الناقد عبدالله زمزكي يستقصي “الاستعارة التصورية في الشعر الأمازيغي: بنياتها التركيبية والدلالية”
من إصدارات دار الشعر بمراكش
الناقد عبدالله زمزكي يستقصي
“الاستعارة التصورية في الشعر الأمازيغي: بنياتها التركيبية والدلالية”
في الحاجة لنقد الشعر الأمازيغي
توجت لجنة التحكيم، جائزة دار الشعر بمراكش للنقد الشعري، في دورتها الخامسة والمخصصة للنقاد والباحثين الشباب، كتاب الناقد عبدالله زمزكي “الاستعارة التصورية في الشعر الأمازيغي: بنياتها التركيبية والدلالية” بالمرتبة الأولى.
وقامت هذه الدراسة على تتبع أحد جوانب شعرية القصيدة الأمازيغية وهو الصورة الشعرية، و”تحديدا اشتغال الاستعارة التصورية فيها، وذلك من منظورين اثنين: الأول منظور أسلوبي إحصائي، قصد تشخيص وتتبع مدى استثمار الاستعارة التصورية في الشعر الأمازيغي.
والثاني منظور بلاغي نحوي؛ حيث حاولت تحديد بينياتها التركيبية، وتفكيك دلالات الاستعارة وتمييز أنماطها والوقوف على أهميتها في تشكل الدلالة العامة للقصيدة وبناء انسجامها”.
كتاب الناقد عبدالله زمزكي، الصادر السنة الجارية عن منشورات دار الشعر بمراكش، يقع في 196 صفحة من القطع المتوسط وتزينه لوحة الفنان والحروفي الحسن الفرسيوي.
وقد تم اختيار المتن وفق ثلاث معايير: “أولا القيمة الأدبية التي حظي بها في الساحة الأدبية الأمازيغية، ثانيا تجانس المتن الشعري المعتمد، ثالثا مراعاة العنصر الزمني، من حيث توالي الفترات الزمنية التي تنتمي إليها النصوص المختارة”.
وللسنة الثانية على التوالي، يتم تتويج كتاب نقدي بحثي في المنجز الشعري الأمازيغي، وهو معطى يؤكد “الحراك النقدي” الذي بدأ يشهده المشهد الثقافي في الاهتمام بشعرياتنا المغربية، على تعدد ألسنها ورؤاها وأنماط كتابتها.
وكما هو الحال، بالنسبة للمنجز الشعري الحساني، بدأت تظهر أصوات شعرية ونقدية تؤسس أفقها الخاص، في تماهي مع حركة الاهتمام المتزايد بالنشر والطبع.
إن تركيز كتاب الناقد عبدالله زمزكي، على أحد أقدم الأجناس الأدبية في الثقافة الأمازيغية، وأكثرها تداولا في المجتمع، قديما وحديثا، بتعبير الباحث حميد تيتاو، يجعل من الشعر نافذة “مختبرية” لاستقصاء واستغوار أسئلة هذا المنجز الإبداعي والذي حقق، منذ 1976 تاريخ صدور ديوان الشاعر محمد مستاوي “ءيسكراف”، تعددا لافتا لعناوين عدد من الشعراء، سواء من الرواد (بلقاسم، أزايكو، أخياط..) أو من الجيل الجديد.
رغم أن هذا المنجز النصي يطرح أسئلة نقدية على معطى مركزي يتعلق بالإنتاج الشعري الأمازيغي، إذ يتميز بتنوع أنماطه: شعر تقليدي، “يحافظ على بنيات النسق القديم”، وشعر آخر حديث “يحاول تجريب أشكال شعرية جديدة”.
ولعل هذا التنوع يغني تمايزا في مستويات بناء القصيدة الأمازيغية، وغناها الدلالي والتركيبي.
ورغم هذا الغنى والتنوع، الذي يسم المنجز الشعري الأمازيغي، عموما، إلا أن الدراسات النقدية التي تناولته تظل قليلة ولا تساير هذا الحراك الذي يشهده سياق النشر السنوات الأخيرة، أو إذا ما تم مقارنته بما كتب حول القصيدة المغربية الحديثة اليوم. ويؤكد الناقد عبدالله زمزكي أن فكرة هذا الكتاب تقوم على منظور أساسي مفاده “أن الاستعارة التصورية، (…) وهي ميزة الشعر الأساس عبر مراحل تاريخية مختلفة، يمكن من خلالها تتبع حركة الشعر الأمازيغي وتطوره، خاصة في جوانبه الفنية والدلالية”، رغم أن السياق، هنا، يفترض الإشارة الى استعارات أعاد الشاعر صياغتها من منظور جديد، وهو ما يؤشر على ملامح “الوعي الشعري الأمازيغي، اليوم”.
وقد قام الناقد زمزكي بتأطير دراسته وفق تقسيم محدد: مدخل نظري وفصلين تطبيقيين؛ وخصص الأول لتناول مفهوم الاستعارة التصورية من خلال التركيز على أبرز محطات تطورها في البلاغة الغربية، ودراسة إحصائية للاستعارة التصورية في الشعر الأمازيغي، وخصص الفصل الثاني لتحليل مجموعة من الاستعارات التصورية التي يحبل بها المتن الشعري المعتمد، في محاولة الكشف عن أصناف الاستعارة التصورية التي تنبني عليها الصورة الشعرية في القصيدة الأمازيغية.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في تتبع ملامح تطور القصيدة الأمازيغية، من فترة زمنية لأخرى، وستشكل إضافة نوعية الى ما تراكم من دراسات نقدية في هذا الإطار.
كما أن التركيز على دراسة الاستعارة التصويرية، لا يكشف فقط “عن خصائص بنيوية متعلقة ببلاغة النص الشعري، بل تكشف أيضا عن نسيج من التصورات الإيديولوجية والثقافية الثاوية في النص الشعري.. إنها تشكل عنصرا مركزيا في النص الشعري، فهي التي تبني معناه وتضفي الجمالية على لغته”.
إن تتبع الاستعارة في الشعر الأمازيغي من شأنه أن يسهم في تحديد ملامح حركة الشعر الأمازيغي وتطوره سواء من مرحلة الشفهية إلى مرحلة الكتابة، أو في مرحلة الكتابة نفسها، كما أن استثمار الاستعارة في الشعر الأمازيغي ذو أثر بالغ في بناء المعنى وإنتاج دلالات مكثفة يسعى من خلالها الشاعر الأمازيغي إلى تمرير رسائله وإقحام المتلقي في متاهات تفكيك دلالة النصوص واكتشاف معانيها الظاهرة منها والخفية.
ثم إن هذه الاستعارات ليست منفصلة، عما هو متداول وسائد في اللغة اليومية عند الأمازيغ، بل هي تجديد وتطوير لاستعارات تصورية أنهكها الاستعمال في اللغة اليومية، فاستلهمها الشعراء في صيغ استعارية مبتدعة تنبض قوة وحيوية؛ وهذا الأمر يؤكد أن الاستعارة الشعرية الأمازيغية لا تخرج عن نسق استعاري تصوري سائد في ذهن الأنسان، وإنما تحاول تجديد وإبداع صيغ غير مسبوقة لها.