هَلْ تَتَخَلَّى الِولَايَاتُ المُتَّحِدَةِ عَنْ حُلَفَاءِهَا الخَلِيجِيّين؟
مع دخول اتفاق مجموعةدول 5+1 بشأن الملف النووي الإيراني حيز التنفيذ يوم 16/يناير 2016، ستكون بذلك العلاقات الإيرانية الأمريكية قد دخلت مرحلة جديدة، قاطعة بذلك مع مرحلة التوتر المعلن الذي طبع مسار تلك العلاقات والذي عمر لأكثر من ثلاثة عقود. وبغض النظر عن هوية الطرف الرابح أو الخاسر من الاتفاق الذي وصف بالتاريخي والموقع في يوليوز 2015، إلا أنه سيسمح برفع شبه كامل للعقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على للإيرانيين منذ سنة 1979 عقب أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين، والعقوبات الأممية المفروضة سنة 2006 بموجب قرار مجلس الأمن الدولي عدد 1737 بسبب البرنامج النووي الإيراني وما تلاه من عقوبات أممية سواء تلك المتعلقة بزيادة الضغط عليها وحظر التعامل مع البنك المركزي الإيراني بموجب القرار رقم 1747 الصادر سنة 2007 على خلفية البرنامج الصاروخي وما تلاه من عقوبات مالية، و القاضية بتجميد الأصول الإيرانية فضلا عن حظر سفر كبار المسؤولين في الحرس الثوري وذلك بموجب القرار رقم 1803 الصادر في مارس 2008.
كنتيجة لرفع تلك العقوبات الاقتصادية وتطبيع العلاقات البينية، ستكون الجمهورية الإسلامية قد خرجت تلقائيا من ” محور الشر“ أو الدول المارقة أو الراعية للإرهاب حسب المنظور الأمريكي وقد تحولت إلى شريك في محاربة “الإرهاب“، كما أن الولايات المتحدة ستكون قد تخلصت من وسم ” الشيطان الأكبر” من وجهة نظر الإيرانيين، وهو انجاز سيحسب في سجل إدارة الرئيس حسن روحاني “الإصلاحية” وإدارة الرئيس أوباما الديمقراطية التي بات من الواضح أنها قد تبنت استراتيجية جديدة ومغايرة لسلفه بوش في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط وفي تدبير النزاعات، أو اختلاف الأولويات الاستراتيجية، الشيء الذي سيلقي بتثقله حتما على حلفاءها الخليجيين.
يبدو أن الإدارة الأمريكية قد باتت مدركة تماما أن منطقة الشرق الأوسط والخليج لم تعد تشكل ذات الأهمية الاستراتيجية كما في السابق، بالنظر إلى انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية والإعلان عن توفر الولايات المتحدة على احتياطات ضخمة من البدائل الطاقية و المتمثلة في الصخور النفطية من جهة ، و التكلفة الباهظة لإبقاء وجودها العسكري المباشر في المنطقة بفعل الأثار الاقتصادية الوخيمة لحربي العراق و أفغانستان من جهة أخرى، في مقابل بروز تحديات أكثر خطورة كما الشأن بالنسبة لروسيا أو الصين أو كوريا الشمالية التي أعلنت مؤخرا وفي غفلة من إدارة البيت الأبيض عن قيامها بتجربة ناجحة لتفجير قنبلة هيدروجينية، الشيء الذي يمثل تهديدا خطيرا لهيبة الولايات المتحدة و مصالحها الاستراتيجية بجنوب شرق أسيا و المحيط الهادئ وربما للأراضي الأمريكية نفسها بالنظر إلى توفر بيانغ يانغ على صواريخ عابرة للقارات قادرة على حمل رؤوس نووية، بالإضافة إلى مصالح حلفاءها في المنطقة ككوريا الجنوبية و اليابان ، وهو ما يفسر أيضا النزوع إلى تخفيف وجودها المباشر بالشرق الأوسط و محاولة ضم إيران إلى لائحة حلفاءها أو على الأقل تحييدها من المحور الروسي– الصيني، فضلا عن البحث الجدي عن إيجاد مخرج من المستنقع الأفغاني عبر التفاوض السري و العلني مع طالبان، في مقابل تبني مفهوم ” ادارة الأزمات عن بعد” أو اعتماد أسلوب “الحرب بالوكالة” وانهاك خصومها الكبار كروسيا سواء عبر العقوبات الاقتصادية الطويلة الأمد وإعادة انتاج السيناريو السوفياتي، و قبيل انهيار معسكره و الذي عجل به أيضا تدخله العسكري في أفغانستان، أو عبر استدراجها إلى صراعات و مستنقعات إقليمية سواء في سوريا أو أوكرانيا.
أمام كل هذه المعطيات يبدو من الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي قد باتت أمام سؤال المرحلة، أي إلى أي حد يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف استراتيجي يمكن الوثوق به في ضمان أمن منطقة الخليج من أي تهديدات إيرانية محتملة، سيما وأن رفع تلك العقوبات قد يزيد من شهية الإيرانيين في تبني سياسة أكثر عدوانية سواء عبر احتكاك عسكري مباشر مع دول المجلس أو عبر أدرعها وحلفاءها الشيعة في العديد من الدول كما يحدث في البحرين أو اليمن؟
كمحاولةللجوابعنهذاالسؤالالصعبوبعيداعنالتصريحاتوالتطميناتالمتتاليةللمسؤولينالأمريكيينحولالتزامهمبالدفاععنحلفائهمفيالمنطقة،لابدمناستحضاربعضالنماذجالدوليةكماالحالفيأوكرانيا،حيثلميفلحالارتماءفيأحضانالأوروبيينوالأمريكيينبعدثورة 2014 و إقصاء الرئيس الموالي لروسيا»فيكتور يانوكوفيتش «عن السلطة في منع فقدانهم لشبه جزيرة القرم وضمها لروسيا أو أجزاء من المناطق الحدودية الشرقية، كما لم يفلح من قبل تحالف جورجيا مع الغربيين ضد روسيا من انفصال جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، كما أن اعتماد كوريا الجنوبية و اليابان على الولايات المتحدة في ضمان أمنهما ضد التهديدات المتنامية لكوريا الشمالية قد بات موضع شك، خصوصا في سياق إعلان نظام “كيم جونغ أون” عن إجراء تجربة ناجحة للقنبلة الهيدروجينية يوم 06/01/2016 وهو ما يؤشر على مدى جدية تلك التهديدات وخطورتها على السلم و الأمن الدوليين و خصوصا إذا كانت صادرة من نظام منغلق تماما عن العالم ويعاني من عقوبات اقتصادية قاسية والخيارات أمامه محصورة.
في ظل هذه المعطيات، وفي ظل حالة الشلل التي تعتري منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وظهور جيل جديد من الحروب والمعارك الإقليمية، والتغييرات الجيوسياسية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، ستجد دول مجلس التعاون نفسها في قلب هذه المتغيرات، الشيء الذي يعيد مسألة الاعتماد الكلي على الأمريكيين في الدفاع عن أمن منطقة الخليج إلى الواجهة، كما لابد من انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية المقبلة من نتائج، وما ستؤول إليه من انعكاسات على السياسة الأمريكية الخارجية فيما بعد استحقاقات 2016، غير أنه من المؤكد تماما أن مسألة الاعتماد على النفس في ضمان أمن المنطقة باتت تطرح نفسها أكثر من أي وقت مضى، خصوصا بعد سنة 2003 وما تلاها من احتلال للعراق وإسقاط لنظام صدام حسين الذي كان يخلق نوعا من التوازن الاستراتيجي في مقابل المشروع الإيراني والحلول دون تمدده غربا، كما أن عملية تدبير النزاعات مع إيران تبقى بيد الدول الخليجية نفسها عبر قنوات الحوار المباشر و الندي بعيدا عن التدخلات الأجنبية التي لا تخدم إلا مصالحها الذاتية.
خـالد التـاج