النظام الأساسي الجديد: من البرُوبَكَانْدَا التسويقية إلى احتجاج الهيئات التعليمية
النظام الأساسي الجديد:
من البرُوبَكَانْدَا التسويقية إلى احتجاج الهيئات التعليمية
إسماعيل علالي
” إن الدعاية تمثل بالنسبة للديموقراطية، ما تمثله العصا للأنظمة الشمولية”
نعوم تشومسكي.
هذا المقال محاولة فهم لما جرى و يجري في قطاع التربية و التعليم، بسبب النقاش المتباين، و المواقف المتعارضة التي أفرزها النظام الأساسي الجديد من تاريخ الإعلان عن مبادئه الكبرى المؤطرة له ، إلى تاريخ انتفاضة الهيئات التعليمية على مضامينه، كرد فعل على سرعة مصادقة المجلس الحكومي على المرسوم المؤطر له، و صدوره بالجريدة الرسمية.
و المتابع للأطوار التي تقلب فيها النظام الأساسي الجديد، يجد أنها تأرجحت بين طورين متناقضين هما : طور الدعاية التسويقية، و طور احتجاج الهيئات التعليمية.
1- عن طور الدعاية التسويقية:
من أسرار نجاح الدعاية التسويقية للنظام الأساسي الجديد ،تبشير الحكومة الجديدة بسياسة اليد الممدودة، و الانتصار لفضيلة الحوار الاجتماعي، لطي صفحة الاحتقان، و سياسة الآذان الصماء التي نهجتها الحكومة السابقة مع الشركاء الاجتماعيين، هذه الدعاية السياسية التي لاقت ترحيبا وتصفيقا من المركزيات النقابية، و مختلف الأطياف المجتمعية المتذمرة من سُنَّةِ الإقصاء و الانفراد بالرأي التي سنَّتها الحكومة السابقة، و مارستها تجاه شركائها الاجتماعيين.
و لا يخفى أن سياسة تطبيع الحوار-المُغَيَّبِ سابقا-مع الشركاء الاجتماعيين، و التسويق لهذه السياسة ، عبر القنوات الإعلامية، قد ساهم في هندسة إذعان النقابات، و السيطرة على موظفي قطاع التربية و التعليم، و التحكم في مواقفهم، خاصة بعد اتفاق 14 يناير2023، الذي ضم المبادئ الكبرى المؤطرة للنظام الأساسي للشغيلة التعليمية، بعد أكثر من ثلاثين جولة حوارية / دعائية..
و لا يخفى أن النقابات الأربع الأكثر تمثيلية ، قد سقطت- للأسف- في شباك هذه الدعاية التسويقية، بدرجة جعلت الكتاب العامين، ينخرطون-عن وعي أو دون وعي- في الدعاية التسويقية للنظام الأساسي الجديد، في المنابر الإعلامية، و التبشير بحلحلة كل الملفات العالقة، مما أدى إلى إخضاع الشغيلة التعليمية، و حقنها بجرعات أمل كاذبة، أدت فيها النقابات المشاركة في الحوار دور القوة الناعمة لتنويم الشغيلة التعليمية، و تمديد دائرة صبرها، و اختبار سعة صدرها، و مدى ثقتها في نقاباتها، مما أفرز رأيا عاما قطاعيا يردد الكل فيه المقولة الدارجة الشهيرة ( راه العام زين في قطاع التعليم)، و لنا في تصريحات الكتاب العامين بعد اتفاق 14 يناير 2023- مباشرة – خير دليل.
أما انخراط الأكاديميات و المديريات الإقليمية في هذه الدعاية التسويقية فمسألة طبيعية ، متى ربطناه بوظائفها و الجهة الوزارية التي تمثلها، فهي بمثابة الصوت و الصدى الذي تتم عبره البروبكاندا التسويقية للنظام الأساسي الجديد جهويا و إقليميا.
2- عن طور احتجاج الهيئات التعليمية:
إذا تقرر أن وزارة التربية الوطنية قد نجحت لمدة سنتين في الدعاية التسويقية للنظام الأساسي الجديد، و إدخال النقابات في شِرَاكَ هذه الدعاية ، و تشكيل رأي قطاعي مطيع راضٍ بمخرجات الاتفاق التي تم تسويقها في المنابر الإعلامية و مجالس النقابات، فقد ثبت بالفعل و القوة المنطقيين أن حبل الدعاية قصير، حيث تهاوت هذه الدعاية التسويقية بمجرد الإعلان عن المرسوم المؤطر للنظام الأساسي الجديد، في الجريدة الرسمية مما أحدث قطيعة مع سياسة الإذعان و تحرر الشغيلة التعليمية من التزام النقابي، وتبني خطاب مباشر مغاير، توججه أسئلة مسؤولة و معقولة نصوغها على النحو الآتي: ما الذي وقع؟ و كيف تم نشر مرسوم النظام الأساسي في الجريدة الرسمية؟ و أين تتموقع النقابات من هذا الحدث ؟ و ما موقفها؟ .
وهي أسئلة مسؤولة لم تترك الشغيلة التعليمية للنقابات مهلة للإجابة عنها، حيث انخرطت بطريقة طوعية في هيئات مستقلة و تنسيقيات اتحدت رغم اختلاف مطالبها الفئوية من أجل الثورة على كثير من المضامين التي تحتمل أكثر من قراءة ، فواجهت الدعاية التسويقية و التنويم المغناطيسي للشغيلة التعليمية لأكثر من سنتين ،بخطاب تحريض عقلاني و رفض مطلق للنظام الأساسي جملة و تفصيلا، و إشعار الرأي العام من آفاته ونقائصه ، لأنه نظام يرتفع نحو الأسفل، و يجعل الأستاذ،-صاحب الصدارة و أسها- في الدرك الأسفل من المنظومة التعليمية، حضورا و أجرا و قيمة اجتماعية.
و لا يخفى أن إرهاصات نجاح الهيئات التعليمية المتحدة المحتجة من أجل تقويض كثير من مضامينه المجحفة في حق نساء و رجال التعليم ، قد بدت تظهر تباشيرها ، خاصة بعد استفاقة النقابات الأكثر تمثيلية من التمثيلية الدعائية التي وجدت نفسها منخرطة فيها، و انتصارها للنضال الشارعي الذي تقوده الهيئات التعليمية في مختلف المدن المغربية، بعد وعيها بتلاعب الوزارة بها، وتسخيرها لإنجاح دعايتها فقط، لا لتضمين مقترحاتها.
و إذا ما رمنا قياس مدى مشروعية نضالات الشغيلة التعليمية، فيكفي أن نستدل على هذه المشروعية من خلال قدرتها في ظرف وجيز على تشكيل رأي عام مجتمعي مؤمن بعدالة قضية الشغيلة التعليمية، و كذا انخراط مثقفي البلد في مناقشة النظام الأساسي الجديد و تعريته و كشف نقائصه.
و معلوم أنه متى اجتمع الرأي العام و المثقفون على صدق قضية والانتصار لها فاعلم أنها عادلة، و في هذا يقول أبراهام لينكولن:( مع الرأي العام لا يمكن الفشل في شيء، و لا يمكن النجاح بدونه).
وعلى الإجمال فقد حاولنا في هئا المقال المقتضب إعادة تركيب الأطوار التي تقلب فيها النظام الأساسي الجديد، من أجل فهم ما جرى و يجري، و كلنا أمل في إعادة الاعتبار لنساء و رجال التعليم حضورا و أجرا و قيمة اجتماعية، فهل في حكومتنا من مُنصت ؟.