رمضاني يكتب: الإدارة المغربية: الهدف من الإصلاح
فتح الله رمضاني :
شكلت حكومة عبد الرحمان اليوسفي، نقطة انطلاق حقيقية نحو مغرب جديد، هدفه تحقيق التطور والتنمية، و مضمونه مجموعة من الأوراش الكبرى، التي همت مختلف المجالات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الحقوقية، ويمكن القول أن أهمها كان ورش الإنصاف و المصالحة، وورش إصلاح العدالة، وورش الجهوية المتقدمة، ثم الورش الذي يتصدر أولويات المشهد السياسي في الظرفية الراهنة، أي ورش إصلاح الإدارة و الوظيفة العمومية.
والملاحظ أو الإيجابي هنا، هو أن جميع الفاعلين لهم قناعة موحدة، بأن الضرورة اليوم تفرض الانكباب على إصلاح الإدارة المغربية، نظرا لارتباطها المباشر مع المواطنات و المواطنين، ذلك لأنها القناة المباشرة التي تربط الدولة بهم، ونظرا لأنها الآلية الوحيدة التي يمكن للدولة من خلالها أداء أهم وظيفة من وظائفها، أي خدمتهم، بمعنى أنها الأداة الوحيدة التي تقدم عبرها الدولة خدماتها العمومية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الدافع الرئيس نحو الإسراع في إصلاح الإدارة المغربية، و بالتالي تأهيل مستوى الخدمة العمومية في المغرب، غير مرتبط فقط بأحوال الإدارة أو بمستوى الخدمة العمومية التي تقدمها الدولة، والتي يجمع الجميع على أنها أحوال متردية، و خدمة رديئة، بل إن أساسه هو تنامي انتظارات المواطنات و المواطنين اتجاه الإدارة، وتزايد وعيهم بأن لهم الحق في إدارة خدومة، وفي خدمة متقدمة.
ولأن الأصل في وجود الإدارة، هو تقديم الخدمة للمرتفقين، عن طريق موظفين مكلفين بتقديمها، فوجود الإدارة و استمراريتها هكذا، غير مرتبط بالآلية التي من خلالها يتم تكليف فئة من المغاربة، من أجل تقديم خدمة عمومية للعموم، فمن البديهي إذن أن تكون عملية تقييم الإدارة، مؤسسة على مدى جودة الخدمة التي تقدمها، ومعيار الجودة هنا، لن يكون إلا مستوى رضا المواطنات و المواطنين، وبطبيعة الحال دون تجاوز و إغفال لجودة الحياة الوظيفية، التي تعتبر محددا رئيسا في طبيعة الأداء الوظيفي، والذي يؤثر بشكل مباشر في نجاعة الإدارة، بمعنى أن الإدارة، و طبيعة الخدمة، و الأداء الوظيفي، محددات رئيسية في عملية إدراك الهدف من وجود الإدارة، أي رضا المواطنات و المواطنين.
بهذا المعنى، فإن أي عملية لإصلاح الإدارة، يجب أن تكون غايتها الأولى و الأخيرة، هي الإجابة على انتظارات المواطنات و المواطنين، وبشكل يضمن للقطاع العام الاحتفاظ بخصوصياته، التي يعتبر التضامن أهمها، لكن هذا لا يمنع من الاستفادة من بعض تجارب القطاع الخاص في طرق تدبيره للموارد البشرية، خصوصا أن الواقع يظهر تفوقه و تميزه على مستوى أداء خدماته، صحيح أن منطق السوق ومبدأ التنافس، عاملان أساسيان في تطوير أدائه، وهما المنطق و المبدأ اللذان لا يمكن رهن بعض مرافق القطاع العام بقوانينهما، لأنها تقدم خدمات عمومية غير خاضعة لمنطق العرض و الطلب، وموجهة لكل المواطنات و المواطنين، لكن يمكن الاستعانة من بعض الآليات الإيجابية المتبعة فيه من أجل تحقيق الجودة الوظيفية و بالتالي الرفع من أداء الموظفين بالقطاع العام، حتى يمكن الرفع من جودة الخدمة العمومية، ما يعني الاستفادة من بعض إيجابيات القطاع الخاص، دون المساس بخصوصية القطاع العام.
وكخلاصة لهذا الرأي المتواضع، فإن نجاح إصلاح الإدارة في المغرب، وفي ظل تراكماتها و أوضاعها، وانطباعات المغاربة حولها، مرتبط بتحقيق غايات وجودها، أي أنه لا معنى لأي إصلاح، إلا إذا جعلها قادرة على أداء أهم وظائفها التي أنشئت لأجلها، أي تقديم خدمات عمومية جيدة للمواطنات و المواطنين.