التقييم المهني بمؤسسة التعاون الوطني في عهد الوزيرة بنيحيى : “بين شعارات الشفافية وواقع الممارسة”
في خضم التحولات التي يشهدها القطاع العام ، وما يرافقها من خطابات حول الحكامة الجيدة والشفافية، تبرز امتحانات الكفاءة المهنية في قطاع التعاون الوطني كنموذج يستدعي التأمل والمساءلة، فبين ما يُرفع من شعارات براقة وما يُمارس على أرض الواقع، تتسع الهوة وتتعمق التناقضات.
يتجلى المشهد في صورة مثيرة للجدل، حيث يبذل المترشحون جهوداً مضنية في تقديم إجابات تستند إلى منهجية علمية رصينة، مدعمة بالمراجع والنصوص التنظيمية، لتأتي النتائج في النهاية متعارضة مع كل المعايير المهنية المتعارف عليها، ولعل ما يثير الاستغراب أن هذه الممارسات تتكرر في كل دورة، وكأنها أصبحت نهجاً مؤسساتياً ثابتاً ، وفي ظل غياب آليات المساءلة والمحاسبة، تتحول عملية التقييم إلى ما يشبه “الصندوق الأسود” الذي لا يمكن الولوج إليه أو فهم محدداته، فمعايير التصحيح تظل طي الكتمان، وتوزيع النقط يخضع لحسابات غير معلنة، في حين تبقى مسارات التظلم مجرد إجراءات شكلية لا تؤدي إلى نتيجة ملموسة.
ويمتد تأثير هذه الممارسات إلى ما هو أبعد من مجرد النتائج المباشرة للامتحانات، فهي تؤسس لثقافة إدارية تقوم على الإقصاء والتهميش، وتكرس منطق “المحظوظين” على حساب الكفاءات الحقيقية ،الأمر الذي يؤدي إلى تآكل القيم المهنية وتراجع مستوى الأداء المؤسساتي.
أما على المستوى النفسي والاجتماعي، فإن الآثار تبدو أكثر عمقاً وخطورة، فالموظف الذي يرى جهوده تذهب سدى، والذي يشعر بأن مصيره المهني رهين بعوامل خارجة عن نطاق كفاءته، يفقد تدريجياً الحافز للتطور والإبداع، وتتحول علاقته بالمؤسسة إلى علاقة سطحية تفتقد لروح الانتماء والولاء المهني
ولعل الأخطر من ذلك كله هو تأثير هذه الممارسات على النسيج الاجتماعي داخل المؤسسة ، فحين تسود ثقافة “الانتقاء غير المبرر”، تتفكك الروابط المهنية وتضعف روح التعاون، لتحل محلها النزعات الفردية والصراعات الداخلية ، وهو ما يؤثر سلباً على المناخ التنظيمي ويعيق تحقيق الأهداف المؤسساتية
إن استمرار هذا الوضع يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل إدارة التعاون الوطني ومدى قدرتها على مواكبة التحديات المعاصرة، فكيف يمكن الحديث عن التحديث الإداري والحكامة الجيدة في ظل ممارسات تقوض أسس العدالة والشفافية؟ وكيف يمكن بناء إدارة عصرية وفعالة دون احترام الكفاءات وتثمين المجهودات الحقيقية؟
ومما يزيد المشهد قتامة، ظهور لائحة ثانية تضم أربعة مترشحين إضافيين في فئة المتصرفين، تم انتقاؤهم بنفس الأسلوب المبهم والمثير للتساؤلات، هذه اللائحة التكميلية، التي جاءت في توقيت لاحق، تعمق الشكوك حول معايير الاختيار وتطرح المزيد من علامات الاستفهام حول نزاهة العملية برمته ، فكيف يمكن تبرير إضافة مترشحين جدد بعد إعلان النتائج الأولية؟ وما هي المعايير التي اعتُمدت في اختيارهم؟ وهل يعقل أن تكون هذه الإضافة اللاحقة مجرد تصحيح لخطأ إداري بسيط ، أم أنها تعكس منهجية ممنهجة في التلاعب بمصائر الموظفين ومساراتهم المهنية؟