دفاعا عن الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي
محمد إنفي
الأمناء العامون للأحزاب (أو الكتاب العامون أو الأولون أو الوطنيون أو غيرها من الأسماء) هم الممثلون القانونيون والشرعيون لها. وهم قادتها وزعماءها؛ وبهذه الصفة، فهم شخصيات عامة؛ وهو ما يجعلهم تحت المجهر وعرضة للتتبع والمراقبة والنقد. غير أن النقد لا يعني التجريح والخوض في الحياة الخاصة للأشخاص للتشهير بهم والتهجم عليهم والنيل من كرامتهم…
وفي اعتقادي، لم يسبق لأي قائد سياسي مغربي أن تعرض لما تعرض له الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من تحامل وقذف وتشهير وتشويه لصورته (الحسية والمعنوية) وتحريف لأقواله وتبخيس لأعماله ومنجزاته ومواقفه… فحتى عبد الإله بنكيران- الذي اشتهر بقاموسه السوقي وأسلوبه السياسي الرديء وتميزت ولايته الحكومية بقرارات مجحفة في حق السواد الأعظم من المواطنين، وبالأخص الفئات الهشة والمتوسطة منهم- لم ينل من الانتقاد والتجريح ما ناله إدريس لشكر.
وداخل الاتحاد الاشتراكي وعلى هوامشه، لم تتوقف الحملات التشهيرية والدعايات المغرضة والهجمات الشخصية المغرقة في التحامل والعدوانية والكراهية والبغضاء…منذ أن تم انتخابه كاتبا أول في المؤتمر الوطني التاسع للحزب.
وبقدر ما كان هذا الانتخاب تكريسا وتأكيدا للشرعية الديمقراطية التي دشنها الاتحاد في مؤتمره الوطني الثامن من خلال انتخاب الأخ عبد الواحد الراضي من بين خمسة مرشحين (الراضي، لشكر، ولعلو، المالكي وحجي)، بقدر ما أصبح الفائز بالسباق نحو الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي موضوعا وهدفا لكل من له حسابات شخصية مع إدريس لشكر أو حسابات سياسية مع الاتحاد وقادته وتاريخه.
والحديث عن الشرعية الديمقراطية يحيلنا، بالضرورة، على الشرعية التاريخية التي كانت تعفي، في مؤتمرات الحزب، الكتاب الأولين السابقين من دخول حلبة المنافسة مع مرشحين آخرين.
لا زلنا نتذكر التشويش الإعلامي المخدوم الذي حصل بعد المؤتمر الوطني التاسع والذي كان الهدف منه هو تحويل النجاح الذي عرفه المؤتمر إلى فشل والنيل من شرعية القيادة الجديدة في شخص الكاتب الأول، الأخ إدريس لشكر. فالتمرين الديمقراطي غير المسبوق الذي تُوِّج بفوز هذا الأخير، لم يرُق جهات متعددة (داخل الحزب وخارجه)؛ ولكل جهة حساباتها الخاصة. وهكذا انطلقت الأقلام المأجورة والأصوات المبحوحة في نفث سمومها ضد الكاتب الأول الجديد، ومن خلاله ضد الاتحاد وقادته.
وقد كان لافتا أن الذين كانوا يغذون الإشاعات ضد الكاتب الأول ويسربونها للإعلام المأجور هم عناصر اتحادية، معتقدين أنهم يسيئون بذلك إلى إدريس لشكر، في حين هم يقدمون خدمة مجانية لفائدة أعداء الاتحاد وخصومه. وقد كانوا يفعلون ذلك إما انتقاما من إدريس لشكر لكون انتخابه وضع حدا لتهافتهم وأفشل مشروعهم الهادف للاستيلاء على قيادة الاتحاد (وذلك كان هو هدف المراهنين على المرحوم أحمد الزايدي من أمثال دومو وغيره) وإما حقدا وغلا لأسباب شخصية وسياسية(منشد، مثلا) وإما بفعل انقلاب في المواقف (بوبكري، نموذجا)لأسباب مريبة، لا يعرف تفاصيلها إلا الله وصاحبا الأمر.
وإذا كان يسجل للرجل عدم السقوط في فخ ردود الفعل واستطاع أن يتحاشى، رغم قسوة وخطورة بعض الافتراءات والاتهامات، التفاعل مع الاستفزازات (وما أكثرها !) وأن يقاوم الابتزاز، فإن المتتبع الموضوعي والمحايد لسيرة الكاتب الأول، منذ انتخابه إلى الآن، قد يخرج بحكم صريح، بغض النظر عن الأخطاء الممكنة والهفوات التي قد تحصل أو التي ربما قد حصلت(فمن يمارس ويعمل ويجتهد، لا شك أنه يقع في أخطاء؛ والذي لا يخطئ، فهو الذي لا يعمل)، هو أن إدريس لشكر ظُلِم كثيرا خلال هذه الولاية التنظيمية، ومن أقرب المقربين إليه.
وإذا كان “ظلم ذوي القربى، كما يقول الشاعر، أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند”، فقد أبان الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي عن قدرة فائقة في الصبر والتحمل، وأعطى، بذلك، الدليل والبرهان على أحقيته في تدبير وقيادة حزب من حجم الاتحاد وأكد، بالملموس، بأنه قائد سياسي حقيقي. فلا الخطاب الشعبوي استهواه (رغم سيادة الشعبوية في الخطاب السياسي، ليس وطنيا فقط؛ بل عالميا) ولا خطاب الحقد والغل والرغبة في الانتقام أثاره، أو على الأقل، لم ينقاد له.
لا أحتاج لذكر كل “ذوي القربى” الذين طعنوه من الخلف، في الوقت الذي كان يعتقد بأنهم سنده في معاركه السياسية والثقافية التي أطلقها على واجهات متعددة. فيكفي أن أشير إلى أن الطعنة الأولى أتته من مدير حملته الانتخابية في المؤتمر الوطني التاسع، والذي ليس سوى صديقه الحميم الذي لازمه لأكثر من ثلاثة عقود (وأتخيل حجم التأثير النفسي لمثل هذا الانقلاب وهذا التنكر لتلك العشرة الطويلة). أما آخر طعنة من الخلف، فقد جاءته كذلك ممن كانوا يُعتبرون رجال ثقته وأمناء أسراره؛ وأقصد بعض الموقعين (وعلى الأقل، اثنان منهم)على “بلاغ الدار البيضاء”، بعد ظهور التشكيلة الحكومية الجديدة؛ ذلك البلاغ الذي، من خلاله، يتنصلون جميعهم من كل الالتزامات والقرارات التي ساهموا وبحماس في بلورتها والمصادقة عليها.
وحتى لا يذهب بعيدا خيال أصحاب المواقف بالمقابل وأصحاب العاهات النفسية والعقد المستحكمة (والذين يسوؤهم دفاعي عن مؤسسات الاتحاد الاشتراكي، ومنها مؤسسة الكاتب الأول) في توهماتهم، أعفيهم من ثقلها ومن آلامها، فأحيلهم على أصدقائهم وأقربائهم ممن كانوا مقربين من الكاتب الأول وملازمين له. فهم أحسن من يعرف العلاقة التي تربطني بالأخ إدريس لشكر، والتي، على كل حال، لم تتجاوز يوما العلاقة التنظيمية، وفي حدها الأدنى. وربما هذا هو سر استغراب البعض من موقفي وكذا سر الألم الذي تسببه كتاباتي لبعضهم، حتى وإن ادعوا العكس.
وحين أتمعن في حملة التشويش الحالية على المؤتمر الوطني العاشر، والتي انطلقت ببلاغ الدار البيضاء (“الأخوي”)، لتتداعى إليها النطيحة والمتردية وما عاف السبع، أدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الاتحاديات والاتحاديين النزهاء والأوفياء والصامدين في وجه العواصف الداخلية والخارجية، من أجل حماية حزبهم من البلطجة والابتزاز؛ إذ من الملاحظ أن كل الذين أساؤوا إلى الاتحاد، إما بتخاذلهم وتنكرهم لمسؤولياتهم تجاه حزبهم أو بانخراطهم في حملات مضادة لمرشحيه في المعارك الانتخابية الأخيرة (2015 و2016) أو بانشقاقهم وسعيهم إلى تكوين بديل عن الاتحاد؛ كل هؤلاء أصبحوا يتحدثون عن الغيرة على الاتحاد ويتباكون على وضعه وعلى مصيره ويطالبون بتأجيل المؤتمر؛ ناهيك عن الاستيقاظ الفجائي لأصحاب البيات السياسي (أو أصحاب الكهف) والكمون الشخصي وانضمامهم إلى حملات التشويش على المؤتمر المقرر عقده أيام 19-20-21 مايو 2017.
والقاسم المشترك بين كل هؤلاء الرهط، هو العداء لإدريس لشكر وكأن هذا الأخير نزل على الاتحاد بالمظلة واستولى على قيادته غصبا، وليس منتخبا بشكل ديمقراطي؛ ناهيك عن التحامل والتنكر لكل ما قام به من خطوات غير مسبوقة من أجل إعادة بناء الحزب الذي تسلم قيادته في وضعية شلل تنظيمي يكاد يكون عاما وفي وضع داخلي متميز بالتناحر والتنافر، عبر عنه الأخ عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول السابق، بالنزوع إلى الانتحار الجماعي.
وعلى كل، فالمكان الطبيعي لمحاسبة الكاتب الأول، هو المؤتمر وليس الجرائد الإليكترونية والمواقع الاجتماعية والصالونات المكيفة… والمحاسبة تتم بناء على ما تم التعاقد عليه في المؤتمر الوطني التاسع وليس اعتمادا على الرغبات الشخصية والنزوات الذاتية.