مؤامرة عشرين فبراير : نهاية السير
مؤامرة عشرين فبراير : نهاية السير
بقلم : البراق شادي عبد السلام
عملية تجديد الشرعية السياسية أمام الشارع لرتق البكارة النضالية بتبني خطاب إيديولوجي أكثر راديكالية هي خطة تلتجأ إليها التنظيمات السياسية الفاقدة للشرعية كتكتيك مرحلي من أجل إبتزاز الدولة و محاولة إخضاعها سياسيا و حركة عشرين فبراير كانت هي حصان طروادة الذي إستخدمته الدوائر الدولية و بعض التنظيمات السياسية داخليا مستغلة ضبابية الرؤية لدى شباب الحركة و طفولية قادتها و سذاجتهم أماما المخطط الشيطاني الكبير الذي تم إستخدامهم ضمنه كأدوات و معاول لهدم الدولة و محاولة إسقاط النظام و تدمير المجتمع و إغراقه في حروب أهلية و عمليات إرهابية و تهجير قسري و مجاعات و صراعات طائفية كما حدث في دول مجاورة .
مشكلة شباب حركة 20 فبراير و منظريهم أنهم أعجبوا بتاريخ الثورة البلشفية و الصراع بين التيار البلانكي و افكار روزا لوكسمبورع و أسباب سقوط كومونة باريس و الثورة البوليفارية و إمتداداتها اللاتينية و الفرق بين القومة و كوابيس الشيخ و أحلام ما بعد العصر و تم تجاهل التاريخ المجيد للشعب المغربي عبر العصور و تم تجاوز حقيقة تاريخة لا يمكن بأي منطق تجاوزها و هي أن الدولة العلوية المجيدة قادت نضال الشعب المغربي عبر قرون في مواجهة الحروب و الإحتلال و قنبلة الموانئ ومواجهة الإستعمار و التقسيم الإمبريالي والحماية الغاشمة و الحصار و الأوبئة و المجاعات و القحط و الجفاف و الإنقلابات و الهزات الإجتماعية و المؤامرات من الداخل و الخارج و حروب الوكالة و الحروب الإستخبارية المقيتة التي كانت و لازالت تستهدف المملكة الشريفة .
و عليه فعشرين فبراير أصبحت جزءا من التاريخ المنسي للمغرب ، هو يوم عادي لا يثير إهتمام المغاربة و لا مكان له في المخيال التاريخي الجمعي الشعبي في المغرب، فالمواطن المغربي العادي في مقهي شعبي قد يحدثك عن عام البون (الحرب العالمية الثانية) ودخول الفرنسيس (الحماية) و نفي بنيوسف ( ثورة الملك و الشعب ) و عودة بنيوسف ( الإستقلال ) و عام المسيرة ( المسيرة الخضراء ) و تأهل المنتخب المغربي ميكيسيكو 86 و نصف نهاية كأس العالم 2022 و لكن لن يتذكر أحداث 1965 أو أحداث 81 و 84 او ذكرى مؤامرة 20 فبراير لأنها أحداث جانبية و قطاعية لم يكن لها أثر كبير في تاريخ المغرب أو الوجدان الشعبي المغربي .
عشرين فبراير هو يوم اللاحدث الذي حاولت في بعض الدوائر الدولية إستهداف إستقرار الدولة و أمن الوطن و جعل هذا اليوم ساعة الصفر لإطلاق إنتفاضة شعبية و إشعال نار الفتنة في بلدنا الآمن الأمين و ذلك بإستغلال مقيت لآمال و آمال الشعب المغربي العظيم في العيش الكريم و الحرية و محاربة الفساد عن طريق نشر الفوضى و الدمار و تحقيق الطموحات الشخصية الممزوجة بأحلام ثورية و بشعارات منحولة من زمن النضال الحقيقي المبني على روح الإنتماء للوطن أولا و أخيرا .
واهم من يظن أن مؤامرة عشرين فبراير هي إمتداد لنضالات الشعب المغربي عبر العصور من أجل الحرية و الكرامة و إستقلالية القرار الوطني و السيادة الكاملة على الأرض ، بل هذه المؤامرة كانت إمتدادا طبيعيا لمسار تاريخي طويل عاشه الشعب المغربي منذ آلاف السنين في مواجهة المؤامرات الخارجية و الفتن الداخلية التي إستهدفت إستقلاله و سيادته و إضعاف الموقف الداخلي تمهيدا للتدخلات الأجنبية ، عشرين فبراير كانت مؤامرة إنخرطت فيها العديد من القوى الحية داخل المجتمع بوعي أو بدون وعي بحقيقتها و بحدود مطالبها و بصدقيتها أهدافها و مدى توافق هذه الأهداف مع المصلحة العليا للوطن .
و رغم إدراك الدولة و مؤسساتها الإستراتيجية مبكرا لطبيعة الأهداف التخريبية و بالأبعاد الدولية و الإقليمية لهذه المؤامرة فقد فضلت التعامل مع الإحتجاجات العفوية للمواطنين المغاربة بكثير من العقلانية و المنطق في مواجهة مخططات و مؤامرات إستخدمت الكذب البواح و التضليل المكشوف و نشر الأباطيل و الأخبار الزائفة كوسيلة وحيدة لتحقيق أهدافه و تنزيل مخططاتها .
فتجربة الدولة المغربية في إدارة دفة الرياح العاتية للخريف العربي بشكل يضمن الإستقرار الإقليمي و الأمن البشري للأمة المغربية بأبعاده المتعددة هي تجربة فريدة من نوعها سيقف التاريخ الإنساني طويلا أمامها كمرجع سياسي و أكاديمي رصين في تجنب مؤامرات الخراب و الدمار التي إستهدفت دولا و شعوبا قريبة لنا ، هذا الخريف العربي الذي إنتهى بتقسيم الدول و الحروب الأهلية و الإنقلابات و ملايين اللاجئين لم يجد له و لن يجد موقع قدم في أرض المغرب المقدسة و ظل زبناؤه البؤساء في التنظيمات اللاشعبية /اللاديمقراطية / اللاوطنية من متلاشيات حركة 20 فبراير و بقايا اليسارالمخصي و مريدي الجماعة المحظورة و مداويخ الحزب المنكوب في عزلة شعبية مستمرة لأكثر من عشر سنوات ؛ الخريف العربي إعتمد لتحقيق أهدافه على تنظيمات كلاسيكية غارقة في خطاب إيديولوجي مأزوم و بمرجعيات فكرية متجاوزة وتكتيكات نضالية بليدة و أهداف إستراتيجية غبية فلم تستطع تقديم إجابات حقيقية لإشكالات الشعب المغربي و ظلت طموحاتها النضالية الخبزية تتعارض مع طموحات الشعب المغربي في الكرامة و العيش الكريم ، و هو ما أكد عليه جلالة الملك محمد السادس في خطاب جلالة الملك محمد السادس في القمة المغربية الخليجية بالرياض سنة 2016 قائلا : ” فبعدما تم تقديمه كربيع عربي ، خلف خرابا ودمارا ومآسي إنسانية ،ها نحن اليوم نعيش خريفا كارثيا، يستهدف وضع اليد على خيرات باقي البلدان العربية ، ومحاولة ضرب التجارب الناجحة لدول أخرى كالمغرب ” ..// إنتهى الإقتباس .
في الجانب المقابل نجد الدولة المغربية و مؤسساتها قد جددت خطابها فعلا و قولا في ظل تعاقد سياسي جديد مرتكز على هدف وحيد هو تحقيق طموحات المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي و بعده النموذج التنموي الجديد برؤية واضحة و بخطوات إستراتيجية واثقة و إلتزام سياسي راسخ و مسؤولية تاريخية ، فالإستثناء المغربي أثناء موجة الخريف العربي تحقق بفضل قوة الدولة المغربية و بإلتفاف الشعب المغربي حول مقدساته الوطنية و إعتزازه بعمل مؤسساته السيادية ثم بإستجابة ملكية مسؤولة للمطالب المعقولة للشارع المغربي ترسخ لمفهوم الملكية المواطنة جسدها خطاب 9 مارس 2011 التاريخي .
الفهم الدقيق و العميق لطبيعة المرحلة آنذاك و حسن إستخدام آليات الإستجابة لتفكيك المؤامرات التي إستهدفت إستقرار و أمن و وحدة الوطن إستطاعت أن تجنب المملكة الشريفة سيناريوهات جد خطيرة وضعت من طرف دوائر دولية إعتمادا على ميكانيزمات الجيل الرابع للحروب التي بدأت أولا في مؤامرة أكديم إزيك بإستخدام خونة الطابور الخامس بتتواطئ مع شرذمة بوليساريو الداخل ثم إمتد إلى ساعة الصفر يوم 20 فبراير 2011.
الدرس الوحيد المستفاد من مؤامرة عشرين فبراير التي كانت تستهدف إستقرار و أمن و أمان المملكة المغربية و الشعب المغربي هو أن المغرب القوي الصامد بمرجعياته الوطنية الجامعة وفي طليعتها المؤسسة الملكية بحضورها الفاعل و الرمزي تكرس القيادة الوحيدة الضرورية و المطلوبة و جلالة الملك محمد السادس هو القائد الأوحد و الوحيد لنضال و مسار الشعب المغربي من أجل الحرية و الكرامة و المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم في ظل العرش العلوي المجيد المعبر الوحيد لقيم الدولة – الأمة الحامية ذات السيادة و الكرامة فالمؤسسة الملكية تظل بشرعيتها الدينية و التاريخية و الدستورية هي الضامن الأبدي للتوازن بيـن دولة قوية وعادلة ومجتمع قوي ودينامي، المؤسسة الملكية و معها المخزن الشريف كانت و ستبقى و ستظل الركيزة الأساسية للدولة ورمـز وحـدة الأمـة والضامنة للتوازنات المجتمعية والحاملة للرؤية التنموية و المشرفة على للأوراش الإستراتيجية طويلة المدى والساهرة على تتبع تنفيذها خدمة للمواطنين و رعايا العرش العلوي المجيد ، هذا التوجه سيظل الإطار المرجعي المتوافق مع المبادئ والقيم التـي كرسـتها الوثيقة الدستورية للمملكة .
اليوم توضح بالملموس و بشكل مفضوح أن الدوائر الدولية المعادية للوطن تصر على إستحضار معاني الإستعمار و التبعية و تحاول إستهداف الأمن القومي للمغرب و إستقراره مستخدمة بعض الوجوه البئيسة من معارضة اليوتوب و مجموعة من العملاء في الداخل من تجار الأزمات و متلاشيات الفكر العدمي التيئيسي.
إستقرار الدولة المغربية ونجاح المحطات السياسية الداخلية و إسقاط بقايا الخريف العربي بشكل شعبي و ديمقراطي أربك حسابات الخصوم ، إستهداف الرباط اليوم صار غاية تجمع أطرافاً دولية و إقليمية عديدة على إختلاف مصالحهم، يظنون إن محاولة إشعال بؤر إحتجاجية إجتماعية أو إستخدام حملات إلكترونية منظمة و نشر تقارير حقوقية مفبركة سيعيد الروح إلى توازنات ما يسمى بالخريف العربي لإعادة رسم الخارطة الإقليمية وفق أهوائهم و مصالحهم .
لا احد يجادل اليوم في أن المغرب مستهدف من أكثر من طرف إقليمي و دولي بسبب النجاحات السياسية و الديبلوماسية الإجتماعية و الإقتصادية التي يحققها على أكثر من صعيد في ظل تداعيات أزمة عالمية مرتبطة بجائحة كور//ونا و إنعكاسات الحرب الأوكرانية الروسية و أحداث الشرق الأوسط ، فالعديد من الأطراف الإقليمية و القوى الدولية يفضلون المغرب دولة ضعيفة غارقة في صعوبات إقتصادية و أزمات إجتماعية و تجاذبات سياسية في سبيل البحث عن موطئ قدم في منطقة بالغة الحساسية بالنسبة للصراع الجيوسياسي العالمي و حرب المواقع بين كبار العالم كما أكد جلالة الملك محمد السادس في خطاب الرياض قائلا : ” إن المخططات العدوانية، التي تستهدف المس باستقرارنا متواصلة ولن تتوقف.
فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي ها هي اليوم تستهدف غربه.
وآخرها المناورات التي تحاك ضد الوحدة الترابية لبلدكم الثاني المغرب.
وهذا ليس جديدا ، فخصوم المغرب يستعملون كل الوسائل المباشرة وغير المباشرة في مناوراتهم المكشوفة ، فهم يحاولون حسب الظروف، إما نزع الشرعية عن تواجد المغرب في صحرائه، أو تعزيز خيار الاستقلال وأطروحة الانفصال، أو إضعاف مبادرة الحكم الذاتي التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها. ” ..///