عبد الإله بنكيران: بين استعادة النفوذ والتضليل السياسي
عبد الإله بنكيران: بين استعادة النفوذ والتضليل السياسي
منذ أن غادر عبد الإله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية، سدة الحكم في المغرب بعد انتهاء ولايته في الحكومة، ظل اسمه يتردد في الساحة السياسية بشكل مستمر، بشكل يثير العديد من التساؤلات والشكوك.
بين مؤيديه، يُنظر إليه كقائد صاحب رؤية وقدرة على إصلاح الأوضاع في البلاد، بينما يرى منتقدوه أنه مجرد “سياسي عائد” يسعى لإعادة بريقه، ولو على حساب مغاربة مروا بتجارب مريرة خلال فترته.
هل هو حقاً يسعى لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي، أم أن ذلك مجرد خطوة جديدة لإعادة بناء نفسه في المشهد السياسي؟ هل يسعى بنكيران لاستعادة الزعامة على حساب الوعود الكاذبة؟ أم أنه مجرد “ظاهرة سياسية” يتلاعب بالكلمات في وقت أزمة الثقة؟
حزب العدالة والتنمية: بين فترة حكم سابقة وأزمة داخلية
منذ عام 2011، تاريخ بداية الربيع العربي، وُضع حزب العدالة والتنمية أمام اختبار صعب عندما تولى قيادة الحكومة المغربية بعد سلسلة من الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بالإصلاحات السياسية والاجتماعية.
كان ذلك بداية لتجربة جديدة في المغرب، حيث جاء الحزب الإسلامي الذي لطالما تمتع بشعبية كبيرة مع وعد بإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية. ولكن مع مرور الوقت، بدأ الكثير من المغاربة يشعرون بأن الوعود لم تُترجم إلى نتائج ملموسة.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلها بنكيران للحد من الفساد والإصلاحات الاجتماعية، إلا أن حكومته واجهت سلسلة من الأزمات التي لم تستطع معالجتها بشكل كامل.
من أبرز هذه الأزمات، ارتفاع الأسعار، سياسات التقشف التي طالت الطبقات الوسطى والفقيرة، وارتفاع معدلات البطالة. بل أكثر من ذلك، كانت هناك مجموعة من القرارات الاقتصادية المثيرة للجدل مثل رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية، مما أدى إلى زيادة حدة التوتر بين الحكومة والشعب.
بالإضافة إلى ذلك، اعترفت بعض القوى السياسية المعارضة بأداء حزب العدالة والتنمية خلال فترة حكمه، حتى وإن كان ذلك على مضض.
وكانت المظاهرات ضد الحكومة قد انتشرت في مختلف أنحاء المغرب، مما يعكس حالة من الإحباط العام لدى شريحة كبيرة من المواطنين. ومع ذلك، استمر بنكيران في تبني خطاب يركز على أن حكومته تعمل في ظل أزمة اقتصادية دولية، معتبراً أن القرارات الصعبة كانت لا بد منها لإنقاذ الاقتصاد المغربي.
لكن بعد مغادرته الحكومة وتركه الساحة السياسية لبعض الوقت، عاد بنكيران اليوم ليظهر مجددًا، لكن هذه المرة بأسلوب مختلف، مفعمًا بالكثير من التصريحات التي يطلقها كما لو كانت “علاجات سريعة” للمشاكل التي يواجهها الشعب، ولكن هل هذا الخطاب يحمل شيئًا جديدًا بالفعل؟
عودة بنكيران: بين الوعود الكاذبة وتضليل الشعب
ما يثير القلق هو أن بنكيران، في محاولاته المتكررة لاستعادة الساحة السياسية، يبدو وكأنه لا يقدّم بديلاً حقيقيًا.
ففي كل مرة يعلن فيها عن رغبته في العودة إلى الحكم، يعيد نفس الخطاب الذي ألقاه سابقًا؛ خطاب التحفيز والتشجيع على الإصلاح، مع وعد بمستقبل أفضل. لكن هذا الخطاب، الذي يلقى صدى لدى قاعدة شعبية واسعة، يظل يفتقر إلى أي مضمون واقعي.
فهو يتحدث عن مواجهة الفساد، ولكنه لم يقدم في الماضي حلولا ملموسة لحل هذه المشكلة.
وهو يتحدث عن رفع المعاناة عن المغاربة، لكن ما يقدمه اليوم لا يختلف عن الوعود التي لم تتحقق في عهده السابق.
من خلال مواقفه وتصريحاته، يمكن ملاحظة أن بنكيران، بدل أن يركز على تقديم خطط عمل جديدة، يعتمد على الخطاب الشعبوي الذي يهدف إلى إحياء صورته كرجل “الشعب” الذي يمثل الآمال والطموحات الشعبية.
هذا ليس بخطاب جديد أو مبتكر؛ بل هو مجرد استعادة لأسلوب قديم يحاول من خلاله إقناع المغاربة بأنه الوحيد القادر على إعادة التوازن للبلاد.
لكن هذا الخطاب يثير تساؤلات مشروعة: هل بنكيران حقًا يقدم رؤية جديدة للمستقبل؟ أم أنه يخطط للاستفادة من الأوضاع الراهنة، معتمدًا على آلام الشعب وأزماته لاستعادة بريقه السياسي؟ يظن البعض أن بنكيران يتلاعب بالكلمات من أجل مصالح شخصية، بينما يغفل عن تقديم حلول فعلية للمشاكل التي يعاني منها المواطن المغربي.
حملة انتخابية سابقة لأوانها: محاولة لاستغلال الوضع السياسي؟
من المفارقات المثيرة للدهشة أن بنكيران، رغم غيابه عن الحكومة لعدة سنوات، بدأ مؤخراً في تقديم نفسه كمنقذ وطني، ومؤثر سياسي، وكأن الحملات الانتخابية قد بدأت قبل أوانها. في خطاباته، يعمد إلى توجيه الانتقادات اللاذعة ضد الحكومة الحالية، مُحملاً إياها كامل المسؤولية عن فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب اليوم. لكن هذا الهجوم على الحكومة الحالية يثير تساؤلاً جوهريًا: هل بنكيران يهاجم حكومة فاشلة؟ أم أن هذا الهجوم ليس إلا جزءًا من خطة انتخابية تهدف إلى كسب التعاطف الشعبي؟
من المؤكد أن الحكومة الحالية تتحمل نصيبها من المسؤولية عن الأزمات التي يعيشها المغرب.
فقد سجلت العديد من الانتقادات لسياسات الحكومة الحالية في التعامل مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية. لكن، لا يمكن لنا أن نتجاهل أن بنكيران نفسه كان جزءًا من منظومة الحكم التي ساهمت في صنع هذا الواقع. لقد كان هو ورئيس حكومته جزءًا من مجموعة السياسات الاقتصادية التي ساهمت في تفاقم المشاكل الاجتماعية التي يواجهها المواطن المغربي.
من هنا تأتي أهمية أن نكون أكثر وعياً بالمناورات السياسية التي قد تتم تحت شعار الإصلاح، والتي قد تكون في الواقع مجرد حملة انتخابية سابقة لأوانها، تهدف إلى إعادة الاعتبار لشخصية بنكيران دون أن تقدم حلولًا حقيقية.
للحكومة الحالية: خطأً تلو الآخر
لا بد أن نؤكد هنا أننا لا نطبل للحكومة الحالية. فالحكومة الحالية بدورها تحمل أخطاءً جسيمة في تدبير شؤون البلاد، وليس من الصواب أن نغمض أعيننا عن هذه الأخطاء. فقد فشلت الحكومة في العديد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية، ومنها عدم تحقيق تطور حقيقي في المستوى المعيشي للمواطنين.
كما أن سياسات التقشف التي طُبقت على مدى السنوات الماضية أثقلت كاهل الأسر المغربية، خصوصاً في ظل عدم وجود أي تحسن ملموس في الخدمات العامة.
لا شك أن هناك تأخراً في الكثير من المشاريع التي كانت تُعلن عنها الحكومة، كما أن هناك تراجعًا في مستوى ثقة المواطنين في قدرة الحكومة على إدارة الأزمات.
من المهم أن نتفهم أن الانتقاد الموجه لبنكيران لا يعني تبرئة الحكومة الحالية، بل هو دعوة لفتح نقاش أعمق حول دور النخب السياسية في بلادنا.
فالمغاربة لا يريدون العودة إلى عهد من الوعود الفارغة، سواء كانت من بنكيران أو من غيره.
الإصلاح يحتاج إلى نية صادقة
المغاربة اليوم يحتاجون إلى قيادة حقيقية قادرة على إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن، وعلى فتح أفق جديد من الإصلاحات التي لا تقتصر على تغيير الأشخاص، بل تركز على تغيير السياسات، وضمان تنمية حقيقية تسهم في تحسين حياة المواطنين.
إن كان بنكيران يريد العودة إلى الساحة السياسية، فإن الطريق لا يكون عبر خطاب الماضي أو عبر استغلال الوضع الراهن لتحقيق مكاسب شخصية. عليه أن يقدم رؤية جديدة، تتجاوز ماضيه السياسي، وتطرح حلولًا حقيقية للمشاكل التي يواجهها الشعب المغربي. وبالمثل، يجب على الحكومة الحالية أن تدرك أن استمرار الفشل ليس خيارًا، وأن عليها أن تعمل بجد لإصلاح ما يمكن إصلاحه، ولا تكتفي بالوعود التي لم تُترجم إلى نتائج ملموسة.
الإصلاح الحقيقي يحتاج إلى شجاعة سياسية، ونية صادقة في خدمة المصلحة العامة، بعيدًا عن الشعارات الفارغة والمناورات السياسية. هذا ما يحتاجه المغرب اليوم، وهذا ما يجب أن يتطلع إليه المواطن المغربي في القيادة القادمة.
بقلم مصطفى أيتوعدي