السياسي المغربي و المواقف المنتهية الصلاحية…!
بقلم: شفيشو عبدالاله / الشاون
أذهلني أن بعض “سياسيي” هذا الزمان المغربي البئيس يرون مفهوم الثورة كما لم يره مثقف في العالم فهي الشارع الصاخب المليء بالرؤوس الحامية والفارغة وبالحطام وأشلاء البشر والحرائق، ومثلهم منتهزي الفوضى الذين يضفون على أنفسهم ألقاباً وتوصيفات ولا يرون في الثورة فعلاً تاريخياً بمقومات و شروط وأهداف تبدل طريقة حياة الناس إلى الأرقى والأكثر مدنية ولو سلماً لا على الأوضاع والأكثر همجية وبالدم والموت حصراً، نقرأ اليوم لسياسيين تنكرّهم لماضيهم السياسيّ والفكريّ ويتّخذون مواقف مخزية ضدّ أوطان تُدمّر، فيرون في المتآمرين مُحرّرين وفي الغزاة مُناصرين ولا يفرّون بالقصد بين وطن يحتاج إلى ديمقراطية و ديمقراطية لا تكون إلاّ بوطن،فهؤلاء من ”سياسيي ” هذا الزمان المغربي البئيس يرون في السياسة مجرد تراكم من المواقف يمكن بيعها أو شراؤها أو المتاجرة بها في كل سوق ولو كانت سوق نخاسة، ولا يرون فيها حلاً لمعضلات الإنسان الأخلاقية أولاً في طريقه إلى الحضارة، فيجتمعون تحت أي سقف يدفع ويمول ولو كان سقف خيمة لقطري… خليجي…صهيوني وبمواقف منتهية الصلاحية.
ألفناهم في السابق دُعاةً للناصريّة فالماركسيّة فالصدّاميّة يزورون القاهرة وبغداد ودمشق والجزائر جماعات وينتصرون لقضايا الأمّة ولحركات التحرّر الوطنيّ ومستقبل العروبة ولهم نصوص وأقوال تشهد على شطحاتهم النضاليّة، وقد انضمّ إليهم في السابق أنصار عقيدة وكفاح لا يقبلون أنصاف الحلول ونراهم يُزايدون على المُمانعة والرفض ثمّ أذعنوا كالآخرين لسلطان المال الخليجيّ يتّخذونه معبوداً أو بديلاً إيديولوجياً،للأسف الشديد فقد فاحت رائحة الفساد من أولئك “السياسيين” أولئك الناعقين على الشاشات ولم تفلح الكاميرات المتطورة في إخفاء أحقادهم وجهلهم حيث ترتبك وجوههم ليس بسبب بقايا ضمير بل استعجالاً لانطفاء الأضواء وتلقي المغلفات المحشوة بقليل من الدولارات ولاحقاً اليورويات، وكنت أحسب أن للفساد ميادينه في كل علاقات البشر التي ينهب فيها الطامع بعض المغفلين أو الخانعين ما خلا الكلمة /الموقف لأنني ظننتهما مقدستين كعتبات بيوت الله، فإذا بالمتعيشين الذين لم أسمع أحداً منهم يتقن لغته الأم يتمسحون على أعتاب العواصم الغربية والبترولية على حد سواء ليقبضوا ما لا يساوي قطرة واحدة من دم الوطن ،وهل من غرابة أن يطعن العاق أمه التي نسي حتى صفاء مفرداتها وأصالة روحها؟
فـأزمة السياسيين المغاربة احتلت دوماً مكانة مرموقة في مسلسل التأزيم المعتاد فهم ليسوا سوى كتلة الوعي الفاعلة في أي شعب ومصادر قوته الحقيقية وطليعته الإنسانية القادرة على تشخيص الوقائع وكشف الخلل و اجتراح الحلول وطرح المبادرات وصولاً إلى التغيير الإيجابي المطلوب،وكان سياسيونا كالمأمول دائماً شجعاناً إلى درجة كبيرة تعكس نضوجهم الفكري والإنساني من ناحية وتجانسهم مع حال الرفض العام من ناحية أخرى، إذ أفردوا المساحات الكبيرة للحديث عن أزمتهم الخاصة والعامة في آن معددين أبعادها وموضحين آثارها وتداعياتها عليهم وعلى المجتمع والدولة، وفي ذلك قالوا إن ثلاثة أضلاع تُحكم حصاراً حول السياسي مجسدة أزمته:
أولها الاستبداد السياسي، وهم في ذلك محقون كل الحق إذ يبقيهم رهن المطاردة والملاحقة وتحت سيوف العقاب والترصد،
وثانيها المؤسسة الدينية التقليدية ذات الفهم الضيق الحرفي والمخالب الممتدة المفتئتة على سلطات الدولة المدنية وحقوق الإنسان،
وثالثها الرأي العام غير المستنير مجسداً ”سلطة العوام” العصية على أي تحدٍّ والممتنعة عن أي تطويع أو اختراق والمصطدمة بالضرورة مع إشراقات الإبداع في تخطيها لـ”الثابت” وتحديها لـ”المتفق عليه”.
فعندما تقرأ لمثل أولئك أو تسمعهم والحق أقول إني أقرأ لبعضهم وأسمعهم جرياً على الحكمة ”إن لم تقرأ وتسمع ما لا تحب فلن تتعلم أو قل تتثقف” فترى أعينهم أثقب من شهود عيان فضائيات الملوك والأمراء يصفون لك الحاصل مثلاً في القرى السورية أو العراقية… من قتل وتنكيل على يد النظام للناس المسالمين طلاب الحرية بأدق التفاصيل حتى لتكاد تعتقد أنهم من حملة الشعار ”الشعب يريد إسقاط النظام” في صدر التظاهرات وعلى ظهورهم آثار السياط وعلى صدورهم آثار الرصاص، علماً أن القاعدة القانونية كذلك في واشنطن وباريس وأورشليم التي يجب أن يعرفوها لكونهم نخبة الماسونية السياسية تقول: ”إن في الوقائع لا تقبل الشهادات السمعية”، ولكن كما الشعراء ما يحق لهم لا يحق لغيرهم! لا يرون غضاضة في اتخاذ مواقف تتقاطع مع أوباما وآشتون وما خلفهما وما أمامهما و نتنياهو والظواهري والعرعور والملوك والأمراء والأجراء، لا بل يروجونها يبررونها باختلاف المنطلقات وأكثر من ذلك بدمع على الحقوق الإنسانية المداسة والحرية المراقة في ساحات سورية والعراق… المصونة في الساحات الأوروبية،وكل ذلك من على موائد الكافيار في الشانزيليه أو في الحي اللاتيني و الأنكى عندما يكتبون عن التدخل الأجنبي تراهم يقولون: ”نحن ضد التدخل الأجنبي ولكن إذا حدث (!) فالمسؤولية على النظام”. و أما أنت الرافض أن تكون في هذا التقاطع فإنك متحجر فكري لا بل عاجز فكري أو عاقر أيديولوجي هذا وإن ”الله ستر” ولم تكن عاقراً إنسانياً ومع القمع وعدو الحرية، وباختصار لستَ سياسيا! وللممانعة والمقاومة وللمحاور وللمشاريع وللمواخير في الخليج وللدم الأفغاني والعراقي والليبي والفلسطيني والكردي، وللجوع في الصومال وفي حواري باريس ولندن وشيكاغو عندهم معان غير كل التي تعرفها وستصير تفهمها فقط عندما يُصلب الأسد ويصير الجربا و اللبواني حكام سورية، و العلاوي والهاشمي في العراق متوجين، وعندها فقط ستصير من عداد السياسيين النخبويين،وإن انتصر العراق وسورية الإصلاح، فستبقى بين الظلاميين لأنه حينها سيقلبون ولن يفتقدوا الحجة، ولن يبقوا لك مطرحاً.
أينَ السياسيين المغاربة حيال ما يجري ببعض السّاحات العربية من تسليح وتقتيل وتنكيل وتخريب وتحريق وتفجير وتكفير وتهجير وارتباط حقير بالأجنبي المتربّص والمعتدي؟أغلب الظنّ أنّ ثلةً منهم حيّدت نفسها وقلمها وصوتها عن الرّصد وقرع ناقوس الخطر لمجمل الوقائع الساخنة لسببٍ قد يكون أسَّهُ الخوف أو عدم القناعة أو الكفر بالهوية الوطنية من الأساس، أو ”لغايةٍ مُبيَّتة بنفسِ يعقوب”؟!وعليه هل تظلّ النخبة السياسية بمنأىً عن توعية المجتمع بحيث لا تؤثر بحركته الوجودية ولا بسلوكياته اليومية؟ ثم إنّ العمل السياسي بغير إخلاص ولا اقتداء ولا اقتدار ولا روح وطنية صافية أشبه ما يكون بالمسافر يملأ جرابَه رَمْلاً يثقله ولا ينفعه ، فمثل هذا الموقف ألانكفائي إنما هو بمنزلة تنازلٍ مقصود لدور السياسي المُدَوَّر كالرّصيد المُدوَّر بانتظار ما ستسفر عنه الأحداث من تطورات ونتائج وعندها يصبغ وجهه وقلمه وصوته بالتلوين الذي يشاء ليضع قدمه من جديد على السّكة التي يريد ، إنّ من أبسط واجبات السياسي الذود عن قضايا الحق والحرية والسيادة لوطنه ودفع كيد المُرْجفين أصحاب الأقلام المأجورة والوجوه القُزَحِيّة المَسْفوحَة وأرباب الأصوات والمواقف والقنوات المُستلَبة بقوة الدولار الذي تلوح من فئات أوراقه روائح الغاز العربي المُسْتلب وأبخرة بترولهم المحاصَر كإراداتهم المحاصَرة ونخوتهم العُرْبانيّة الجوفاء.