وأخيرا يتحقق حلم المونديال بالمغرب!
وأخيرا يتحقق حلم المونديال بالمغرب!
بعد حوالي ثلاثة عقود والمغرب يحلم بإقامة “المونديال” فوق أراضيه، ويصبح بذلك ثاني دولة إفريقية وعربية تحظى بهذا الشرف العظيم، بعد كل من جنوب إفريقيا في 2010 وقطر في 2022. إذ أنه وبعد أن سبق للقصر الملكي أن زف للمغاربة في 24 أكتوبر 2023 بشرى اعتماد المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم الملف الثلاثي المشترك بين كل من المغرب، إسبانيا والبرتغال لاحتضان مونديال 2030، أعلنت الجمعية العمومية للاتحاد الدولي رسميا في دورة استثنائية يوم الأربعاء 11 دجنبر 2024 عن اختيار ملف البلدان الثلاثة لاستضافة كأس العالم 2030
وتعد هذه النسخة الرابعة والعشرين من تنظيم مونديال 2030 سابقة من نوعها في تاريخ البطولات العالمية في كرة القدم، حيث ستجرى في ثلاث قارات، تنطلق من قارة أمريكا اللاتينية بثلاث مباريات وتنتهي في قارتين إفريقية وأوروبية بخمسة وأربعين مباراة.
ومباشرة بعد الإعلان الرسمي عن فوز الملف الثلاثي المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال باستضافة هذا الحدث الرياضي البارز، بدأ الحديث بين جماهير البلدان المستضيفة حول الملاعب الرياضية المرشحة لإجراء مبارياته، بالإضافة إلى البلدان التي ستشهد الاحتفالية المئوية لكأس العالم، حيث تقرر إقامة مباراة الافتتاح في الأوروغواي بملعب “سينتيناريو”، مرورا بالأرجنتين والباراغواي، لتستكمل باقي المباريات في المغرب وإسبانيا والبرتغال، التي سبق للاتحاد الدولي “فيفا” أن اشترط توفرها على 14 ملعبا جاهزا لإجراء مباريات المونديال، خاصة أن البطولة المرتقبة ستشهد مشاركة 48 منتخبا بدل 32 منتخبا، كما كان عليه الأمر في النسخ السبع الأخيرة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المغرب ظل على مدار ثلاثين عاما يصر على احتضان هذه التظاهرة، ولا أدل على ذلك أكثر من خوضه خمس محاولات، إذ انطلقت الرحلة عام 1994 كأول بلد إفريقي وعربي يتقدم بملف ترشيح طموح، وتكررت التجربة بملف ثان عام 1998، وثالث عام 2006 ثم رابع في 2010، فخامس خلال عام 2026 ركز عبره على تطوير البنيات التحتية بشكل جيد، لكن الحظ استمر في معاكسته وعدم بلوغ مناه، بالنظر إلى ما كان عليه التنافس من قوة مع دول كبرى ذات إمكانيات رياضية واقتصادية هائلة، بيد أن ذلك كله لم يثبط عزيمته وبقي متمسكا بحلمه ومصرا على إثبات ذاته في تحقيق الظفر باستضافة هذا الحدث العالمي الكبير.
وهو الفوز المستحق الذي عمت على إثره البهجة ليس فقط قلوب المغاربة، بل جميع شعوب القارة الإفريقية والعالم العربي وحكامها، باستثناء النظام العسكري الجزائري وإعلامه الرسمي الموجه والتافه، وبعض أعداء النجاح داخل المغرب، الذين يصدق عليهم القول “لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب” ممن يغشى الضباب عيونهم ولا يرون أي شيء جميل ومتكامل في إنجازات المغرب مهما كان أثرها إيجابيا على البلاد والعباد، بعيدا عن قيم الإنصاف والتفاؤل والاعتراف بجمال وفضائل تلك الأشياء الطيبة. حيث سارع الكثيرون منهم إلى التساؤل حول ماذا سيجني أغلبية المغاربة من هكذا تظاهرات رياضية عالمية كبرى عدا استنزاف المال العام، ولاسيما إذا كانت معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي مازالت مرتفعة، فضلا عن غياب المستشفيات والأطر الطبية الكافية وانتشار الفساد في المؤسسات الخاصة والعمومية؟
فما يغيب عن أذهان المناوئين لمثل هذه الأحداث، هو أن استضافة كأس العالم ليست فقط مناسبة رياضية، وإنما هي فرصة جد مواتية لتحقيق عديد المنافع الاقتصادية للبلدان التي تحظى بشرف التنظيم، ولا يمكن أن تعود عليها إلا بالفائدة سواء خلال الفترة التي تسبق افتتاح البطولة، أو أثناءها وبعد نهايتها، إن على مستوى تحفيز عدة قطاعات اقتصادية ومنها قطاع البناء، الذي سيستفيد من مشاريع ضخمة، والقطاع البنكي عبر الزيادة في تمويل مشاريع البنى التحتية، كما ستشهد شركات الاتصالات ارتفاعا في حركة المكالمات ونقل البيانات.
وعلى مستوى التنمية فيما يتعلق بخلق الثروة وجلب الاستثمار وتوفير آلاف فرص شغل للشباب العاطل، علاوة على ازدهار السياحة والخدمات وتطوير البنى التحتية من ملاعب رياضية ومراكز تدريب وطرق ونقل بين المدن وفنادق ومطاعم ومقاه وغيرها…
لذلك شرع المغرب منذ الآن في العمل بالتعليمات الملكية السامية، قصد التعجيل بتنزيل المشاريع التنموية الضخمة وغير المسبوقة، الرفع من الطاقة الاستيعابية للمطارات، توسيع شبكات الطرق والسكك الحديدية، الزيادة في أعداد الفنادق والمنتجعات السياحية وغيرها، بغرض ترجمة الأهداف المرسومة إلى حقائق ملموسة على الأرض، سعيا إلى التنظيم الجيد لهذا العرس العالمي الكبير، الذي ستسلط عليه الأضواء من مختلف بقاع العالم إن على مستوى الحضور المباشر للجماهير أو المتابعة الإعلامية…
وفي انتظار تحقيق المزيد من الأحلام الجميلة، فإن استضافة المغرب لمونديال 2030 رفقة إسبانيا والبرتغال، يعد فرصة تاريخية تستلزم الحرص على عدم ضياعها وحسن استثمارها في تكريس الرياضة للتقارب بين شعوب القارتين الإفريقية والأوروبية وغيرها. القيام بثورة تنموية بالمدن المغربية وخاصة تلك التي ستحتضن مقابلات المونديال وتستقبل جماهير بلدان العالم.
والسهر على جعل التنظيم تنظيما مبهرا من حيث انضباط الجماهير المغربية والانفتاح على مختلف الثقافات، مع ما يقتضي ذلك من تنظيم ورشات ولقاءات موازية للتعريف بالتراث الثقافي والتاريخي للمملكة وبإمكاناتها الاقتصادية. وهو أيضا فرصة حقيقية لضمان إقلاع اقتصادي ناجع من شأنه الانعكاس على الحياة اليومية للمواطن المغربي ومستوى عيشه.
اسماعيل الحلوتي