زيارة الملك للصين ترجمة قوية لعزم المغرب على تنويع شراكاته الاستراتيجية
تأتي الزيارة الرسمية التي سيبدأها، بعد غد الأربعاء، صاحب الجلالة الملك محمد السادس لجمهورية الصين الشعبية، والتي ستعطي الانطلاقة لشراكة استراتيجية بين البلدين الصديقين، ترسيخا لإصرار جلالته على تنويع شراكات المغرب، على جميع المستويات السياسية والاستراتيجية و الاقتصادية.
ومما يبشر بأن تكون هذه الشراكة متينة وواعدة تميز العلاقات الصينية المغربية بكونها لم تشبها شائبة، منذ إقامتها قبل 57 سنة، وبتطورها المطرد والعقلاني، وتحقيقها على الدوام طفرات نوعية ترجمت طموح البلدين لإقامة شراكة استراتيجية قوية بينهما، يعولان على أن تفتح أمامهما آفاقا ومجالات جديدة ومتعددة.
وتتميز العلاقات بين الصين والمغرب بانتظام الاتصالات من مستوى عال، كان أبرزها الرسالتان اللتان تبادلهما جلالة الملك محمد السادس مع الرئيس شي جين بينغ، قبل عامين، واللتان كان لهما دور حاسم في تسريع وتيرة السير نحو الرقي بعلاقات البلدين إلى مستوى شراكة.
ولا يأت التبادل النوعي للاتصالات بين الرباط وبكين من فراغ، فهو يستند لمسار التطور الذي عرفته العلاقات المغربية الصينية، خلال العشرية الأخيرة، والذي يندرج بدوره في إطار الرؤية الملكية السامية لتنويع شركاء المغرب وتعزيز الروابط مع القوى الصاعدة، مما دفع بالمملكة إلى العمل على إدراج علاقاتها مع الصين في أفق شراكة استراتيجية.
ولم يفتأ المغرب يؤكد حرصه القوي على أن تقوم شراكته مع الصين على أساس حوار سياسي منتظم، يهم مختلف المبادرات الثنائية على المستوى الإقليمي والمتعدد والدولي، حوار يكون أساسا لتنسيق تحركات البلدين ولمواقفهما في المحافل والمنتديات الدولية، كما تحرص المملكة على أن تقوم هذه الشراكة على دعامة اقتصادية متينة.
ويعتبر العمل على إبرام شراكة من هذا القبيل دليلا على الاهتمام الذي توليه القوى العظمى للمغرب، الذي أصبح بفضل الإصلاحات التي باشرها تحت القيادة المتبصرة لجلالة الملك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، استثناء حقيقيا بالمنطقة ومثار اهتمام مختلف الشركاء.
وعلى المستوى السياسي يشدد المسؤولون الصينيون على أن تطابق عناصر السياسة الخارجية لكل من البلدين، في ما يتعلق بالاعتدال وتغليب التسوية السلمية للنزاعات، يمكن البلدين من تنسيق جهودهما من أجل مزيد من المساواة والسلام والاستقرار والدفاع عن مصالح البلدان النامية في ظل النظام العالمي القائم المتسم بانعدام الإنصاف والتجاذبات القوية.
ومن جانبه يطمح المغرب في أن تشكل شراكته الاستراتيجية مع الصين إطارا جديدا للتعاون الثنائي في الميادين المرتبطة بالاستثمار والتنمية وبالأمن، وتعميق التشاور السياسي وتعزيز العلاقات الاقتصادية وتقوية التعاون في الميادين الثقافية والتقنية والعلمية.
كما تصبو المملكة المغربية، عبر هذه الشراكة، إلى أن تكون علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية أساسا للتأثير الإيجابي في التنمية الإقليمية والجهوية، واستثمار موقعها المتميز كرافد لهذا الطموح وهذا البعد الاستراتيجي المشتركين.
ومما يعزز هذه التطلعات، تسجيل العلاقات الثنائية على المستوى السياسي والدبلوماسي، خلال السنوات القليلة الماضية، تزايدا في تبادل الزيارات من مستوى عال، كما أن رسوخ الثقة السياسية المتبادلة، التي تشكل الحجر الأساس لكل علاقات متينة وصادقة، تعمق أكثر وعزز تشاور البلدين وتعاونهما داخل المنتديات الدولية، سواء على المستوى الثنائي أو المتعدد.
ويعزز هذه الثقة متانة علاقات الصداقة الدائمة بين البلدين والتي لم تتأثر بالتقلبات والتجاذبات السياسية الدولية، والمرتكزة على إطار قانوني صلب من حوالي 240 اتفاقية. كما ترتكز على صداقة وطيدة تجمع بين الشعبين تضرب جذورها عميقا في التاريخ، وتقوت على مدى العقود الستة الماضية.
وسيرا على هذا النهج، ومن أجل خلق مناخ ملائم لتعزيز الروابط والتبادلات بين الشعبين، وقع البلدان مؤخرا اتفاقا يهم الإعفاء المتبادل لحاملي جوازات الخدمة والجوازات الدبلوماسية من التأشيرة.
كما قطعت هذه التبادلات، على المستوى الإنساني والثقافي، خطوات كبيرة، مانحة بذلك دفعا قويا للعلاقات الثنائية. وتم بهذا الخصوص فتح معهدي “كونفوشيوس” في كل من الرباط والدار البيضاء، كما تم توقيع سلسلة من اتفاقيات التوأمة بين العديد من مدن البلدين.
من جهة أخرى، يولي الجانبان أهمية كبيرة لمسألة السيادة الوطنية والوحدة الترابية للدول واتفقا، في إطار المشاورات السياسية الدورية، على تبادل المعلومات حول آخر التطورات المتعلقة بقضاياهما الوطنية الجوهرية، وعلى دعم بعضهما البعض، معربين عن تفهم كل منهما لانشغالات الطرف الآخر، بهذا الخصوص.
ولم تفتأ الصين تؤكد التزامها بالقرارات الأممية، وأعربت أكثر من مرة عن استعدادها، بوصفها عضوا دائما بمجلس الأمن وبحكم حجمها الدولي، للقيام بدور بناء في تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، الذي تعتبره من مخلفات الفترة الاستعمارية.
كما أعلنت رفضها لأي عمل من شأنه عرقلة المسلسل الذي أطلقته الأمم المتحدة، مشددة على أن مجلس الأمن ليس المكان الملائم لمناقشة قضية حقوق الإنسان، التي ترفض توظيفها لغايات سياسية.
وتؤكد الصين دائما حرصها وتشبثها الدائم ودفاعها المستميت على مبدأ السيادة الوطنية والوحدة الترابية للدول كضامن للأمن والاستقرار وكحق أساسي في التنمية والعيش الكريم.
من جهة أخرى، تميز العام الماضي باقتراح الرئيس شي جين بينغ لبناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الـ21 ، أو ما يصطلح عليه في الصين اختصارا بـ “الحزام مع الطريق”.
وقد عبر المغرب، على لسان وزير الشؤون الخارجية والتعاون السيد صلاح الدين مزوار، عن دعمه لهذه المبادرة وعن أمل المملكة في أن تحيي قيم طريق الحرير القديم، المتمثلة في السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والاستفادة المتبادلة، وتمكين كل البلدان المعنية من تعزيز تبادل السلع والتقنيات والأفراد والأفكار.