متفرقات ما بعد 7 أكتوبر
عزيز ادمين
عرف المغرب للمرة الثانية انتخابات تشريعية بعد دستور 2011، والتي أفرزت فوز العدالة والتنمية بالرتبة الاولى.
وفي هذا الصدد نسجل الملاحظات التالية:
ثنائية قطبية في أفق الثلاثية:
الملاحظ عن نتائج الانتخابات هو الفرق الشاسع بين عدد المقاعد التي حصل عليها كل من حزب العدالة والتنمية (125) والأصالة والمعاصرة (102) مع باقي الاحزاب الاخرى سواء حزب الاستقلال الذي احتل الرتبة الثالثة ب 46 مقعدا، أو التقدم والاشتراكية الذي احتل الرتبة الثامنة ب 12 مقعد.
وعلى إثر صدور النتائج، أعلن العدالة والتنمية مشاركته بجانب التقدم والاشتراكي في بدء تشكيل الحكومة، في حين أعلن حزب الاصالة والمعاصرة تموقعه في المعارضة البرلمانية، إلا أن حزب التجمع الوطني للأحرار تقدم للمشاركة في الحكومة باعتباره تحالف مكون من 3 أحزاب (التجمع، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري).
هذه التموقعات جعلت الخريطة الحزبية تتخلخل بوجود ثلاث أقطاب: قطب بقيادة العدالة والتنمية وقطب بقيادة الاصالة والمعاصرة، وقطب بقيادة التجمع الوطني للاحرار، إلا أن موقف حزب الاستقلال زعزع هذا المسار والذي كانت غايته:
قطب العدالة والتنمية معزز بالتقدم والاشتراكية فقط؛
قطب أخنوش يتكون من كل من التجمع والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، ويلعب دور “كارد فو” داخل الحكومة؛
وقطب الأصالة والمعاصرة معزز بكل من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، يلعب دور المعارضة مبنية على مشروعية الفعالية والمشروعية التاريخية.
برلمان مؤسسة سياسية وليست ادارية:
كثر الحديث عن تشكيل أجهزة وهياكل مجلس النواب، المنبثق عن انتخابات 7 أكتوبر، وهو حديث محصور في كون الدستور يؤكد على فصل السلط، وأن البرلمان مستقل عن الحكومة، وبالتالي تأخير تشكيلته هو بمثابة اعتداء دستوري على مجلس النواب، وأن ربط مفاوضات تشكيل الحكومة بمنصب رئيس مجلس النواب هو ربط منحرف، كما عزز المدافعين عن اطروحة “عطالة” البرلمان الى وجود مساطر إدارية ليس فيها مانع قانوني من اللجوء إليها، وهي اختصاص الكاتب العام بالدعوة الى انعقاد دورة انتخاب مكتب مجلس النواب.
للاسف أن هذه الحجج واهية وغير ذي موضوع، باعتبار أن مبدأ فصل السلط لايعني الجمود التام بين السلط، كما أن النظام البرلماني القائم في الوضعية المغربية بين البرلمان والحكومة، هو قائم على وجود علاقات عضوية بينهما وأن الحكومة هي امتداد للاغلبية البرلمانية.
كما أن البحث في المساطر القانونية للجواب على تشكيل هياكل مجلس النواب، فإنه –بحث- يزيح عليه صبغته السياسية ويجعله مجرد ملحقة إدارية للاحزاب السياسية، وهو عكس ذلك، فهو جهاز سياسي بالدرجة الاولى، وبالتالي فإن منصب رئيس المجلس وباقي الهياكل هي بالضرورة أجوبة عن التوافقات والتحالفات المشكلة للحكومة.
وأخيرا، فإن القول بعطالة مجلس النواب، نظرا لعدم تشكيله، يطرح أكثر من علامة استفهام، فمثلا، ما هي القيمة السياسية والقانونية في تشكيل هيكل وأجهزة مجلس النواب في غياب وجود حكومة مسؤولة أمامه؟ وما هي الادوار التي يمكن أن يقوم بها، فهو لن يستطيع لا التشريع ولا مراقبة الحكومة ولا طرح الاسئلة في ظل عدم وجود تصريح حكومي؟ وهل يمكن تشكيل بعض اللجن النيابية دون أخرى؟ ومن سوف يتولى رئاسة لجنة العدل والتشريع المحجوزة حصرا للمعارضة؟
وبالتالي فمن الطبيعي والمعقول أن يبقى مجلس النواب معلقا إلى غاية تشكيل الحكومة.
لقاء المستشارين:
أجرى مستشاران في الديوان الملكي لقاء مع رئيس الحكومة المكلف، وذلك بتبليغه رسالة ملكية مفادها الضرورة الى تسريع تشكيل الحكومة في أقرب الاجال.
إن المتعمق لبنية النظام السياسي المغربي، يسمح بالقول، أن تاريخ تشكيل الحكومات بالمغرب لم يكن منفلت عن مراقبة وتأطير القصر، بما فيها حكومات ما بعد دستور 2011، باعتباره هو ضامن التوازنات السياسية والمؤسساتية، وبالتالي فإنه ليست المرة الاولى التي يتم التنسيق أو التواصل مع رئاسة الحكومة (الوزير الاول سابقا)، من أجل هندسة حكومة على مقاس يستجيب لإرادة الدولة وإرادة الاحزاب السياسية.
إلا أن الجديد في هذا الحادث هو الاتصال المباشر والعلني والرسمي، في حين كان التواصل سابقا يتم بشكل غير رسمي INFORMELLE ، وهي ممارسة محمودة.
إلا أن المثار في النقاش حول الاسراع بتشكيل الحكومة، وفق مقتضيات الفصل 47 من الدستور، وهو الاجال المعقولة، وهو معيار يصعب تحديده أو ضبطه، فلكل فاعل سياسي تقدير معين لمعنى “الاجال المعقولة”، فهناك من يعتبره شهر، أو شهرين، أو ثلاثة أو سنة.
موريطانيا تعري نخبتنا السياسية:
إن ردود الفعل اتجاه تصريحات حميد شباط الامين العام لحزب الاستقلال لا يجب قرأتها بشكل معزول، بل في سياقات متعددة، سواء سياق اقليمي، وأكثر في سياق وطني، وبالتالي صدور بلاغ عن وزارة الخارجية هو بلاغ صادر عن الدولة، باعتبار أن الخارجية كانت ولازالت من الوزارات السيادية (للتذكير ببلاغ الوزارة بخصوص تصريحات رئيس الحكومة اتجاه سوريا وروسيا)، كما أن استثمار عزيز اخنوش لتلك الواقعة جعلته يضيف نقط إضافية في صالحه لفرض شروطه في التفاوض.
مشكلة نخبتنا الحزبية أنها لا تمارس السياسية بناء على تخطيط ورؤية بل يكفي الخصم الجلوس والتزام أعلى درجات الصمت وانتظار وقوع (الخصم) في الأخطاء فمن اخطاء الاخرين تستفيد نخبتنا الحزبية، هكذا وجد “شباط” نفسه يصارع من أجل تبرير تصريحاته وتقديم كل التنازلات، في مقابل نموذج نبيل بن عبد الله الذي التزم الصمت والحذر طيلة فترة المشاورات حول الحكومة، ذلك بعد العتاب الذي تعرض له من قبل الديوان الملكي على إثر تصريحاته بخصوص “الدولة العميقة”.
ختاما:
عموما يعود الفضل الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية الالكترونية في تنامي منسوب السياسة لدى الشباب، وذلك راجع أساسا الى فتح قنوات جديدة للتعبير عن أرائهم ومواقفهم أمام انغلاق القنوات العمومية والصحافة الورقية المحتكرة من قبل فئة قليلة من الفاعلين والباحثين لهم غايات محددة وسقف مسطر قبلا، وأيضا الى الولوج السلس للمعلومة وتدفقها بشكل مكثف، وهنا نستحضر المثال البريطاني :
The Information is Power