يوما ما سيتهمنا رئيس الجزائر بأننا وضعنا السم في طريقه!
عبد الحميد الجماهري
لي صديق عزيز للغاية، له سيرة جميلة وممتعة مع والده رحمه لله، والذي كان عادة ما يناديه باسمه الشخصي…
كان الولد صديقي يحكي عن قصص أبيه الغارقة في المتعة بمحبة وحنو، حتى ووالده يكاد أحيانا يجاور السريالية في ما يجري له من قصص.
مرة جاء الصديق إلى مجمعنا وهو يكاد يتلوى من الضحك، وقد استغرقته ضحكة صامتة من النوع الذي يفقد قهقهاتها لفائدة دموع تتجمع عند المقلتين، كان يردد في هذه قصة والده ذاك الصباح:
كان الوالد، رحمه لله، يعيش قصة متسلسلة من اللقطات المتشنجة مع إحدى جاراته، تمتزج فيها الفكاهة بالغضب، وكان يتهمها بأنها تخطط ضده وتنشط الأحابيل الشريرة وتحبك الأنشوطات الماكرة ضده. ذات صباح، بدأ يومه وهو في غاية القلق ويصرخ بالقرب من الباب، والجارة ترد عليه بما يساوي اتهاماته، خرج صديقي واتجه نحو والده بالسؤال المعتاد:
– آش كاين عاودتاني مع الشريفية؟
قال والده:
– شووووف هاذ الشريفية انتاعك، راه دارت لي (وضعت) السم… في الطريق!
اهتز كيان ولده بقهقهة من الأعماق وهو يعلق في نفس الوقت:
– واش انت كاتمشي على لسانك؟ ( هل تمشي على لسانك؟).
تذكرت هذه الحكاية وأنا أكتبها ضاحكا لما قرأت تقرير البنك الدولي، وموقف الجزائر منه، وكيف أنها تبحث عن «سم» مغربي، في كل ما قد يصيبها، ولسان حالها يردد: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب «المروك» لنا في تقرير البنك الدولي!
فهذه الدولة، في كوابيسها الدائمة تكاد تجعل من بلادنا قدرا..
وقدرة ربانية… ومشيئة تصنع كل آلامها وآمالها..
يوما ما ستشكو إلى العالم بأننا وضعنا الليل قرب شمسها، وأننا جعلنا الأمراض تتسلط عليها، وربما أيضا أننا وضعنا السم في طريق التنمية، لنحرمها من ثمار النفط والغاز…
ولن أخفيكم أنني لم أعد في حاجة لاستعمال العقل من أجل الفهم، وأنه يليق بي تنشيط الدورة الفكاهية البيولوجية الضرورية في حالة متابعة المكر العسكري لدى الجنرالات.
لا حاجة إلى العقل مع الإخوة الشرقيين…
لا حاجة للتساؤل أو التفكير أو التنديد أو الاستنكار…
فقط علينا أن نتابع ونضحك ونتأسف على مصير شعب وضعه لله، سبحانه وتعالى، والتاريخ والسياسة والجغرافيا والاستعمار سابقا بين يدي، أو قل، تحت جزمة عسكرية غاية في الحمق…لنا أن نتصور الآن موقف الخبراء الدوليين في البنك الدولي وهم يقرؤون مواقف الدولة الجزائرية من تقرير اعتادوا إصداره كل سنة.
لا يمكن لأي كان أن يتصور الدهشة ولا الاستغراب من حمق دولة تقول إنها العظمى في إفريقيا وشرق المتوسط…
فهذا البنك تعود إصدار تقرير رصد الوضع الاقتصادي في الجزائر مرتين في السنة، وبهذا المعنى فقد كانت ولاية الرئيس تبون قد عرفت، على الأقل، أربعة تقارير من هذا النوع…
والتقرير المتهم بالتكالب ضد دولة الجزمات، يعتمد حصريا مصدرين اثنين، هما حسب البلاغ الصادر عن البنك الدولي نفسه:– البيانات العمومية، التي تظهر في قائمة المراجع التي اعتمدت عليها الوثيقة.
– أو على البيانات المقدمة من قبل سلطات الدول الأعضاء.
فالجزائر بهذا المعنى سلمت للبنك معطيات، سرعان ما اتهمته بأنه أخذها عن موظف مغربي لديه!
ولا تفسير لهذا العبث إلا بالتسليم أن الدولة الجزائرية تعطي معطيات ليست حقيقية، وتفاجأ عندما تراها في التقارير الدولية…
في هذا الزمن الوبائي، تبدو أمراض جنون العظمة والعصاب والفصام، مثل الفيروس، تنتشر بسرعة في الجزائر على غرار الانفلونزا والمتحورات الجديدة، أمراض الدولة فيها الأصلي، وفيها السلالات المتطورة، وكل حسب المواسم في سياسة الجيران!