسة النيابة العامة ، باعتبارها جزء من السلطة القضائية التي يشملها الاستقلال المؤسساتي المنصوص عليه في الفصل 103 من الدستور ، مرحلة حاسمة أتاحت تطوير مكانة وأداء هذه المؤسسة، وتعزيز إشعاعها وطنيا ودوليا.
في هذا الصدد، أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي أن المؤسسة وجدت مكانتها بين باقي مؤسسات الدولة في ظرف زمني قياسي، وبمواصفات حديثة وعصرية، وموارد بشرية كفؤة ومجندة لخدمة العدالة.
وأوضح السيد الداكي في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة ذكرى عيد العرش، أن مؤسسة رئاسة النيابة تتطلع إلى عدالة نزيهة وفعالة، تحظى بالمصداقية والثقة، معتبرا أن تقييم أداء السنوات الأربع الأولى لهذه المؤسسة القضائية أسفر عن نتائج جد إيجابية.
++ صرح مؤ سسة قضائية ساهمت في الإشعاع الوطني والدولي للعدالة المغربية
يشدد السيد الداكي على أن تأسيس رئاسة النيابة العامة لم يكن سهلا لولا العناية الملكية السامية التي تجسدت في تعليمات جلالة الملك بالمجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 25 يونيو 2017، بالإسراع بإيجاد مقر لائق لرئاسة النيابة العامة وتوفير الإطار القانوني لاشتغالها.
وتتمثل أهم منجزات المؤسسة ، خلال السنوات الأربع لمزاولة مهامها ، في إرساء البناء المؤسساتي لرئاسة النيابة العامة ضمن مؤسسات الدولة، بمواصفات عصرية، واستراتيجية عمل واضحة في احترام تام للمقتضيات الدستورية والقانونية التي تؤطر عملها.
وتهدف في ذلك ، على الخصوص ، إلى إرساء التوجهات الأساسية لتنفيذ السياسة الجنائية حيث بادرت رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها إلى وضع أولويات للسياسة الجنائية همت ، بالأساس ، تعزيز حماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات، والتواصل مع الرأي العام والانفتاح على المحيط الخارجي، وتعزيز حقوق الإنسان والتصدي للانتهاكات الجسيمة أو الماسة بحرية الأفراد، فضلا عن تخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد، وتعزيز الحماية القانونية لبعض الفئات الهشة، ومكافحة الاتجار بالبشر.
كما أن التواصل مع الرأي العام بشأن القضايا التي تستأثر باهتمامه، وتقديم المعلومة للمواطن في إبانها، فضلا عن إغناء النقاشات والحوارات في عدد من المنابر الإعلامية، يشكل محورا هاما ضمن حصيلة عمل المؤسسة، إذ وضعت رئاسة النيابة العامة برنامجاً يرمي إلى تكوين الناطقين باسم النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة، وهو الرهان الذي تم كسبه من خلال تكوين أزيد من 150 قاضيا للنيابة العامة في مجال التواصل.
وعملت رئاسة النيابة العامة على مواكبة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومحاربته، من خلال إحداث آلية الخط المباشر للتبليغ عن الرشوة والفساد المالي، التي انطلق العمل بها بتاريخ 16 ماي 2018 وساهمت إلى حدود اليوم في ضبط 181 مشتبها فيه في حالة تلبس.
وفي إطار الانفتاح على المحيط الخارجي، قال السيد الداكي إن رئاسة النيابة العامة انضمت لمجموعة من المنتديات الدولية، من بينها انتخاب المغرب نائبا لرئيس جمعية المدعين الأفارقة سنة 2018، وللجمعية الدولية للمدعين العامين، فضلا عن حصولها على صفة ملاحظ بالمجلس الاستشاري للوكلاء الأوروبيين، مسجلا أن المملكة تعد البلد العربي والإفريقي الوحيد الذي يحظى بهذه الصفة لدى هذا المجلس.
وفي سياق الأزمة الصحية التي فرضتها ظروف جائحة (كوفيد-19)، تطرق رئيس النيابة العامة إلى العمل الاستثنائي المنجز بتنسيق مع مختلف الفاعلين في مجال العدالة الجنائية وعلى رأسهم المجلس الأعلى للسلطة القضائية وهيئة الدفاع ومصالح الشرطة القضائية.
وقد تم على الخصوص ، في إطار ابتكار حلول جديدة تتلاءم والظروف الاستثنائية التي مازالت المملكة تعيش تداعياتها ، اعتماد المحاكمة عن بعد في قضايا المعتقلين، والتي مكنت إلى غاية يونيو الماضي من عقد 23.797 جلسة وإدراج 445096 قضية حكم فيها 70310 معتقل أفرج من بينهم على حوالي 14.281، وهي أرقام تعكس ، يتابع السيد الداكي ، حسن تدبير هذه المرحلة التي عرفت انتشار الجائحة.
وخلص المتحدث إلى أن مرحلة التأسيس الأولي لمؤسسة رئاسة النيابة العامة ومرحلة بناء هياكلها والتأصيل القانوني لمجال اشتغالها وإيجاد الموارد البشرية والمادية الكفيلة بضمان حسن سيرها ووضع التصور العام وفلسفة وأبعاد استقلالها، أفضوا إلى بناء صرح مؤسسة قضائية ساهمت في الإشعاع الوطني والدولي للعدالة المغربية.
++ تعزيز استقلالية السلطة القضائية وتكريس حقوق الإنسان.. أولويتا ورش إصلاح منظومة العدالة
يتم تنزيل مختلف أوراش إصلاح منظومة العدالة على مستوى رئاسة النيابة العامة في إطار استراتيجية عمل تتوخى تحقيق عدة أهداف، في مقدمتها تكريس مبدإ استقلالية السلطة القضائية وفقا لروح دستور المملكة والقوانين التنظيمية المنظمة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، بالإضافة إلى القانون رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية بالعدل إلى رئيس النيابة العامة وسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة.
ويبرز السيد الداكي ، في هذا الصدد ، أن رئاسة النيابة العامة عملت على تفعيل هذه النصوص القانونية بما يكفل تكريس استقلالها بشكل فعلي، مؤكدا أن المؤسسة ستستمر في نهجها المبني على الدفاع عن استقلال السلطة القضائية واتخاذ جميع التدابير القانونية من أجل تعزيز حماية الحقوق والحريات.
وإلى جانب الإسهام في إغناء النقاش الدستوري والقانوني حول استقلالية النيابة العامة كخيار دستوري يعكس تميز التجربة المغربية وريادتها، يجد انعكاس استقلالية رئاسة النيابة العامة صداه في القرارات المتخذة من طرف قضاة النيابة العامة بمحاكم المملكة.
أما بخصوص تعزيز حماية حقوق الإنسان وباعتباره أحد أهم أولويات تنفيذ السياسة الجنائية ، يضيف السيد الداكي ، فإن رئاسة النيابة العامة، ووعيا منها بما أولاه دستور المملكة من أهمية لحقوق المواطنين وحرياتهم واستحضارا منها للمبادئ الأساسية لمنظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ، ما فتئت في كل تعليماتها الكتابية القانونية تشدد على ضرورة صيانة هذه الحقوق والحريات، وتوفير جميع الضمانات القانونية، وترتيب الجزاء على عدم الالتزام بها تفعيلا لمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما قامت المؤسسة ، يقول السيد الداكي ، بإطلاق برنامج غير مسبوق من أجل تكوين قضاة النيابة العامة وتعزيز قدراتهم في مجال حقوق الإنسان، استفاد منه لحد الآن أزيد من 400 قاض للنيابة العامة في مواضيع ذات ارتباط وثيق بصميم عملهم يؤطره خبراء دوليون متميزون.
يتم كذلك تنظيم لقاءات تواصلية مع الشركاء الأساسيين في مجال العدالة الجنائية ولاسيما المديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي، من أجل تدارس إكراهات العمل والحلول المقترحة.
++ الاستحقاقات الانتخابية.. انخراط كبير لتعزيز نزاهة العملية الانتخابية
في إطار التحضير للانتخابات التي ستشهدها المملكة في الفترة المقبلة، تم إصدار منشور مشترك بين رئاسة النيابة العامة ووزارة الداخلية، موجه إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، بشأن تفعيل التدابير المتعلقة بتتبع الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
وفي هذا الصدد، ذكر المسؤول بالإعلان ، مؤخرا ، عن تشكيل آليات مراقبة العملية الانتخابية، من خلال إحداث لجنة مركزية لتتبع الانتخابات، تتألف من وزير الداخلية ورئيس النيابة العامة ولجان جهوية ومحلية للسهر على تتبع العمليات الانتخابية المقبلة وضمان شفافية ونزاهة العمليات الانتخابية، مبرزا أن هذه الفعاليات ستواكب العملية في مختلف مراحلها بناء على توجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لتكون الانتخابات نزيهة وفي مستوى انتظارات المواطن في المرحلة المقبلة.
وتضطلع مؤسسة النيابة العامة بدور هام في مسار العملية الانتخابية، وذلك بصفتها عضوا بهذه اللجان الجهوية والإقليمية التي تتولى التحقق من احترام القوانين الانتخابية من قبل الجهات المعنية خلال جميع محطات المسلسل الانتخابي. وتتمثل مهام الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية ، في هذا الصدد ، في الحرص على المشاركة ، بشكل فعال ومسؤول ، في أشغال هذه اللجان، وتفعيل الصلاحيات والاختصاصات المسندة إليها، من خلال التصدي لكل الممارسات الماسة بسلامة العمليات الانتخابية ونزاهتها ومصداقيتها بالسرعة والحزم اللازمين.
ويؤكد السيد الداكي ، في هذا السياق ، أن رئاسة النيابة العامة ومعها كافة قضاة النيابة العامة سيقفون في الصف الأمامي لمواجهة كل الأشكال التي من شأنها المس بنزاهة العملية الانتخابية، سواء في إطار تأسيس وتنظيم وتنسيق التعاون بين السلط المعنية في إطار اللجنة المركزية أو اللجان الجهوية والمحلية، وذلك في إطار ما يسمح به القانون وما تخول لهم الاختصاصات المنصوص عليها في القانون الحالي ومدونة الانتخابات وكل القوانين المؤطرة للعملية الانتخابية.
وبعد أن اعتبر أن انتظام هذه المنظومة في إطار يواكب العملية الانتخابية من شأنه الحرص على ضمان شفافية الانتخابات فضلا عن تطبيق المقتضيات الزجرية المنصوص عليها في إطار الاختصاصات الموكولة للنيابة العامة، أكد أن المؤسسة ستكون في الموعد كلما تطلب الأمر تدخلها لتصحيح وضع أو تحرير مخالفة للقوانين المنظمة لهذه الانتخابات، وستعمل في إطار اليقظة والفعالية في كل مراحل العملية الانتخابية.
++ نماذج جديدة للحكامة.. أبرز محاور العمل المستقبلية
يعتبر السيد الداكي أن إنجاح الرهانات المستقبلية يرتكز على الاشتغال وفق نماذج حديثة للحكامة في مجال تدبير النيابة العامة، تربط تحقيق النتائج بالأهداف وفق مؤشرات محددة قابلة للقياس، وذلك لتقييم أداء عمل النيابات العامة والذي يندرج في إطار المبدإ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما ستعمل المؤسسة ، يضيف المسؤول ، على دعم وتعزيز استقلال القضاء، ومواصلة علاقات التعاون مع مختلف الفاعلين في مجال العدالة وهيئات المجتمع المدني، إلى جانب التصدي للانتهاكات الماسة بالحقوق والحريات والعمل على ترشيد استعمال الآليات القانونية المقيدة للحرية، وضمان حقوق الدفاع واحترام الأجل المعقول في تدبير الإجراءات والتطبيق السليم للقانون، وتحقيق مبادئ العدل والإنصاف، وذلك في إطار تنفيذ السياسة الجنائية.
ويؤكد السيد الداكي على أهمية المساهمة في حفظ النظام العام الاقتصادي وتشجيع الاستثمار، عبر تعزيز دولة الحق والقانون وضمان الأمن القانوني والقضائي اللازم في سياق تنزيل النموذج التنموي الجديد، إلى جانب الاهتمام بانشغالات المواطن، موضحا أن العمل سينصب على المساهمة في توفير قضاء فعال، منصف ونزيه قريب من انشغالات وهموم المواطن، بالشكل الذي يضمن له الأمن القضائي، ويضمن له ولوجاً فعالاً للعدالة.
كما يأتي تخليق منظومة العدالة على رأس أولويات مجال اشتغال رئاسة النيابة العامة، في إطار تفعيل مدونة الأخلاقيات القضائية من خلال الحد من كل السلوكيات التي تخدش صورة القضاء، وتزعزع الثقة في حياده ونزاهته.
في هذا الصدد، يشدد رئيس النيابة العامة على أن المؤسسة ستسخر كل إمكانياتها وصلاحياتها القانونية للمساهمة بشكل فعال في ورش التخليق، فضلا عن التصدي الصارم لكل مساس بالمال العام، والسهر على تعزيز قيم النزاهة والشفافية.
كما ستحرص المؤسسة على تفعيل التكوين المستمر واعتماد التكوين التخصصي في بعض المجالات، من أجل ضمان مواكبة قضاة النيابة العامة للمستجدات التشريعية، والرفع من القدرات المعرفية.
كما تنكب المؤسسة على توحيد عمل النيابات العامة بالمحاكم في ما يتعلق بتطبيق النصوص القانونية، وتوحيد طريقة تقديم الخدمات المقدمة لفائدة المواطنين والسعي إلى تطوير وتجويد ظروف الاستقبال والولوج إلى المحاكم.
وفي هذا الإطار، أشار السيد الداكي إلى أن رئاسة النيابة العامة بصدد إعداد دلائل مؤطرة وموجهة ستضعها رهن إشارة قضاة النيابة العامة ، ورقيا ورقمياً ، فضلا عن وضع منصة رقمية لتنظيم مواعيد الاستقبال بالنيابات العامة بالمحاكم والتي من شأنها المساهمة في تطوير الولوج للعدالة.
وخلص السيد الداكي إلى التشديد على أن النجاح في المرحلة المقبلة يتطلب أساسا تطوير أداء النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة، لتكون نيابة عامة مواطنة.
ومع