مسرحية “جدار، الضوء نفسه أغمق”: تجربة مسرحية تأسر جمهور الزمامرة وتكشف الأثر الإيجابي لبرنامج التوطين الثقافي على المجتمع
مسرحية “جدار، الضوء نفسه أغمق”: تجربة مسرحية تأسر جمهور الزمامرة وتكشف الأثر الإيجابي لبرنامج التوطين الثقافي على المجتمع
في حدث مسرحي وفني مميز شهد المركز الثقافي بمدينة الزمامرة يوم الجمعة، الأول من نوفمبر 2024، عرض مسرحية “جدار، الضوء نفسه أغمق”، من تأليف قدس جندول وإخراج ياسين أحجام، وسط حضور جماهيري واسع ضم نخبة من المسؤولين والشخصيات العامة، أبرزهم المدير الإقليمي للثقافة لإقليم الجديدة، وأعضاء من اللجنة الوطنية للدعم المسرحي، بالإضافة إلى حضور شخصيات بارزة من المجتمع المدني، ما يعكس الاهتمام الكبير الذي توليه مختلف الأطياف الثقافية والاجتماعية لتشجيع المبادرات الثقافية.
قدمت المسرحية، بأسلوب فني رمزي وشاعري، تأملاً في تعقيدات النفس البشرية من خلال قصة مليئة بالصراع الداخلي والانغماس في الذات، حيث تمكن ياسين أحجام من تقديم النص بلمسات إخراجية مبتكرة تميزت باستخدام سينوغرافيا دقيقة صممها الفنان ياسين الزاوي، ما أضفى طابعًا بصريًا مُبهِرًا على العمل وعزز من التجربة التفاعلية للمشاهد. وقد تفرد العرض بتناول عميق لقضايا الانعزال والاغتراب ضمن حوارات فلسفية تتخللها تجسيدات للشخصيات التي أداها باقتدار كل من قدس جندول، أمين بودريقة، ورضى بنعيم، الذين أبدعوا في نقل مشاعر الشخصيات وأبعادها النفسية والاجتماعية بشكل أتاح للجمهور فرصة للتفاعل مع القضايا المطروحة بشكل عميق وملامس.
وقد شكل فريق العمل خلف الكواليس جزءًا لا يتجزأ من نجاح هذه التجربة، حيث برز عبد الله عدوي بإدارته المحترفة للعلاقات والتواصل، معززًا من الحضور الإعلامي ودور الإعلام في تعزيز الانفتاح على الفن المسرحي، فيما قام وديع حامين بدور المحافظ العام، الذي حرص على التنظيم المحكم وإدارة الجوانب اللوجستية للعرض. أما خلاف الإدريسي، فأسهم بإبداعه في تصميم الصوت ليجعل الأجواء المسرحية أكثر واقعية وتأثيرًا، ما أضاف بُعدًا سمعيًا أعطى الحياة للمشاهد المسرحية، وخلق بيئة تفاعلية جعلت الجمهور يشعر وكأنه جزء من القصة.
لم يكن عرض “جدار، الضوء نفسه أغمق” إلا جزءًا من انطلاقة برنامج التوطين الثقافي الذي يمتد ليشمل سلسلة من الفعاليات التي تهدف إلى تعزيز الثقافة والفن داخل المجتمع، وجعلهما جزءًا من الحياة اليومية للسكان المحليين. وقد افتُتِح برنامج التوطين بإطلاق معرض للخط العربي تكريمًا للفنان المسرحي الراحل الطيب الصديقي، الذي يُعدّ أيقونة من أيقونات المسرح المغربي، وتأكيدًا على الدور البارز الذي لعبه في ترسيخ قيم الجمال والفن عبر مسيرته الفنية الغنية. هذا المعرض الذي يتضمن أعمالاً بارزة للصديقي قدّم للحضور فرصة للتعرف على إبداعاته وتأمل تفاصيلها، في خطوة لإحياء إرثه الفني وتوثيق مساهماته الخالدة.
بالإضافة إلى معرض الصديقي، تضمّن افتتاح برنامج التوطين الثقافي معرضًا لفن الكولاج للفنانة نوال الشريف، التي قدمت من خلاله لوحات متميزة تدمج بين عناصر فنية متعددة، معبرةً عن أسلوبها الخاص في توظيف الفن للتعبير عن قضايا معاصرة. ولقي المعرض اهتمامًا كبيرًا من الحضور، ما يؤكد على التنوع الفني الذي يُقدّمه برنامج التوطين، ويعمل على إغناء الذائقة الفنية لدى السكان، خاصة أن الزمامرة تعد منطقة بحاجة لمثل هذه الفعاليات لتعزيز الجانب الثقافي والفني.
وإلى جانب العرض المسرحي والمعارض الفنية، يبرز الأثر الإيجابي لبرنامج التوطين الثقافي على الساكنة والمجتمع، حيث يسهم هذا البرنامج في إتاحة الفرصة لأبناء المنطقة للتعرف على الفن المسرحي والتشكيلي بشكل أقرب، مما يساهم في توسيع آفاقهم الفكرية والإبداعية، ويحفزهم على المشاركة والانخراط في الأنشطة الثقافية. كما أن وجود فعاليات متتابعة ضمن برنامج التوطين يتيح للجمهور فرصة التواصل المباشر مع الفنانين والمبدعين، مما يعزز من الفهم المتبادل، ويتيح للأجيال الشابة فرصة التعلم من تجارب الفنانين الكبار، كإرث ثقافي يتنقل من جيل إلى جيل.
تفاعل الحضور بشكل إيجابي مع هذه المبادرة الثقافية، معبرين عن سعادتهم بعودة الفعاليات الثقافية إلى مدينتهم، ورغبتهم في استمرارها على مدار العام، ما يعكس نجاح برنامج التوطين في إحياء الحراك الثقافي بالمنطقة، وإيجاد فرص لتواصل الجمهور مع الفنون. وفي ختام الأمسية، أعرب العديد من الحاضرين عن إعجابهم بالعرض المسرحي وتقديرهم للتجربة الفنية التي جمعت بين العمق الفكري والتقنيات الفنية العالية، مؤكدين على أهمية مثل هذه البرامج في تحفيز الثقافة المحلية، ودفعها نحو آفاق أرحب.