سعيد الكحل يكتب: ماذا وراء تشكيك بنكيران في مشروعية الحكومة ؟
سعيد الكحل.
لم يستسغ حزب العدالة والتنمية ، بعدُ، هزيمته المدوية التي ألحقه بها الشعب المغربي في انتخابات ثامن شتنبر 2021 بعد رئاسته للحكومة وتصدره للانتخابات لولايتين متتاليتين.
لهذا يتعامى على الأخطاء الفادحة والجرائم الإدارية والاقتصادية والسياسية التي ارتكبها في حق الشعب والوطن خلال عقد من الزمن ، ويلقي باللائمة على الدولة في هزيمته واندحاره إلى المرتبة الثامنة (وبكل الوضوح اللازم وضع برلمان الحزب إصبعه على الجرح الذي أفرزته محطة الثامن من شتنبر، إذ اعتبر المجلس الحكومة الحالية تعاني أولا من أزمة في المشروعية نتيجة ما رافق تلك الانتخابات من اختلالات لا تخطئها العين، وما مس الجوهر الديمقراطي للعملية الانتخابية برمتها من أعطاب كبرى).
هكذا كرّس المجلس الوطني للحزب تكتيك بنكيران المتمثل في تصدير الأزمة الداخلية للحزب إلى خارجه حتى يقطع الطريق على المطالبين بإجراء مراجعات عميقة تمس إيديولوجية الحزب ومشروعه المجتمعي . فالمطلوب من الحزب ، حسب بنكيران والقيادة الجديدة ، هو العودة إلى الأسس الإيديولوجية التي قام عليها التنظيم بعد أن تراخى أو تخلى عن الالتزام بها .
وقد ركز على هذا الجانب في كلمته عند انتخاباه أمينا عاما للحزب بعد استقالة العثماني (خاصنا الإخوان نعاودو نبنيو الحزب ديالنا .. هي نبعثو الروح لي كتاخذ الأصل ديالها من المرجعية الإسلامية ، ما تنساوش ريوسكم الأخوان أنكم أنتم أنفسكم جايين من الحركة الإسلامية ودخلتيو الحياة السياسية) .
بناء على هذا الاعتقاد/التوجيه يريد بنكيران أن يُبقي الحزبَ تحت وصايته ويحاصر الأصوات المطالبة بالتغيير حتى لا يكون لها وجود في الهيأة التنفيذية للحزب ، أي الأمانة العامة ؛ فكان شرطه لقبول منصب الأمين العام ، إقصاء الأعضاء السابقين الذين شاركوا سعد الدين العثماني مسؤولية القيادة .
وكان له ذلك ، فجاءت الهيأة التنفيذية مُنقادة ومبارِكة لآراء وقرارات بنكيران .
هكذا أعلنت الأمانة العامة في اجتماعها الاستثنائي ليوم 22 فبراير 2022 (تعلن الأمانة العامة عن تبنيها الكامل لكلمة الأخ الأمين العام والمواقف التي عبر عنها واستعدادها لمواجهة هذه الحملة المسعورة بكل جرأة ومسؤولية للدفاع عن ثوابت وقضايا الوطن والمواطنين). ونفس النهج سار عليه المجلس الوطني للحزب حيث تبنى دعوة بنكيران إلى انتخابات سابقة لأوانها ليقتص من حزب الأحرار ومن رئيس الحكومة عزيز أخنوش .
إذ جاء في بيان برلمان البيجيدي في ختام أشغاله يوم 19 فبراير الجاري”أن الجواب الصحيح على فشل الحكومة في الوفاء بالوعود الغليظة للأحزاب المشكلة لها بعد مهلة معقولة، لا يمكن أن يكون إلا بانتخابات جديدة حرة ونزيهة وشفافة وعبر صناديق الاقتراع وليس عبر تغيير رئيس حكومة بآخر”.
إن الدافع إلى هذه الدعوة هو محاولة البيجيدي الركوب على حالة الغضب العام من الحكومة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والكثير من المواد الغذائية الأساسية وكذا وضعية الجفاف ، لترميم صفوفه طمعا في استرجاع جزء من المكاسب والمناصب التي فقدها ، والتي أثرت مباشرة على مكانة الحزب وموارده المالية .
ومن مغالطات بنكيران أن قيادة العثماني للحزب ارتكبت أخطاء ( ومنها تمرير قانون الإطار بما تضمنه من مضامين تستهدف اللغة العربية، وتمرير قانون الكيف، والقوانين الانتخابية بما تضمنته من قاسم انتخابي على أساس المسجلين، إضافة إلى التوقيع على التطبيع) . لهذا دعاها إلى امتلاك “الشجاعة لأجل الاعتذار” عن هذه الأخطاء التي اعتبر أنها كانت من بين الأسباب التي أدت إلى اندحار البيجيدي في الانتخابات .
لعل المثير في خطاب بنكيران أمام المجلس الوطني وفي البيان العام لهذا الأخير وكذا بيان الأمانة العامة ، هو السعي الحثيث إلى إثارة البلبلة بين المواطنين لجعلهم ينساقون مع مطلب التعجيل بالانتخابات ، أي حل البرلمان والحكومة وإجراء انتخابات سابقة لأوانها.
ومن شأن هذا التوجه أن يُفقد الدستور والمؤسسات المنتخَبة مصداقيتهما وثباتهما . فالدولة تضمن وجودها وهيبتها باستقرار واستمرار مؤسساتها في الزمان والمكان . فالبيجيدي يسعى إلى تأزيم الوضع السياسي والاجتماعي بدعوته هذه ، علما أن الدستور المغربي يضمن للمعارضة حقها في تقديم ملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة وليس لحل البرلمان . ومادام البيجيدي لا يتوفر على العدد الكافي داخل البرلمان ، كما لا يمكنه أن يُقنع أحزاب المعارضة بتأييد ملتمس الرقابة ، فإنه يلجأ إلى تجييش الأتباع والعدميين وباقي الإسلاميين بهدف الإيهام بوجود رأي عام يرفع نفس مطلب البيجيدي .
لهذا لا يفتأ زعماء البيجيدي وهيآته القيادة يرددون أن الشعب المغربي لا يزال بحاجة إلى حزب العدالة والتنمية ،كما لا يزالون يتوهمون أنهم هم من أنقذوا المغرب من “الربيع العربي” وضمنوا استقراره .
بينما وضعية الغلاء التي يشكو منها المواطنون وما يرتبط بها من مشاكل اجتماعية ، تعود أسبابها الرئيسية إلى قرارات بنكيران حين كان رئيسا للحكومة ، ومنها : إلغاء صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات دون تدابير موازية لحماية القدرة الشرائية للمواطنين ، الزيادة في أسعار كل المواد والعفو عن ناهبي المال العام . ورغم خطورة تلك القرارات على الوضع الاجتماعي ، لم تتم المطالبة برحيل بنكيران أو بإجراء انتخابات سابقة لأوانها .
بل حتى حين قرر حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة لم تتم الدعوة إلى إعادة الانتخابات ؛ مما يدل على أن الأحزاب المغربية متمسكة باستقرار المؤسسات وباحترام إرادة الناخبين .
أما البيجيدي فلا تهمه المؤسسات ولا مصداقية الانتخابات التي لم يفز بها ولا إرادة الناخبين إذا لم يضمنوا له الصدارة .
كل ما يهمه هو المناصب والمكاسب ولو على حساب استقرار الوطن.
لقد وجد بنكيران وأتباعه المغرب بلدا آمنا ومستقرا وسعوا إلى زعزعة استقراره وقلب نظامه الملكي لإقامة نظام ديني موغل في الاستبداد باعتراف بنكيران أمام المجلس الوطني للحزب (الموقف ديالنا لي كان رافض للمجتمع وبنياته ومؤسساته وكل ما فيه باش يتبدل احتاج منا عشر سنوات .. أما موقفنا من النظام الملكي ومن إمارة المؤمنين حدث ولا حرج ). سقط مخطط البيجيديين لكن لم يسقط مشروعهم الإستراتيجي .