ماينتظره المغرب من ماكرون
عبد الحميد جماهري
قد يكون إيمانويل ماكرون قد هزم اليمين المتطرف، وانتصر لاستمرارية مؤسسات فرنسا الأوروبية، والمجتمع المتعدد، لكنه بالمؤكد لم يفلح في تقليص وجوده وتمدده في شرايين المجتمع الفرنسي.
والفرنسيون الذين تحلقوا حوله أو اصطفوا وراءه لم يكونوا كلهم يصوتون له أو لأفكاره، بقدر ما أنهم صوتوا ضد فكرة فرنسا مغايرة، فرنسا القطيعة والأفق الواحد والعنصرية والخروج من أوروبا.
أمام الفرنسيين والأوربيين عدة دروس:
ـ أهمها التقدم المفزع الذي حققه اليمين المتطرف، حيث اقترب من نصف المجتمع، في مستوى تاريخي غير مسبوق، حتى أن الذين ناصروا ماكرون ودعوا إلى اختياره، عابوا عليه أنه حفر مجرى واسعا لأفكار اليمين في الخمس سنوات التي مرت.
حقق اليمين ما يفوق 40 ٪ من الأصوات و60 ٪ منها ماوراء البحار، مع 13 مليون صوت، وهو ارتفاع مهول ولا شك… ينضاف إلى 16 مليون ناخب فضلوا عدم التحرك، في ما سمي كسلا ديموقراطيا كبيرا..
والأهم هو الفراغ الذي تركه الحزبان التقليديان الجمهوري والاشتراكي في حياة السياسة الوطنية، بعد أن ثبت إقرارهما من لدن ثلاثية ماكرون ميلنشون ولوبن. ووقع تبدل جديد في المعادلة الانتخابية، هذان الحزبان اللذان أثبتا وجودهما في الجمهورية الخامسة، واستمرا على مستوى التمثيلية المحلية، افتقدا إلى موحد وطني جامع وفيدرالي قادر على تقديم عرض مغر للناخبين الفرنسيين.
ـ من المحقق أن شخصية الرئيس ماكرون لعبت دورا في هذا الانتصار، مما جعل الكثيرين يعتبرون أنه انتصار شخصي له، بعد أن استطاع أن يقدم نفسه كرجل دولة، بوضع اعتباري دولي وأوروبي ومحلي في نفس الوقت، كما أثبت ذلك من خلال عناصر خارجة عن إرادة الناخبين، منها الحرب الروسية الأوكرانية والجائحة، وارتفاع المعيشة، كما أنه انتصار مشوب لفائدة الشك، لأنه جاء من أنصاره الجدد ممثلين في «الجبهة من أجل الجمهورية». فالجبهة الجمهورية لم تصوت إلا أنه لم يكن لها خيار. غير .. الموت في التطرف!.
– اجتمع في تهنئته كل الخصوم الدوليين، كأحد تعبيرات حضوره الدولي، هنأه أبو مازن كما هنأه لبيد يائيير، وهنأه بوتين كما هنأه زيلينسكي، وهنأه بايدن كما هنأه شي جينيبينغ الصيني، تهاني لا تقف عند المغزى البرتوكولي بل تتعداه إلى اقتراح شراكات وعروض في الرؤية المشتركة.
ـ على بعد ستة أسابيع سيكون أمام برنامج آخر وتحد أكثر دقة،
بعد أن تحقق له ما لم يتحقق لرئيس منذ 1962، حيث يتم انتخابه بدون أن يكون مجبرا على التحالف مع رئيس من حزب آخر، وعليه أن يحافظ على ذلك في يونيو القادم، وهو أمر ليس سهلا، أمام طموحات جون لوك ميلنشون الذي يقترح نفسه من الآن وزيرا أول، وأمام ورقة اليمين المتطرف، بتعدد تعبيراته، وإن كان لم ينجح في التحول إلى الحزب الحاكم بالرغم من أصواته..
وعليه أن يغير من طبيعة أسلوبه، بحيث ينتظر منه ألا يجعل من السنوات الخمس القادمة امتدادا أو تتمة، بقدر ما عليه أن يدبر المرحلة بطريقة مخالفة بأهم قضاياها: الهجرة، غلاء المعيشة، وآثار الحرب الروسية الأوكرانية والأمن…
بطبيعة الحال ففرنسا حليف كبير للمغرب، وشريك تجاري وسياسي عميق،
ينتظر المغرب أن تبدأ من حيث انتهى خطاب الملك في ذكرى 20 غشت الماضية..
على مستوى الهجرة وعلى مستوى التعاون الأمني وعلى مستوى القضية الوطنية الأولى..
المغرب قدر لفرنسا وقوفها الدائم إلى جانبه، لكن الواقع أن الوضع تغير بشكل كبير، وصارت فرنسا ومواقفها الإيجابية والثابتة متأخرة نوعا عن مواقف من قبيل الاعتراف الأمريكي، والاعتراف الإسباني، وهي واحدة من الدول المعنية بخطاب الملك في قضية التقدم بخطوات جديدة نحو الاعتراف بسيادة المغرب، وعدم الوقوف عند مساندة الحكم الذاتي في المجالس الدولية.
ففي ملف التعاون الأمني، ساد التحرك في جزء من الدولة العميقة في فرانس أفريكا، والتي جعلت من مهاجمة المغرب موضوعا ثابتا، لا يريد لبلادنا أن تتميز في علاقاتها الدولية.
العنصر الآخر هو عنصر الهجرة الذي عرفنا فيها أزمة الفيزا..
إيمانويل ماكرون يفوز بولاية ثانية، هذه النتيجة ستؤثر لمدة 5 سنوات على مناحي العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية والديبلوماسية وغيرها.
بالنسبة للمغرب سنبدأ من حيث انتهى خطاب الملك في ثورة الملك والشعب السنة الماضية عندما تحدث عن ماكرون وحرص جلالته على «الالتزام الذي تقوم عليه علاقات الشراكة والتضامن، بین المغرب وفرنسا، التي تجمعني برئيسها فخامة السيد Emmanuel Macron، روابط متينة من الصداقة والتقدير المتبادل…»
كان نفس الخطاب قد أثار الأزمة مع ألمانيا، وقد تم تجاوزها، وتحدث عن إسبانيا والعمل مع رئيس حكومتها بيدرو سانشيز وقد تم تجاوز الأزمة معها…بل تحدث جلالته عن الالتزام مع ماكرون…هو نفسه مع سانشيز…!
باريس، نفسها ينطبق عليها ما ينطبق على مدريد وبرلين في تقدير الريادة المغربية في إفريقيا والمنطقة، وربما كانت بوادرها من العواصم التي قصدها الملك في خطابه أنها اعتبرت أن المغرب يتغير بفعل الاعتراف الأمريكي، في حين أنها هي التي لم تفهم ثوابته في الشراكات الدولية الجديدة، وعليه يمكن القول إن فرنسا ستراجع موقفها من الصعود المغربي، لا سيما في منطقة المغرب الكبير والمتوسط وفي غرب إفريقيا، حيث ينتظر أن تقبل بريادة المغرب والانتقال من أستاذية سابقة إلى تعاون مثمر مشترك في الاستفادة معا من تقدم المغرب.
كان في قلب الانفراج في الحالتين الإسبانية والألمانية، تطور موقف بلديهما من القضية الوطنية، وما ينتظره المغرب هو أن تقوم فرنسا بخطوة نحو الاعتراف والدعم الكامل للحكم الذاتي، وهو قرار لا يمكن أن يكون له مدخل إلا من خلال التواصل بين قائدي البلدين باعتبار أهمية الموضوع.
القضايا العالقة تهم التأشيرات التي أحدثت خلافا واضحا بين حقائق قدمها المغرب وحقائق قدمتها الخارجية الفرنسية، ولاسيما ما يخص الادعاء بأن المغرب لا يريد أن يستقبل أبناءه المهاجرين، والقاصرين منهم غير الشرعيين.
الرئيس تحرر من الصراع الانتخابي والآن يمكنه التفكير بهدوء أكبر وواقعية بعيدا عن الضغوط..
ريع الذاكرة والشعور بالذنب وتحويله الى رأسمال من طرف النظام العسكري في الجزائر، لابد من الحسم فيه.
القضية الأخرى تتعلق بنظام بيغاسوس وكيف حاولت قطاعات واسعة المس بسمعة الأجهزة المغربية في وسائل الإعلام وبعض أطراف القضاء الفرنسيين.
كان ماكرون موضوع هذه القضية، وعلى علم بالتكالب ضد المغرب من طرف أطراف إعلامية فرنسية..
الى جانب هذه النقاط الخلافية، فإن المغرب وفرنسا دبرا معا القمة الأوربية الإفريقية، التي عرفت حضورا غير مرغوب فيه من طرف الرباط، علما أن الرئيس الفرنسي يرأس مجلس الاتحاد الأوروبي.