مسارات مختلفة بعقول ناضجة

فنجان بدون سكر:

بقلم عبدالهادي بريويك
التاريخ البشري عرف متغيرات متعددة، وعرف تطورات بأفكار بشرية متنوعة ومختلفة، لكنه ظل يسير نحو الأمام نحو التطور بفضل العلم والمعرفة والإيمان بالعقل المتنور في إطار شمولي فكري ووجداني في رغبة نحو التحول .
ظهرت عبر مر التاريخ حركات التحرر وحركات التقهقر والتراجع، حركات تستهدف تحقيق التكامل في سبيل التقدم واخرى تسعى إلى الهدم وردم كل ما هو ايجابي بغاية تفحيم الصورة لا أقل ولا أكثر. منطلقة من الذات العدمية بتفخيم مدمر. تدمير الذات وتذويبها، عوض المساهمة في وحدة المنظومة وإثراء الفكر وتحديثه بغاية مثالية لا تتخذ أقنعة لا تعكس حقيقة غاياتها الرامية تماما الى استعمال المعول والهدم.
حزب التقدم والاشتراكية منذ تأسيسه في اربعينيات القرن الماضي والى اليوم سجل مواقف كبرى يقف أمامها الوطن وقفة اكبار واجلال رغم ما تعرض له من منع وقمع وخيانات لم تطفو على الساحة التنظيمية الا مع مع تسعينيات القرن الماضي، لكنه ظل وفيا للقيم والمبادئ صامدا في وجه كل ريح راغبة الى تقزيمه وتقزيم أدواره المجتمعية وبما يحمله من يقينيات ثابتة في سبيل الدفاع عن الوطن وعن الحريات الفردية والجماعية وارساء دعائم الحكامة والديموقراطية، وظل رغم الصعوبات التي تعرض لها حاضرا في المشهد السياسي بفضل حكمة قياداته وقادته التاريخيين الذين نهلوا الفكر والعلم ومارسوا السياسة عن ذراية وفهم، وكانوا كما زالوا يسيرون في إطار واضح المعالم، وفي طريق اصلاح المجتمع، وتكريس الدور الحقيقي للفعل السياسي السليم والا لما عاش واستمر ونال ثقة المواطنات والمواطنين واستطاع فعلا الى مناهضة كل النزعات الفردانية التي لم تجد مكانها داخل هياكل التنظيم.
حزب التقدم والاشتراكية؛ هذا التنظيم السياسي المغربي ( المقاوم) قدم عدة مذكرات رائدة سواء تعلق الأمر بالمناصفة والمساواة ونظم في ذلك عدة لقاءات وندوات، واخرى حول حرية التعبير والصحافة والاعلام وساهم في هذا الإطار في تفعيل مجموعة من الملفات ذات الارتباط بهذا الشأن ونال جائزة الشرف لما كان امينه العام الحالي وزيرا للاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، كما تقدم بمذكرات ذات راهنية وواقعية مرتبطة باصلاح منظومة التربية والتكوين، واخذت بعين الاعتبار من قبل اللجنة الملكية الاستشارية التي اعترفت بان حزب التقدم والاشتراكية هو حزب النخب الحاملة لمشعل التفكير، من خلال ممارسة المهام السياسية الوطنية، وفي نسق تفكير جماعي متكامل يسعى دوما الى ضمان الحق في المواطنة الكاملة كما دسترها الدستور وأطرها القانون، مذكرات حول قانون الإعدام والحق في عدالة إنسية مشمولة بمختلف الدراسات التي تسلط الضوء على كل الجوانب، مذكرات ذات ابعاد اجتماعية تهم قضايا المجتمع بفكر تحليلي وتمحيصي، فكر يستحضر الخصوصيات المغربية بكل آمالها المستشرفة للمستقبل ولايؤمن باستيراد الأفكار واسقاط تجارب الغير على هذا الوطن.
في مناقشات حزب التقدم والاشتراكية ومرافعاته حول إصلاح مدونة الانتخابات، ابان الحزب عن علو فكره وصفوة مفكريه، وأن امنائه العامين كرسوا حياتهم لتطوير الحياة السياسية لا لتشتيتها وتفتيتها، بل ساهموا بدء من الراحل سي عليه يعته ومرورا بسي اسماعيل العلوي اطال الله عمره ووصولا بسي نبيل بنعبد الله الذي زاد من قيمة عراقة الحزب وتحديثه وانفتاحه على النخب بكل ما تمتعوا ويتمتعون به من الحكمة والرصانة وعدم التسرع.
جاذبية حزب التقدم والاشتراكية تزداد يوما بعد يوم، رغم إمكانياته المادية ورغم قلة موارده، ليسخر طاقاته الفكرية بمستوى عال من الجدية والذكاء في تحرير مذكرة اقتراحية حول النموذج التنموي الجديد الذي اسال مداد الكثير من الاقلام الصحفية والاعلامية ولما حظي به من تقدير واحترام من قبل اللجنة الملكية المفوض لها هذا الأمر.
حزب التقدم والاشتراكية ، ظل محافظا على ماء الوجه، مدافعا عن الطبقات الهشة داخل المجتمع المغربي من خلال كل المسؤوليات التي تحملها في إطار الحكومات، واخص الحكومات الأخيرة بمختلف تعديلاتها وبلوكاجيتها ، ودبر ملفات عالية المستوى وبكفاءات عالية، سواء في تدبير قطاع الماء وعدد السدود التي ارتفع عددها في فترة شرفات أفيلال، او محاربة السكن الغير اللائق ومحاربة أحزمة البؤس ومناهضة مافيا العقارات في عهد نبيل بنعبد الله وما حققه من نتائج على مستوى سياسة المدينة بدون صفيح، كما هو الشأن على مستوى الصحة وكيفية تدبيره في عهد الحسين الوردي، وكيف خلق منظومة الرميد، وحارب مافيا الأدوية، وخفض من اثمنة الأدوية الباهضة الثمن المستوردة، كما خلق منظومة تصنيعها وطنيا بفضل علماء وكفاءات الوطن، ناهيكم عن اغلاق بويا عمر وما كان يعرفه من تعسفات إنسانية لا تحترم كرامة البشر ، وزارة الثقافة وكيف تم تدبيرها في مختلف المجالات التي تحترم الثقافة والهوية المغربية و احترام الثقافات المتنوعة التي يزخر بها المغرب مع تشجيع الحفاظ على التراث المادي والا مادي للتاريخ المغربي وانعاش الحركات الثقافية ومنح بطاقة الفنانين واحترام دور المراكز والمنشآت الثقافية ودور السينما و المسارح وقاعات العرض، والمكتبات الجماعاتية وغيرها من السياسات التي ابدعها حزب التقدم والاشتراكية في عهد محمد امين الصبيحي، وزارة التشغيل والتكوين المهني وما ابدعه الرفيقين عبدالواحد سهيل وعبد السلام الصديقي رغم الاكراهات…
هذا سيل من بحر عطاءات حزب التقدم والاشتراكية الذي ناضل ويناضل من أجل كرامة المواطن في إطار تدبيره للقطاعات الحكومية التي حاولت التركيز على بعضها دون سرد الكثير منها والتي كانت متميزة وساهمت في تتريب الحياة السياسية في أنظمة الحكومات المغربية.
بمعزل عن هذا وذاك، لا بد من استحضار وباء كورونا منذ ان خيم بظلامه على مختلف بلدان العالم عامة والمغرب خاصة وعلى نحو الخصوص مختلف الأحزاب السياسية المغربية، لكن حزب التقدم والاشتراكية لم يتوارى عن الأنظار بل منذ حلول الوباء اللعين بقي هذا الحزب العتيد حاضرا في المشهد السياسي، بتنظيم مجموعة من اللقاءات والمحاضرات والندوات “عن بعد’ ، ملتزما بدوره الحقيقي في المقاربة التشاركية تجاه المواطنات والمواطنين في الوقت الذي حجبت عن الأنظار معظم الاحزاب السياسية، ملتزما بدوره الدستوري محافظا على توازنه السياسي، ولم يترك أي فراغ في أداء واجبه الوطني.
اليوم تخرج من بين ظهرانينا حركة أطلقت على نفسها اسم ( سنواصل الطريق ) وسبق لي نشرت مقالة اي طريق!!؟؟ متسائلا في ذات الآن عن شرعية هؤلاء الاعضاء في شرعنة هذه الحركة الغير السوية والتي نتجت عن فكرة عضوين لا يقدمان ولا يساهمان حتى في تقديم واجباتهما الحزبية ناهيكم عن التسعة الباقية والموقعين الخارجين عن البيت الحزبي كثر لأسألهم سؤالا شريفا نقيا، ماذا قدمتم لحزبكم؟ ماهي الأفكار التي ساهمتم بها من أجل ديمومة واستمرار تاريخه؟ ماقيمة المبالغ المودعة لدى حساب حزبكم كواجب شهري او سنوي والذي بموجبه يمنح لكم الأحقية، أحقية التعبير والتصويت انطلاقا من الميثاق الذي يجمعنا الا وهو القانون الأساسي ونظامه الداخلي؟ هل لدى من انخرط في أحزاب أخرى أو ترشح مستقلا او ساهم بشكل أو بآخر في العزوف السياسي والانتخابي اليوم ان يخرج باروداته وينطق بالمواصلة، مواصلة ماذا وحزبك قطع اشواطا وحقق نتائج بفضل حنكة من ساهموا وسهروا في تحقيق هذا الفوز دون قفة رمضانية ودون استجداء الاصوات وكنتم حينما ترتلون تراتيل الوفاة على حزبكم العظيم .
للسجية بقية ولنا موعد مع التاريخ