swiss replica watches
حبات قهوة كافية لتغيير لون الماء ونكهته – سياسي

حبات قهوة كافية لتغيير لون الماء ونكهته

حبات قهوة كافية لتغيير لون الماء ونكهته:

سامر أبو القاسم 

طوبى لمن أول الكلام، فخرج به من باطن اللفظ إلى واقعه المحسوس، وبين وضعه حقيقة أو مجازا، ليتبدى الألم كوصفة صحية للشجاعة، ولتبدو الظروف البائسة باعثة على الاهتمام والأمل.

فالحياة لا يمكن تمثلها إلا مرنة.

وليس من الواقعية الإصرار على ارتكاب نفس الأخطاء السابقة، على الرغم من إعاقة الخطو نحو التمتع بالطاقات والأوقات ومساحات العيش، إذ غالبا ما لا تظهر الأمور كما تحلو لنا.

حركة المد والجزر غير الطبيعية قامت بتغيير الكثير من ملامح وجود الناس، فأثرت فيهم وأضرت بمسار تواجدهم وعيشهم، بفعل تراجع شواطئ الاستمتاع وتقدم أمواج البأس وانهيار المنازل وتأثر المواقع والوضعيات، شأنها في ذلك شأن اضطرابات الأكل التي يسببها استنزاف الديدان المعوية للحصة الغذائية، التي لا تنفع معها مكملات ولا تمارين رياضية ولا تكثيف سعرات حرارية.

وأحداث متابعة الحيتان الضخمة مثيرة للانتباه. قد تحتمل الكثير من المعاني كما قد لا تعني أي شيء، وقد تسهم في تحويل المسار والخطو كما قد لا تؤثر في المآل. لكن الأمل قائم في غربلة التراكمات وتطهير الحقول ومساءلة اللحظة ومحاصرة اللهفة.

ومعارك ملء بطون الأجساد البدينة لا تحكي سوى قصص حقارة الوصول إلى القمة لمجرد الظهور أمام الآخرين، مقارنة مع تسلق الجبال للاستمتاع برؤية العالم.

ومع ذلك، قد تظل نزهة الحياة حينما تقبل على الأشخاص بمعزل عن الآخرين حلما شقيا يستحق أن يعاش.

أما ما كان من أمر النحافة وانخفاض الوزن إلى ما دون الطبيعي منه، فما اقترن يوما بخلفية جينية لدى الأفراد في تاريخ البشرية إلا لماما حسب المأثور عن السلف، بقدر ما ارتبط بانخفاض في تلبية حاجات الإنسان المعيشية لبناء عظم وجلد وشعر، والتي تسبب في كوارث ومخاوف حقيقية على أوضاعه الإنسانية.

ومن المفارقات الصارخة أن يكون وجود الإنسان سابقا على وجود المركبات من حيث النشأة والتطور، لكن الحقيقة الصادمة هي أن الإلهام دفع إلى إبداع إلزامية الفحص التقني للسيارات دون أن تشاء الإرادة توفير شروط فحص للبشر.

وما بين القوة الظاهرة والضعف الخفي يتحول مركز الثقل في العالم، وتصاغ قوانين اللعبة من جديد، بما انكشف في زمن التوترات والصراعات من وقوف بثبات وتحد على خط المواجهة الأمامية، وبما افتضح من وجوه عارية أمام واقع الرعب وفرص إثبات القوة والتعايش معها بإذلال.

ربما وقع التعوذ على ارتكاب الأسوء فقط لاحتقار التافه من المشاكل، وقد يقع الاستيقاظ كل صباح لمواصلة ارتكاب نفس الأخطاء، وكأن الإنسان لم يكن بحاجة إلى تعلم، أو كأن إحساس الماضي لا زال مستمرا في الحاضر، أو كأن القرب من النجاح لم يدرك وقت الاستسلام.

وفي ظل قطع الطريق على حلم الرفاهية واتخاذ زمام المبادرة، ما أذلها تلك الرعاية التي لم تكن يوما نابعة من إرادة حرة وحب خالص، وما أوجع الجروح حين تلمسها أيدي الغرباء داخل المشافي العامة، وما أحقره من تغيير في موازين قوة التأثير في الحبال الصوتية وفي استدامة عطالتها دون المساس بسلاسل الإمداد والتشويق.

فما الحياة إذن إن لم تكن تسلية وترفيها ومصدرا للاعتبار وتعلم الفضائل والحكم، وموضوع قصص خيالية أو مستوحاة من الواقع، ترويها جدات وأمهات لأطفال، جلبا للراحة والنوم في سكينة واطمئنان؟

وكم من الأمثال أبدعت في استدعاء إحاطتنا بشؤون حياة، وفي صياغة أساليب فنية لاستخلاص خبرات؟ وكم من حكم نقلت أقوالا موجزة وعميقة، للنصح بأن لا مجال لفقدان الأمل مهما ضعف الإنسان وعسر عيشه، ومهما بلغ من العمر أرذله؟

مفتوحة هي أبواب الرزق، وتبقى قادرة على الإكرام والإخراج من الضيق.

ومتغلب هو حسن النية على الضغائن والكراهية، وسهلة هي الحياة مع نقاء السريرة.

وسعادة الآخرين لا تنقص من سعادة شخص كيفما كان.

وهذا ما تلقيناه ونحن لا زلنا كتاكيتا صغارا، ومنذ أن افترشنا الحصير داخل الكتاتيب ومددنا أيدينا وأرجلنا للفقيه أوقات الحساب والعقاب، ونحن نرجو الله ونطلبه آنذاك ألا يكون كل ذلك مجرد فقاعات تتجمع لتكون رغوة تعلو سطح حياتنا اليومية.

فأن تكون تعيسا فقط لأنك تبحث عن فهم حقيقة هذه الحياة، وأن تظل محبطا بالوقوف على مؤشرات التردي في العيش فحسب، فذاك ما لا يستقيم.

إذ لا فائدة في مطاردة السعادة بلا طائل، والحياة تستحق أن تعاش بابتسامة ترتسم على الوجه.

وهذا ما أوحى به علماء سبر أغوار النفس فيما يخص الإقبال بتفاؤل على الحياة.

هكذا هي عقيدة المواجهة، مصرة دوما على مجابهة البدانة وخفض نسب الأوزان الزائدة، وعلى رفض اللعب في الميادين الآمنة، وعلى طرد الاعتقاد بأن هناك طريقا واحدا للتغيير، وعلى عدم التردد في الاختيار واتخاذ القرار في الزمن والمكان المناسبين.

وكما أن الناس لا تضحك على نفس النكتة أكثر من مرة، كذلك أمر الاستمرار في التذمر من المشاكل والمصاعب.

فما القلق سوى مضيعة للوقت وهدر للطاقة، حسب ما تناقله أبا عن جد أولئك الناضجون في التعامل مع الحياة.

قد يكون محقا ذاك الذي نصح بكتابة الإساءة والإيذاء على الرمال كي تمحوها رياح النسيان، وذاك الذي أوصى بحفر المعروف على الصخر كي لا يمحوه إعصار ولا يطاله إهمال.

فما الحياة إلا نزهة للتمتع بجمال الطبيعة، ورفقة تجدها إلى جانبك وقت الضيق والحرج.

إذ يكفي النظر إلى ما يحدث من صعاب وما يواجه الإنسان من عقبات، ويختار أي السبل أنجع للاستمرار.

أيتحطم ويصبح أكثر ضعفا، أم يتحول إلى قاس في دواخله لا يعرف للرحمة طريقا، أم يغير كما تفعل حبات القهوة في الماء حين تبدل لونه ونكهته؟

وكأنه لم يكن عبقريا في تصحيح المسار ومساعدة نفسه على التغيير بدل التفكير، أو كأنه انغمس في لعبة الاستماع إلى من تخلوا عن أحلامهم وتجاهلوا حقيقتهم واختاروا الانتظار بدل مواصلة العمل على حصول المراد.

إذ يكفي ألا يستهويه العنقود المتدلي من الأغصان المرتفعة، وألا يقضي العمر في القفز محاولا التقاطه. فطوق النجاة كامن في زوال الدهشة، وإلا ستتراءى له الأشجار وهي تسير إلى الوراء، وتبدو الغيوم وكأنها تلحق به، دون إدراك منه لإمكانية الاستمتاع برحلة في قطار الحياة.

قد يعثر عليه ميتا ومحاطا بمئات الانعكاسات لجثته بسبب امتلاء فضاءات حياته بأرضيات وجدران وأسقف مصنوعة من مرايا تعكس صوره، تلك التي صيرته مكشرا عن أنيابه في صراع مستديم مع الذات.

فالحياة لا تجلب خيرا أو شرا إلا بالقدر الذي تعكسه المشاعر والأماني والأفكار والأفعال، دون أن تتعدى سقف مرايا يتوجب حسن الوقوف أمامها، ودون المضي بسرعة على همسها ورسائلها، ودون التوقف بسبب تلقي أحجار ثقيلة في شكل مصائب، ودون البقاء تحت ثقل هزائم ماضية والوقوف عند حواجز وهمية.

فالنجاح لا يحتاج سوى لخطوة تستحق عدم التوقف عن المحاولة.

وقد يتلخص كل ما يلزم في قهوة، ولا يهم إن كانت في أكواب بلورية أو عادية.

فذاك لا يغير من مذاقها، بقدر ما يسبب في مشاكل وتوترات، ويقود إلى فشل في الاستمتاع بها وعجز على رؤية ما بالدواخل.

فلو كانت المشاعر مدركة لأقنع الإنسان الكبرياء بالتواضع، وجعله يعدل عن الرغبة في قتل الحب والتآلف، وفي العصف بجزيرة المشاعر والأحاسيس، وفي الغرق بها في بحر المآسي والويلات.

وكأن الوقت يمهل البشرية لتضيعه في ترقب ما تجود به الأيام، ولتعتاد كذبة الانتظار التي ما عاد أحد يصدقها حتى لو كانت في شكل تحذير من خوف مستحكم أو هجوم حاصل لامحالة.

هي الحياة كما هي، لكن الصبار ما عاد يخزن ماء لإرواء عطش عند اشتداد حرارة صيف وجفافه، وما صار يجنب الذبول وفقدان المظاهر الزاهية والنضرة. ولتعاش بنجاح، فالأمر لا يتطلب سوى القيام بخطوة، لتفادي الوقوف عند عتبات الأسئلة واستنفار القراءة في غياب المعنى وإدراك دلالات منطقها.

كم يحتاج المرء من وقت للتساؤل عن مغزى الانتقال من الوجود إلى العدم، وعن أمر تجرع مرارة الفصل المفاجئ عن الحضن الدافئ والارتماء في براتين عالم أكثر عدائية، وعن مدلول حتمية تحمل من المعاناة ما تستغرق الحياة بكاملها؟

فما كانت الأرحام يوما جنات محايدة، وما كانت للولادات سوى صدمات تطبع الوجود والسلوك، وما كانت للطفولة سوى نكهة قصر إدراك المعاني والدلالات.

ومع ذلك، ما قدر لتجارب الحياة أن تكون منذورة للقسوة وتشوه الوجود والفعل البشريين؟

أيعقل أن يكون محقا ذاك الذي سخر من فكرة الحياة، واعتبر المسيح غير مدرك لمأزق الإنسان في الوجود الكامن في الولادة، بقدر ما أدركه بوذا حين اعتقد أن واقعة الولادة تشكل مصدرا لكل العاهات وكل الكوارث، وبقدر ما لمسه أيوب الذي لعن يوم ميلاده وهو يعاني ابتلاء ربه لصبره؟

ربما كانت الولادة هي الأقدر على أن تثير في الإنسان الحداد والمناحات، وربما كانت هي التي بإمكانها تحريضه على التمرد حتى على ذاته كتعبير عن وعي بما هو قائم من تنافر. فما الإنسان إن لم يكن يحس بالصحة إلا عند إصابته بالمرض، ولا يشعر بالمتعة إلا حين يزوره الألم؟ ووحده الحرمان يجعله مكتشفا لذاته أمام ما كثر من الشرور وتنوع.

وكأن الحياة مصرة على الاستزادة في توفير شروط القيء وفقدان الشهية والإسهال المزمن والصداع المستمر والإرهاق والتعب الشديدين وشحوب الوجه وضعف المناعة وفقدان الشعر وتساقط الأسنان، وبالتالي السقوط في الهزال الذي لا ينفع معه فحص سريري ولا مخبري، وحيث يتمنع قياس نسب الهرمونات وتتعذر شروط معرفة كيمياء الدم ذاته.

فما أعقدها من مهمة حين يتعلق الأمر بالرغبة في تناول الطعام بأماكن مفتوحة وهادئة وبشكل جماعي، وحين يتطلب الوضع خلق مساحات جدارية جميلة تشعر الإنسان باكتمال الدورة الحياتية، والقيام بتلك اللمسة الإضافية الصغيرة لتأخذه إلى ذاك المظهر البديع لتزيين المحيط، وحين تفرض الانخراط في أم المعارك لمجابهة البدانة كأهم مشكلة إنسانية تعترض سبيل ساكنة العالم وتلقي بها في بحر معاناة مع مخلفات أصحاب الأوزان الزائدة.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*