صناعة «الدواعش» فى مدارسنا!
سيادة الوزير خذ «دواعشك» وارحل.. كان هذا عنوان مقالى الذى سطرته قبل ساعات من التغيير الوزارى، والإطاحة بالدكتور محمود أبوالنصر، وزير التربية والتعليم، الذى أعتبره بمثابة أمر حتمى كان لا بد منه بعد الكوارث والمصائب التى فاحت رائحتها الكريهة من داخل الوزارة؛ ولذا أقول إننى حقاً أشفق على د. محب الرافعى من تولى هذه الحقيبة الوزارية المثقلة، فالرجل ينتظره العديد من المشاكل الخطيرة والملفات العاجلة، وقضايا فساد جذورها ممتدة ومتشعبة داخل أرجاء الوزارة!!
وإذا كانت مهمة استئصال الفساد المستشرى فى بعض القطاعات -وعلى رأسها المعاهد القومية- تعد أحد الملفات المهمة التى تقتضى اتخاذ قرارات حاسمة وفورية، فإن المهمة الأكثر إلحاحاً والأخطر تأثيراً على جميع خطط تطوير العملية التعليمية، والنهوض بعقول أجيالنا، هى مهمة القضاء على مافيا صناعة «الدواعش» فى مدارسنا، والتصدى لدعاة الفكر الإرهابى المتطرف فى مناهجنا، واستبعاد حملة لواء الهدم والتدمير والانتقام، وتنحية قيادات زرع بذور الكراهية البغيضة فى عقول أطفالنا، ونزع فتيل ألغام قتل قيم الانتماء والولاء للوطن وجيشه ومؤسساته.
وهذا ما يجعلنى أطالب د.الرافعى بإصدار بيان واضح وسريع يحسم اللغط، وتضارب التصريحات الذى صاحب قضية «مناهج التطرف»، ودروس «الفكر الداعشى» التى تزخر بها كتب أطفالنا وشبابنا فى مختلف المراحل التعليمية، ففى الوقت الذى أعلن فيه مستشار الوزير السابق حذف الدروس الهدامة من مناهج الصف الأول والثالث الابتدائى والصف الأول الثانوى!! خرجت علينا مسئولة مركز «تطوير المناهج» فى تحدٍّ سافر للعقل والمنطق لتعلن على الملأ أن الحذف اقتصر فقط على المشهد الأخير من درس «العصافير والصقور»، الذى يتم فيه تآمر العصافير على الصقور وقتلهم حرقاً داخل الخيمة وهم يصرخون: أنقذونا.. أنقذونا!! وتركوا النهاية مفتوحة لطلاب الصف الأول الابتدائى، لكى يبتكروا بأنفسهم نهايات لهذه القصة!! تماماً مثلما ابتكر الدواعش وسائل انتقام لم نكن نشاهدها من قبل!! والأنكى يا سادة هو تصريح مسئولة التطوير بأن درس «العصافير والصقور» ليست له علاقة بالسياسة أو بالدواعش، وتم تأليفه منذ عام ونصف العام!! أى أن الوزارة -ما شاء الله- كانت سباقة فى فكرة حرق الصقور أحياء التى استلهمتها «داعش» وهى تبحث عن وسيلة انتقامية لقتل صقر الجيش الأردنى!! بالله عليك يا أستاذة من هم «الصقور» الأشرار الذين خانوا الوطن ويجب حرقهم أحياء داخل الخيام؟!!
أما مستشار اللغة العربية الأستاذ أحمد السعيد شلبى -لا فُضَّ فوه- فقد أعلن على رؤوس الأشهاد أن حذف المناهج الكارثية والدروس الداعشية، والأفكار التدميرية ليست له علاقة بالسياسة، ولا طبعاً بالتأثير السلبى على التكوين العقلى والنفسى للطلبة، أو استشعار الحرج والخطأ!! وإنما جاء هذا الإجراء فقط لتخفيف المناهج على الطلبة بسبب قصر مدة الفصل الدراسى!! ولم يفت سيادته أن يذكِّر أتباع أبوبكر البغدادى بأن «الدروس الداعشية» ما زالت موجودة فى الكتب الحكومية بين أيادى الطلبة الصغار، ومتاحة للقراءة الحرة بعيداً عن المنهج!!!
أفادك الله يا أستاذنا، ولا أكثر من أمثالك المدمرين لعقول أطفالنا وأوطاننا، بالله عليكم ما هذا التمسك الغريب بتلك المناهج المتطرفة، والإصرار على إفساد مفاهيم وقيم أبنائنا، وترسيخ سلوك العنف والقتل والحرق والتدمير والهدم، وبث أفكار الكراهية والانتقام والتمرد على الدولة ومؤسساتها، وتبرير عمليات استهداف الجيش والشرطة، وكأن الشعوب لا تتحرر سوى بهدم جيوشها وأوطانها!!
ألا يكفيكم ما يشاهده أطفالنا على الشاشات من عنف ودموية ودمار فى الشوارع؟! ترى هل هذا هو التطوير والتحديث الذى نستهدفه فى التعليم؟! وهل تلك هى القيم الحضارية والثقافية والإنسانية والأخلاقية التى نطالب بتعزيزها فى مجتمعنا؟! وماذا بعد تلك المناهج الكارثية التى وضعها هؤلاء السادة الأفاضل وقام بمراجعتها فريق من المستشارين والمشرفين؟ وماذا عن الملايين المهدرة فى طبع وتأليف ومراجعة هذه الكتب التى ما زالت بين أيادى أبنائنا؟ مَن يحاسب هؤلاء الذين تفننوا فى تخريب العقول وإهدار أموال الدولة مع سبق الإصرار والترصد؟! وهل يهربون بسوءاتهم وجرائمهم دون حساب أو عقاب؟!
إننى أطالب د.محب الرافعى بإنهاء حالة التخبط والارتباك التى أصابت المدرسين وأولياء الأمور بسبب تلك التصريحات، ومحاسبة المسئولين عن هذه الجرائم فى حق أبنائنا، وتشكيل لجنة من خبراء وأساتذة علم النفس والسلوك والتربية لمراجعة وتنقية المناهج من السموم والأفكار الهدامة التى تشكل عقول ونفوس ووجدان الأجيال، وما زال السادة المسئولون فى الوزارة يصرون على تلقينها لأبنائنا فى المدارس!!