بقلم : محمد سالم الزاوي
قبل 5 سنوات طرح علي صديق سؤال عن سبب إقصاء المنتمين للصحراء من حكومة بنكيران الاولى، فكان جوابي : ” بأننا لا نملك شخصية سياسية محل إجماع من الجميع في ظل الإحتراب القبلي وتنامي الأحقاد خصوصا عند كل موسم إنتخابي.”
في ذلك الوقت لم يكن سليمان الدرهم متواجدا بالداخلة ولم يخض نزالها الإنتخابي وأختار الإنسحاب في صمت رغم الأسئلة المتكررة عن دوافع غيابه وأسبابها التي جعلت الناس يفتقدونه بشكل كبير ويكثرون السؤال عنه بشكل أثار فضولي يومها وجعلني حائرا حول سر شعبية هذا الرجل ودوافع ساكنة الداخلة في تتبع أخباره حتى وإن كان غائبا عن الساحة السياسية بل غائبا عن التواجد بالداخلة حتى.
بعد الإنتخابات الاخيرة إكتشفت أن سليمان الذي كانوا يقصدون لا يختلف عن أقرانه السياسيين في الداخلة عدى في الطباع. فالسياسي الإتحادي الذي بات نجم الداخلة الاوحد يملك شيئا ربما لا نجده إلا ناذرا ببلادنا.
فأن تجمع التواضع والأخلاق والإنسانية المفرطة وتحترف السياسة التي تعد لب النفاق والتلون فهذا ما لا يصدقه عاقل. كما أن وجود رجل بعقلية غربية متفتحة وبثقافة فرنسية محضة تمزج بين رجل الأعمال الناجح والمتواضع والسياسي الطيب والبسيط فحتما وجوده في بيئة قبلية ومتقهقرة فهما ووعيا لهو الحيف الجغرافي والإجتماعي بعينه.
سليمان الذي انجبته أجنبته الداخلة وتخرج من رحم كثبانها و “طلحها” و “تماتها” كان وللأمانة أشد برورا بها وبأهلها اكثر من من سبقوه سياسيا وأستثماريا فلا يكاد يخلو بيت ولا موضع من أثار عطفه ومروره من هناك. ولأن السياسة بالصحراء لم تتدمقرط بالشكل الكافي الذي يؤهلها لإنصاف أمثال سليمان فقد كان الضحية الكبرى للعبة الأعيان ومزاد “ملاك الشكارة” الذي بات عادة موسمية بالصحراء يفتح أصحابه دكاكينهم عند كل إقتراع.
أعود لسؤال صديقي قبل خمس سنوات وأعود لتساؤلات أخرى لازالت تراودني حول إنصاف هذه الربوع حكوميا، فالصحراء عموما والداخلة خصوصا ظلت طيلة سنوات الجدار القصير الذي يمنح الدولة أعلى معدلات المشاركة الإنتخابية دون أن يمنح أبناءها حق تمثيلها وسط حكومات تجاوزت عتبة 40 وزيرا.
فالجنوب منح الوطن كل شئ وقد آن للوطن أن يجزيه الجميل ولو بشق وزارة لأحد أبناء الصحراء الوطنيين. وإذا ما تحدثنا عن الداخلة تلك المدينة الساحلية الغنية بثرواتها والجميلة بطبيعتها فشرف تمثيلها حكوميا بات مطلبا ملحا بعد سنوات طويلة لم نعهد لأحد المنتسبين عليها ان أخذ ربع حقيبة وزارية تحفظ للداخلة ماء وجهها وتعيد لها دفئ الإنتماء لوطن راقي نحلم به جميعا.
لازلت أذكر كيف أخبرني أحد أعيان الصحراء وأقوى رجالاتها السياسيين أنه يحتاج لسمعة رجل مثل سليمان ليهيمن بها سياسيا في ثاني اكبر جهات الصحراء.
ربما الرجل كان محقا بإعتبار أن سياسيا كسليمان ظل لسنوات ضامنا لمقعد نيابي لحزب الإتحاد الإشتراكي ورأس حربته وسط المجالس المنتخبة رغم الهزات التي طالت الحزب جهويا ومعاناته من غياب الأطر والوجوه القادرة على رفع أسهم الحزب وسط ساحة إنتخابية أقل ما يقال عنها أنها باتت حكرا على الاعيان واموالهم.
بالمقابل وبعد الإنتخابات الاخيرة التي ترجل منها سليمان بعد أن خانته الاقدار في حصد مقعد نيابي عن دائرة الداخلة لأسباب عديدة لا يمكن حصرها ولاتزال موضع حديث القاصي والداني بالمدينة.
لكن بالمقابل ظل هاجس خدمة الحزب وانتزاع مقعده النيابي وسط الجهة يراود سليمان دوما الذي نجح بمقابل ذلك في جلب أحد الوجوه الشابة التي حصدت مقعدا إتحاديا بدائرة أوسرد.
اذا سليمان نموذج حي للسياسي الفراكوفوني الذي يحمل من الكفاءة ما يجعله أقدر نخب الصحراء على تحمل مسؤولية وزارية خصوصا أنه ابن عائلة وطنية غنية عن التعريف خدمت هذا الوطن بتفاني وإخلاص وناضل والده ردحا من الزمن في سبيل وحدة أراضيه وصناعة مستقبله.
ولست هنا في موضع الإطناب او المجاملة في شخص سليمان ولا في عائلته ولكنني أحاول الرد على المتشبتين بإعلاء سقف الشروط لسد الذرائع في وجه كفاءات الصحراء كلما ظهرت تشكيلة حكومية جديدة. فالصحراء تعرف الحكومات جيدا وتاريخها السياسي يحكي عن وجود حكومة “آيت أربعين” بين القبائل والتي كانت مثالا تاريخيا لوجود تنظيم سياسي عشائري منظم ومتقن، ولذلك لم يعد مقبولا اليوم بعد أن إستقرت الصحراء داخل موطنها بأن تصبح هامشا وسط الحكومات المتعاقبة دون أن تزف بوزير من أبناءها أو بناتها يكون وسام أستحقاق لها على نسب المشاركة الإنتخابية المرتفعة خصوصا بثاني جهاتها الداخلة وادي الذهب.
ساكنة الصحراء تنتظر ولادة حكومة بنكيران الجديدة وعينها على أبناءها الذين سيتم إختيارهم ضمن حكومة ما بعد دستور 2011. وإذا كان أنجح الوزراء المغاربة على مر الحكومات المتعاقبة ينتمون لحزب التكنوقراط. فإن هذا الحزب لا يخرج من رحمه غير خريجي الجامعات الفرنسية ومن يتقنون لغة الباريسيين بإعتراف الرئيس الفرنسي السابق نفسه “ساركوزي” في خطاب له أمام البرلمان المغربي في وقت سابق.
ولحسن حظ الصحراء أنها تتوفر على سياسي محنك ورجل اعمال ناجح “كسليمان الدرهم” مر من الجامعات الفرنسية ويتقن لغتها ومناهجها.
فلا عذر بعدها لمن يريد لأبناء الصحراء ان يبقوا خارج اللعبة السياسية. وكما من حق كافة المغاربة المشاركة في قيادة بلدهم وتسيير قطاعاتها من داخل الحكومة. من حق أبناء الصحراء كذلك أن يطبعوا بصمتهم وان يقودوا حكومة بلادهم على غرار من يشاركهم مغربيتهم.. ومن لغى فإن لنا في سليمان نموذجا للكفاءة ولا عزاء لمن سيتسبب في إقصاءنا بعد اليوم..