بايتاس على درب الإفلاس!
من خلال ما تراكم لدينا من تجارب متواضعة في السنوات الأخيرة، تبين لنا أن ما كان يردده المغاربة في حق النخب السياسية خلال المواسم الانتخابية من لازمة “أولاد عبد الواحد واحد” صار حقيقة ثابتة، كما يمكن أيضا أن ينطبق عليها المثل القائل: “الطيور على أشكالها تقع”، لما يجمع بينها من سلوك وتشابه كبير في الأقوال والأفعال، خاصة عندما تقود أصوات الناخبين البعض منها إلى سدة السلطة، حيث لا يلبث أن تنكشف حقيقتهم ويتضح أن ما كانوا يرفعون من شعارات براقة ويقدمون من تعهدات والتزامات، لا تعدو أن تكون وعودا عرقوبية.
ويأتي حديثنا اليوم هنا عن تصريحات بعض الفاعلين السياسيين الاستفزازية بمناسبة ما نطق به القيادي في حزب “التجمع الوطني للأحرار” قائد التحالف الحكومي الثلاثي، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، من كلام جارح وغير مسؤول يوم الخميس 7 أبريل 2022 إبان الندوة الصحفية التي تعقب الاجتماع الأسبوعي للمجلس الحكومي.
حيث قال دون خجل ولا وجل وعيناه جاحظتان “اللي كيمشي فشي طوموبيل يتحمل الكلفة ديالها” في رده على أسئلة بعض الصحافيين بخصوص استفادة قطاع النقل من الدعم العمومي، علما أن لا أحد منهم ولا من المواطنين الحاضرين كان ينتظر منه الدفع من جيبه فارق الزيادة في أسعار الغازوال أو البنزين اللذين ألهبت أسعارهما جيوب المواطنين…
وهو ما أعاد للذاكرة تصريحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق لحسن الداودي عضو الأمانة العامة لحزب “العدالة والتنمية” سابقا حين قال عام 2016: “اللي بغا يقري اولادو يدير يدو فجيبو”، وهي التصريحات التي أثارت حفيظة شريحة واسعة من المغاربة الذين استنكروا إذاك بشدة ذلك الأسلوب الاستفزازي فأي واعتبروه إعلانا صريحا عن توجه الحكومة نحو خوصصة التعليم.
وليس هذا فقط، بل سبقه في ذات الاتجاه كبيرهم الأمين العام لحزب “المصباح” ورئيس الحكومة الأسبق صاحب أكبر معاش استثنائي (7 ملايين سنتيم شهريا) عبد الإله ابن كيران حين دعا المغاربة عام 2014 إلى مقاطعة منتوج “دانون” لمواجهة غلاء الأسعار، مؤكدا على أن يكون أول المستجيبين للدعوة، حيث تساءل ساعتها بمكر شديد “واش ما بقيتوش تعرفو تصايبو الرايب؟ صايبوه فديوركم ؤتهناو” فبالله عليكم هل هناك من رعونة أكبر من هذه؟
فمن خلال هذه التصريحات الخرقاء حول موجة الغلاء التي ما انفكت تضرب المحروقات والمواد الأساسية، يتضح بجلاء أن الفاعل السياسي بمجرد أن يصل إلى مركز القرار وتدبير الشأن العام، ويرتفع رصيده البنكي ويصبح يتمتع بامتيازات واسعة من تعويضات وسيارة الخدمة حيث المحروقات وغيرها بالمجان، حتى يسارع إلى التحلل من التزاماته تجاه المواطنين والتنصل من مسؤولياته، عوض السهر على ترجمة الوعود الانتخابية إلى حقائق ملموسة، من حيث مباشرة الإصلاحات الكبرى والحد من معدلات الفقر والبطالة، وابتكار الأساليب التي من شأنها مكافحة مختلف مظاهر الفساد، واجتراح الحلول الكفيلة بتحسين ظروف عيش المواطنين وحماية قدرتهم الشرائية من فوضى الغلاء والارتفاع المطرد للأسعار في المواد الأساسية والغذائية واسعة الاستهلاك…
وبالعودة إلى الناطق الرسمي باسم الحكومة الذي نراه يسير على خطى وزير الثقافة والشباب والرياضة الناطق الرسمي باسم الحكومة الأسبق الحسن عبيابة الذي لم يعمر طويلا في المنصب، نجد أنه هو نفس الشخص الذي سبق له أن أثار غضب أرباب المخابز والحلويات خلال الشهرين الماضيين بادعائه استفادتهم شهريا من دعم عمومي بقيمة 50 مليار سنتيم، حيث انبرت له الفدرالية المغربية للمخابز والحلويات بانتقادات لاذعة، واعتبرت ما جاء على لسانه مناف للحقيقة، نافية أن تكون تتلقى أي دعم حكومي للحفاظ على الثمن المرجعي للخبز، ومؤكدة على أنه وقع ضحية التباس بين المطاحن والمخابز.
فقد عاب عليه الكثير من المتتبعين للشأن العام والفاعلين الحقوقيين والسياسيين ما تلفظ به من كلام لا يليق بشخص في منصب المسؤولية، ولاسيما أنه مكلف بمهمة التواصل والاتصال التي تقتضي من صاحبها التحلي بنوع من الحكمة واللباقة.
ثم إنه ليس مطالبا بالاجتهاد في الاتجاه المعاكس مادام دوره مقتصرا فقط على أن ينقل للرأي العام بأمانة توجهات الحكومة وقراراتها واختياراتها بأسلوب رصين.
ناسيا أن رئيس الحكومة نفسه ليس من حقه أن يخاطب المواطنين ووسائل الإعلام بمثل ذلك القول الفظ، وكان عليه بدل أن يطلق الكلام على عواهنه واستفزاز المغاربة بتلك اللغة الاستعلائية، أن يتعلم من نظرائه في بعض بلدان العالم، الذين لم يتجرأ أي أحد منهم على دعوة المواطنين إلى تحمل تكاليف التنقل بسياراتهم، إذ خلافا لذلك أعلنت حكوماتهم عن توجيه دعم استثنائي لعموم مستعملي السيارات الخاصة، في إطار دعم القدرة الشرائية والتخفيف من أعباء الغلاء القائم…
إننا هنا لا نريد البتة أن نحاكم الناطق الرسمي باسم الحكومة التجمعي مصطفى بايتاس ولا أن ننصب له المشنقة قصد إعدامه سياسيا، بقدر ما نريد أن ننبهه إلى ما صدر عنه من سلوك يتعارض مع حجم المسؤولية المنوطة بها، وندعوه وهو الشاب الذي مازال الطريق أمامه شاقا وشائكا في الحقل السياسي، إلى ضرورة تجنب العجرفة والتحلي ما أمكن بما يلزم من الحكمة والرصانة والارتقاء بالخطاب السياسي، عوض السير على نهج سابقيه من “السياسيين” الفاشلين، الذين لا يحسنون سوى إثارة غضب المواطنين وإهانتهم في خرجاتهم الإعلامية.
اسماعيل الحلوتي