الجزائر تجدد عقيدتها في العداء..
عبد الحميد جماهري
اغتنم صالح فوجيل، رئيس مجلس الأمة الجزائري، وهو الرجل الثاني في هرمية النظام، مناسبة افتتاح الدورة البرلمانية العادية لذات المجلس، ليشن حربا وقحة ضد المغرب.. وتعمد خلط الأوراق بين حضور بلادنا قمة الاتحاد الإفريقي في 2017، سنة انخراط المغرب في المنظمة، وبين ما فعله قيس سعيد بعد 5 سنوات على الحدث.
والأنكى من ذلك عودة العقيد الجزائري إلى العقيدة الجزائرية، في بداية الستينيات والخلط بين استقلال موريتانيا والوضع الحالي في العلاقة مع تونس..
وحاول بناء توازٍ بين اعتراف الحبيب بورقيبة بموريتانيا في 1960، وبين فعلة قيس سعيد في الوضع الذي نعيشه بالاعتراف البروتوكولي بالجمهورية الوهمية..
وهو بيَّن اعتمادَه الالتباس لوضع قاعدة تثبيت للعداء للمغرب والمؤامرة على ترابه الوطني. ويخلص منه إلى القول بأن الجمهورية ستحصل على استقلالها لا محالة… لا شك أن هذه الأمنيات الحاقدة، لن تكون أبدا، اللهم إذا انتفى بلد اسمه المغرب من خارطة الكون. وهو يعرف التاريخ وجوابه.
ومن الواضح أن صالح فوجيل أراد أن يُؤصِّل للموقف العدائي والغادر الذي قام به رئيس تونس الحالي، ببناء توازٍ بين موريتانيا… والصحراء. وهو ما يبين بأن ثابت العداء هو الذي يتحكم في استراتجيات الجيران.. والواضح أن عناصر العقيدة التآمرية لا تحيد عن جوهرها الذي كشف عن وجوده منذ السبعينيات، بل إن الخصوم يعتبرون بأن أي توجه عقلاني للمغرب،هو شك في الذات، سواء كان قبول الاستفتاء في الثمانينات وتعذر تطبيقه باعتراف الأمم المتحدة، أو الحكم الذاتي أو اليد الممدودة، فهي كلها مواقف تقرأها الجزائر النظامية بأنها تنازلات… ستليها تنازلات أكبر. وهو ما يحيلنا على الجواب الذي يفرض نفسه علينا.. وله ارتباط بالنقطة الثانية وما كتبته «ليكسبرسيون الجزائرية» في موضوع الديبلوماسية المغربية..، تتهم المغرب وملكه بمخطط. شيطاني لتفكيك المغرب الكبير، بناء على الصرامة التي أبداها المغرب في التعامل مع قضيته المركزية، بل سمحت لنفسها بإعطاء الدروس حول الديبلوماسية التي ينبغي أن يسجلها المغرب والتخلي عن هذا المبدأ الثابت، وشككت في اعترافات الدول التي ورد اسمها في الخطاب الملكي لثورة الملك والشعب، وهي الدول التي وقفت بوضوح إلى جانب السيادة الوطنية.
وجزء كبير من الجهود هو زعزعة العقيدة الديبلوماسية المغربية. التي أبانت عن ثوابتها ورفعت من نجاعتها، وإن كانت هذه المعاينة لا تمنعها من مساءلة نفسها وتوفير شروط التقدم نحو فرضها بشكل أوسع..
ولعلنا مطالبون بالذي طالبنا به الآخرين، أي الخروج من منطقة الراحة والاطمئنان التي سبق أن نبهنا إليها الاتحاد الأوروبي والشركاء الجدد والتقليديين في تحديد المواقف.
بالمقابل، ننبه إلى أن الآلة المعادية اختارت أن تتوجه لقواعد العمل الديبلوماسي بالكثير من الهجمات والتشكيك في المعيار الذي وضعه المغرب، «معيار النظارات» وبدأت تقدمه كما لو أنه توجه انعزالي وقاعدة لعودة المقعد الشاغر… إلى غير ذلك من الترهات وهو أمر ما كان يهمنا لو لم تتسرب منه جوانب تحليلية إلى الفضاء الوطني، بدون قصد بل عن حسن نية أحيانا.. كما قرأنا مقالات في اتجاه «يُنسِّبُ» درجة انخراط الدول التي رافقتنا في هذا التحول التاريخي في قضيتنا الوطنية..
لقد صار على المغرب، في ظل اللخبطة التي تؤطر غرب المتوسط وشرقه وشمال إفريقيا،
ومجهودات عزل المغرب عن محيطه الحيوي، أن يستنفر كل قدراته في المعارك القادمة.
إن مغرب اليوم ليس مغرب الأمس، كما آمن بها ورددها وزير الخارجية المغربي، والمغرب ينطق في الرهانات الحالية من مسافة سبق واضحة على الخصوم، عكس ما كان عليه الأمر في الستينيات والسبعينيات والثمانينات بأقل حدة….
ومع وجود الفارق، فإن الديبلوماسية تشكل اللحمة السياسية للنظام العسكري، الذي تنفجر تناقضاته في كل لحظة ولا يتجاوزها إلا بتنشيط العداء للمغرب، مع تحديد خارطة الانطلاق هذه المرة من المغرب الكبير..
كل هذه التطورات صارت تتطلب وقفة مع الذات، لا لجلدها بقدر ما تسعى إلى توفير كل شروط الاستمرار بعنفوان أكبر وبقوة ووضوح أكبر..
وصار من اللازم أيضا أن تشتغل كل مكونات الحقل الوطني على قاعدة وضوح تتجاوز الثوابت المتفق عليها إلى ما هو أكبر وأكثر دينامية..
لا أعتقد أن كاتب السطور يستطيع أن يغامر بأجوبة حول تأثير الحرب الباردة في المنطقة ولا الحرب الساخنة في أوروبا، ولا تأثير الديبلوماسية الروسية على قوة الجزائر وأدوارها في إفريقيا..
وينتظر ،ككل المغاربة، أن يكون الموضوع موضوع تبادل رأي وطني من باب ما قاله الله لنبي لله قال أوَلَمْ تومن؟ قال بلى لكن ليطمئن قلبي.