هل ينفع صمّ الآذان عن حكومة طرابلس؟
تحتاج تونس أثناء هذه الفترة إلى التنسيق الأمني والديبلوماسي المحكم مع جيرانها من أجل تجاوز الصعوبات الأمنية والاقتصادية. هذا التنسيق يبدو إلى حدّ اللحظة محكما مع الجارة الجزائر خاصة بعد الزيارات المتكررة للمسؤولين السياسيين من كلا البلدين وآخرها زيارة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، كما أن الخارجية التونسية تبدو منسجمة تماما مع التمشي الجزائري في ما يتعلق بمقاومة الإرهاب ومنع تغلغله في المنطقة.. ولكن على عكس ذلك ما يزال التنسيق التونسي مع الأطراف السياسية الليبية شبه غائب باستثناء بعض الزيارات غير الرسمية من هذا الطرف أو ذاك على غرار الزيارة التي أدّاها أحد رجال الأعمال التونسيين مؤخرا إلى العاصمة الليبية طرابلس مرفقا بوفد إعلامي وفاعلين سياسيين بهدف تمهيد الطريق للخارجية التونسية للحوار مع حكومة طرابلس.
هذا التقصير الديبلوماسي من الجانب التونسي في حقّ الأطراف السياسية الباسطة سيطرتها على كل الغرب الليبي المجاور للحدود الجنوبية التونسية من المرجّح والوارد أن نجني نتائجه السلبية آجلا أو عاجلا لأن سياسة صمّ الآذان عن النداءات الليبية بضرورة التنسيق الأمني والديبلوماسي المعتمدة من طرف الحكومة التونسية وتحديدا وزارة الخارجية لا يمكن أن تجدي نفعا أو أن تأتي بنتائج إيجابية.
تصرّ حكومة الحبيب الصيد في تونس على تبني أطروحة صاغتها أطراف فاعلة إقليميّا ودوليّا مفادها أن حكومة طرابلس المتأّلفة من هجين سياسي متنوّع أبرزه الفصيل الإسلامي هي حكومة داعمة للإرهاب وراعية له في المنطقة المغاربية وفي كل شمال إفريقيا !! كما تصرّ حكومة الصيد أيضا على كون جماعة “فجر ليبيا” الذراع العسكري لحكومة طرابلس هي جماعة إرهابية تمارس القتل والنهب و”التوحش” وتهدّد الاستقرار في المنطقة وتمثّل الخطر الأكبر على سلامة الأراضي التونسية !!
ليس لجماعة فجر ليبيا ضوابط محددة، وليس لها صبغة الجيش النظامي، هذا مؤكد ومعترف به حتى لدى المواطن الليبي المناصر لهذه الجماعة العسكرية في مدن الغرب والجنوب لأنّ ليبيا برمّتها ما تزال بلدا بلا ضوابط نظامية أو قانونية من شرقه إلى غربه، ولكن المتمعّن جيدا في خطاب جماعة فجر ليبيا والمتابع الحصيف لنشاطات خلاياها الأساسية خاصة في العاصمة طرابلس يدرك تماما أنها تسعى إلى فرض النظام في المناطق الخاضعة إلى هيمنتها ونفوذها كما تسعى إلى محاربة الإرهاب والتصدي لخطر تنظيم الدولة الإسلامية المتنامي في الأراضي الليبية، وهي قد قطعت أشواطا وقامت بإنجازات في هذا المجال.
حكومة طرابلس، بدورها، وهي الحاضن السياسي لقوات فجر ليبيا العسكرية، أبدت رغبة ملحّة في التصدّي لظاهرة الإرهاب في المنطقة المغاربية انطلاقا من الداخل الليبي. وهي تحرص على استمالة الحكومة التونسية للتنسيق معها أمنيّا وديبلومسيّا للنجاح في الحرب المشتركة ضدّ الإرهاب والتهريب.
المفارقة تكمن في أنّ حكومة طرابلس تنسّق بشكل جيّد مع الحكومة الجزائرية، وهناك انسجام كبير بين الجانبين لأنّ الجزائر، تحديدا، تدرك جيّدا مصالحها. إنها قوّة إقليمية فاعلة جدا وهي تفقه بشكل مثير للإعجاب لعبة الشطرنج السياسية في المنطقة والدليل أنها شاركت بامتياز كبير في الحوار الليبي حيث إنها استضافت بعض جلساته المهمّة على أراضيها، وهي إلى جانب ذلك لا تسمح ديبلوماسيّا بالإساءة إلى حكومة طرابلس أو إلى جناحها العسكري “فجر ليبيا” لأنهما يبسطان سيطرتهما على الأراضي الليبية المجاورة لها. وأمّا في تونس، فإن حكومة الصيد ما تزال تركب صهوة الغباء السياسي في ما يتعلّق بالملف الليبي. والمؤلم أكثر هو أنّ كرة الثلج أصبحت تكبر يوما بعد آخر بين الحكومة التونسية وحكومة طرابلس خاصة بعد أن أضحت “فضيحة” السور الذي شرعت تونس، بعدُ، في بنائه على طول حدودها مع ليبيا محلّ انتقاد مواطنيها خاصة في مدنها الجنوبية حيث يعد هناك الشعور بالانتماء إلى تونس لا يختلف كثيرا عن الشعور بالانتماء إلى ليبيا روحيّا وحضاريّا..