مداخلة رئيس الحكومة الأستاذعبد الإله ابن كيران
في موضوع القضية الوطنية،أمام مجلسي البرلمان
في إطار مقتضيات المادة 68، من الدستور
12 مارس 2016
بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
السيد رئيس مجلس النواب المحترم،
السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم،
السيدات والسادة النواب والمستشارون المحترمون،
نلتقي اليوم، طبقا لمقتضيات الفصل 68 من الدستور، في لحظة رمزية، تجمع الحكومة وممثلي مختلف فئات الشعب المغربي، لنعبر سوية عن الموقف المغربي من التطورات الأخيرة لقضيتنا الوطنية الأولى إثر الزيارة التي قام بها مؤخرا الأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة وما تخللها من تصريحات وتعبيرات مست بحقوق المغرب وبمشاعر المغاربة، بل ومست كذلك بصورة ومصداقية الأمم المتحدة ذاتها، بفعل الانزياح الخطير عن اختصاصات المنظمة الأممية والتزاماتها وتقاليدها.
فكما لا يخفى، قام السيد الأمين العام للأمم المتحدة في الفترة الممتدة من 04 إلى 06 مارس الجاري بزيارة جزئية للمنطقة شملت كلا من موريتانيا والجزائر، وذلك تفعيلا لرغبة سبق أن أعلن عنها، بهدف إعادة إحياء مسلسل المفاوضات بين أطراف النزاع حول الصحراء، قصد التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من لدن هذه الاطراف.
وكانت الأمانة العامة للأمم المتحدة قد طلبت من المغرب تحديد تاريخ ملائم للزيارة، حيث بادر المغرب، انطلاقا من روح التعاون البناء مع المنظمة الأممية، إلى اقتراح شهر نوفمبر 2015 كموعد للزيارة، وهو ما قبلت به الأمانة العامة، لتعود بعد ذلك لاستبعاده بدعوى مستجدات مست أجِندة الأمين العام.
وقد تفهم المغرب الأمر بحسن نية، واقترح موعدا ثانيا للزيارة في يناير 2016، وهو الاقتراح الذي لقي نفس المصير، حيث تم القبول به في البداية قبل التراجع عنه فيما بعد.
بعد ذلك عادت الأمانة العامة لتقترح شهر مارس 2016 موعدا للزيارة، الا أن التاريخ لم يناسب الأجندة الملكية بفعل تزامنه مع وجود صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في زيارة رسمية خارج المملكة.
وعوض البحث عن تاريخ مناسب للطرفين، تشبثت الأمانة العامة باقتراحها وقررت القيام بالزيارة إلى كل من موريتانيا والجزائر، على أن تتم زيارة المغرب في تاريخ لاحق سيتم التوافق بشأنه.
وبطبيعة الحال، لم يسع المغرب إلا رفض هذا التقسيم، لأنه من غير المعقول إرجاء زيارة المغرب إلى ما بعد شهر أبريل، تاريخ تقديم تقرير الأمين العام إلى مجلس الأمن، مع ما يعنيه ذلك من تكوين صورة مجزأة ستنعكس لا محالة على مضامين التقرير، فضلا عن كون المغرب بلدا ذا سيادة لا يمكن لأي جهة كانت أن تملي عليه إرادتها.
ورغم ذلك فقد واكب المغرب الإعداد للزيارة من خلال اتصالات مكثفة مع محيط الأمين العام بنيو يورك ومع مبعوثه الشخصي روس الذي قام ب 6 زيارات للمنطقة منذ أبريل 2015 حتى فبراير الماضي.
وأثناء الزيارة الأخيرة للمبعوث الشخصي للأمين العام، أيام 23 و24 و25 فبراير الماضي، عقدنا معه عدة جلسات عمل، تمت فيها مناقشة كافة الجوانب. وقد عبر بالمناسبة عن رغبة السيد الأمين العام في تقديم تصريح أثناء الزيارة، الشيء الذي أثار استغرابنا، حيث أكدنا مجددا على ضرورة التزام السيد الأمين العام بالثوابت المتفق عليها وبالدور الحيادي للأمم المتحدة، أي المساعدة على إيجاد حل سياسي عادل ومقبول مع مراعاة المقترح المغربي كسقف، وذلك وفق قرارات مجلس الأمن.
إضافة إلى ذلك، وبعد أن اطلع المغرب على برنامج جولة السيد الأمين العام لهذين البلدين، الذي أدرج ضمنه زيارة بير لحلو، البلدة التي تقع إلى شرق الجدار الأمني، قام المغرب بالاتصال بالأمانة العامة للاستفسار عن دواعي إدراج البلدة، والتي تعد الأولى من نوعها من مسؤول أممي من هذا الصنف. خاصة وأن بير لحلو تعتبر منطقة عازلة No man’s land. وهي بلدة تقع شرق الجدار الأمني المغربي في المنطقة العازلة التي تم الاحتفاظ بها بين هذا الحزام الأمني والحدود مع الجزائر بهدف تخفيف حدة التوتر بين البلدين وتجنب أي مخاطر للتصعيد كما كان الحال في عام 1976، ولم يكن أبدا لتكريس تقسيم الأراضي.
وقد حذر المغرب من أي استغلال لزيارة بير الحلو من طرف الخصوم، وهو ما التزمت به الأمانة العامة مبرزة أن الهدف يقتصر على تفقد عناصر المينورسو المتواجدة هناك.
إلا أنه أثناء الزيارة، لاحظ المغرب، باستغراب، أن السيد الامين العام الأممي استسلم لابتزاز الأطراف الأخرى، من خلال فرض أمر واقع، في خرق للالتزامات والضمانات المقدمة للمغرب،حيث سمح السيد الامين العام الأممي، للأسف، بأن يتم استغلاله لإضفاء مصداقية على المزاعم المغلوطة للأطراف الأخرى.
وفي هذا الصدد، ينبغي أن نتذكر أنه بعد تنفيذ وقف إطلاق النار في سبتمبر 1991، لم يتوان المغرب، في كل مناسبة، من لفت انتباه مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة وبعثة المينورسو، على جميع المستويات، إلى انتهاكات وضعية هذه المنطقة كمنطقة عازلة وإلى خطورة الأعمال الاستفزازية للأطراف الأخرى حيث ندد المغرب بتكرار هذه الانتهاكات، مطالبا الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها في المنطقة الشرقية من الحزام الأمني.
حضرات السيدات والسادة،
لقد أعلن السيد الأمين العام للأمم المتحدة، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم 6 مارس الجاري بالجزائر، عن أربعة أهداف لجولته بالمنطقة:
• إجراء تقييمه الخاص للوضع الميداني وإحاطة مجلس الأمن الدولي بذلك،
• الاطلاع على الحالة الإنسانية بمخيمات تندوف،
• زيارة المينورسو،
• وتحليل الوضع الأمني على الأرض.
إلا أنه وعكس كل الالتزامات المعلنة، فإن السيد الأمين العام للأمم المتحدة، وخلال زيارته إلى بئر لحلو، تخلى عن الحياد والموضوعية، ليس فقط من خلال التصريحات، بل كذلك من خلال إشارات رمزية كتعبير صريح عن تساهل مدان مع كيان وهمي يفتقد لكل مقومات الدولة المتعارف عليها في القانون الدولي ومن طرف الأمم المتحدة نفسها.
لقد تجاوز الأمين العام الأهداف التي حددها لهذه الزيارة، وتمادى إلى درجة استعمال لفظة “الاحتلال” لوصف استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، وهي سابقة في قاموس الأمم المتحدة في تناولها لملف الصحراء المغربية، إذ لا تستند لأي أساس سياسي أوقانوني، ويعتبر استحضارها في هذه الحالة مخالفا للقانون الدولي وللأعراف المعمول بها.
وإمعانا في الانحياز المفضوح، تغاضى الأمين العام عن إثارة قضية الخروقات المكثفة لحقوق الإنسان وحقوق “اللاجئين” التي ارتكبت في مخيمات تندوف بالجزائر، لا سيما قضية الاختطافات واسعة النطاق للنساء،والتي شملت أزيد من 150 امرأة وكانت حديث الصحافة العالمية، وخاصة الاسبانية منها، بحكم أن أغلب المختطفات ومجهولات المصير يحملن الجنسية الاسبانية. حيث تم احتجازهن في مخيمات تندوف أثناء زيارتهن لأسرهن. وقد أشار المغرب على سبيل المثال، إلى حالة ثلاث نساء صحراويات محتجزات منذ أكثر من سنة، وتم عرض حالتهن على الأمم المتحدة، وخاصة المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان من طرف عائلاتهن وكذا من طرف المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وأخرى لا حكومية.
فضلا عن هذا كله، أعلن الأمين العام عزمه تنظيم مؤتمر لمانحي المساعدات الإنسانية للمحتجزين في مخيمات تندوف، دون أن يتطرق لقضيتين بالغتي الأهمية:
• القضية الأولى تتمثل في ضرورة إجراء إحصاء لهاته الساكنة والذي دعا إليه السيد الأمين العام بنفسه في العديد من تقاريره ويفرضه القانون الإنساني الدولي وتؤكده جميع قرارات مجلس الأمن منذ 2011.
وبهذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى وجود محاولات لإقناع المفوضية السامية للاجئين وبرنامج الغذاء العالمي لإحداث بطائق التموين للمحتجزين بذريعة ضمان الشفافية في توزيع المساعدات، في حين أنه مجرد التفاف على ضرورة إحصاء المحتجزين. وقد حذرنا المبعوث الشخصي من إمكانية انزلاق الأمم المتحدة وراء هذه المناورة الهادفة إلى إعطاء الانطباع أن الإحصاء قد تم، مع أن إجراء الإحصاء مطلب استعجالي ينبغي أن يتم وفق مقتضيات القانون الدولي الإنساني.
• أما القضية الثانية، فتهم الاختلاس المؤكد والمنتظم، منذ أربعة عقود، للمساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة المخيمات، والذي أكدته تقارير المفوضية السامية للاجئين وبرنامج الغذاء العالمي ومكتب محاربة الغش بالاتحاد الأوروبي وندد به المجتمع الدولي والدول المانحة.
لكل هذا، فإن هذه التجاوزات، هي أبعد ما تكون عن تحقيق الهدف الذي أعلنه السيد الأمين العام خلال هذه الزيارة والمتمثل في إحياء المفاوضات، قبل بضعة أشهر من انتهاء ولايته.
حضرات السيدات والسادة،
إن هذا التطاول الخطير ليس الأول من نوعه، فقد سبقته خروقات في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ تعيين المبعوث الأممي الحالي، كما تجسد ذلك الوقائع التالية:
• ففي2012 حاول التدخل مباشرة في مفاوضات صياغة قرارات مجلس الأمن، وهو ما اعتبر آنذاك سابقة اضطرت المغرب إلى سحب ثقته منه.
• وفي 2013 أوعز بفكرة توسيع صلاحيات المينورسو.
• وفي2014 قام بصياغة تقرير مجحف أحدث أزمة جديدة مع الأمانة العامة، تلاها الاتصال الهاتفي بين جلالة الملك والسيد الأمين العام، تم خلاله الاتفاق على الالتزام بالمعايير المحددة من طرف مجلس الأمن، أي تسهيل مفاوضات بين الأطراف للوصول إلى حل متفق عليه. خاصة وأن مجلس الأمن يعترف بالمجهودات الجادة وذات المصداقية للمغرب متمثلة في مقترح الحكم الذاتي.
وهاهي التطورات الأخيرة تبين أن السيد الأمين العام خرق الاتفاق مع جلالة الملك والالتزام بمضمون المكالمة الهاتفية، كما أضر بمبدأ الحياد الذي هو جوهر الأمم المتحدة، ومس كذلك بالقانون الدولي في هذا المجال، وهو ما ستكون له تبعات بالنسبة للموقف المغربي.
وإننا لنستغرب حقا، كيف أن هذه التطورات تأتي مباشرة بعد المبادرة الملكية السامية لإطلاق مسيرة خضراء جديدة لا تقل قوة عن الأولى، قوامها الجهوية الموسعة والمخطط التنموي الضخم الذي سيجعل الأقاليم الجنوبية حالة استثنائية في المنطقة وحلقة وصل كبرى بين بلادنا وبين إفريقيا وفي وقت يقوي فيه المغرب أكثر فأكثر سياسته الأفريقية.
إن هذا المشروع الاستراتيجي، الرامي إلى ترسيخ مكانة المغرب في المنطقة وفي أفريقيا، وتقديم نموذج تنموي لمواطنيه في الجنوب، وسط محيط إقليمي خارجي يعاني من الهشاشة، أزعج إلى أبعد الحدود خصوم المغرب، وبالتالي لا يمكن أن ننتظر أقل من حملة شرسة ضد بلادنا التي تتعاظم أهميتها يوما بعد يوم.
وخلاصة القول، أنه بعد شهور قليلة من عودة الثقة بين المغرب والسيد الأمين العام للأمم المتحدة، يبدو أن الجانب الأممي لم يتراجع عن الخطوات التي شرع في تحضيرها منذ تعيين مبعوثه الشخصي في يناير 2009، والتي أثارت ردود فعل قوية من جانب المغرب الذي طالب بضمانات بعدم الخروج عن الإطار الذي ترسمه قرارات مجلس الأمن الدولي لتحركات السيد الأمين العام ومبعوثه في ملف الصحراء.
إن مؤشرات الإصرار على الخضوع لضغوط الخصوم ومحاولة جرّ الملف إلى مناقشة حلول لا تحفظ الوحدة الترابية للمغرب، ستدفع بلادنا إلى اتخاذ ما تمليه عليه مصالحه الاستراتيجية وفي مقدمتها الوحدة الوطنية والترابية، إذ لا شيء يعلو فوق قدسية الوطن. وإن الأربعين سنة الماضية لكفيلة بأن تعطي الدروس لمن هم في حاجة إليها.
وبهذا الخصوص، فإنه يجب أن نستحضر العبارات القوية التي تضمّنها الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، المؤكدة على عدم استعداد المغرب تقديم أي تنازلات جديدة بعد مقترح الحكم الذاتي، وكذا مضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمكالمة الهاتفية بين صاحب الجلالة والسيد بان كي مون التي تؤكد حرص المغرب على ضرورة “تجنب المقاربات المنحازة، والخيارات المحفوفة بالمخاطر”، في التعاطي مع ملف الصحراءالمغربية؛وعلى “ضرورة الاحتفاظ بمعايير التفاوض كما تم تحديدها من طرف مجلس الأمن، والحفاظ على الإطار والآليات الحالية” لانخراط منظمة الأمم المتحدة في ملف الصحراء. وقد أكد صاحب الجلالة أن “أي ابتعاد عن هذا النهج سيكون بمثابة إجهاز على المسلسل الجاري، ويتضمن مخاطر بالنسبة لمجمل انخراط الأمم المتحدة في هذا الملف” .
إن الأجدر بالسيد الأمين العام للأمم المتحدة، أن يقدر مخاطر الإرهاب وعدم الاستقرار التي تحوف بالمنطقة، وأن يعترف، كما الدول العظمى، بالنموذج الديمقراطي والفريد الذي يشكله المغرب، والذي يشكل مثالا يحتدى في المنطقة، بما يحققه من تزاوج بين تحقيق الأمن والاستقرار، وترسيخ الديموقراطية وحقوق الإنسان، عوض تشجيع الكيانات الوهمية ومنطق التجزيء الذي لا يمكن أن يؤدي إلا لمزيد من عدم الاستقرار.
وختاما، أعود للتأكيد بأن المغرب، مواطنين ومؤسسات وأحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني وفعاليات حقوقية ومجتمعية، يقف وقفة جسد واحد، حين يتعلق الأمر بالوحدة الوطنية. لقد ألفنا في مسعانا النبيل لبناء الديمقراطية المغربية أن نحول هذا الفضاء إلى فضاء للنقاش، الحاد في بعض الأحيان، والتقييمات الصارمة كذلك، ولكننا في مثل الظرف الحالي، نتحول إلى يد واحدة، بإرادة واحدة، وصوت واحد، يصدح: المغرب أولا وأخيرا، بقيادة ملكنا حفظه الله وأيده.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.