المفكر أوريد وكبوة الجواد
المفكر أوريد وكبوة الجواد
بقلم: لحسن أمقران.
في سياق دقيق، وفي خرجة غير مفهومة لغاية غير مفهومة، أكّد السيد “حسن أوريد” على أن المغرب يتهدّده “مشروع تفتيتي” ولا يجب الاستهانة بما يروّج له أحد الأشخاص من كون الوطن “مخترقا” من طرف “الصهاينة” عبر بوابة التطبيع الثقافي مع الحركة الأمازيغية، تأكيد يستحق الوقوف عنده لمحاولة تفكيك طلاسمه لفهم بعض الحيثيات والتساؤل عن أخرى.
الدكتور الذي عهدناه قامة فكرية وخبرناه هامة علمية، وكذلك سيبقى، رجل تعالى عن السياسة في شقها الحزبي وترفّع عن الاصطفاف الأيديولوجي ممّا منحه مسارا حافلا في مواقع حسّاسة كناطق باسم القصر الملكي، ومناصب عليا كوال لجهة مكناس-تافيلالت (سابقا) ، وجد نفسه – ربّما- خارج الميدان لأسباب يصعب التكهّن بها، مما جعله يجتهد من أجل إعادة موقعة نفسه.
يستعصي أن يستوعب الانسان كيف لرجل بوزن المعني، أن يجترّ أسطوانة مشروخة متهالكة وجعجعة بلا طحين اعتدنا أن نسمعها من أهاليها منذ زمن غير يسير لغايات لم تعد في فلك المستور، وكم يحزّ في النفس أن “يتهاوى” أستاذ ومفكر من طينة ووزن المفكّر “أوريد” ليصبح، في رمشة عين، تلميذا نجيبا في فصل الإعاقة الفكرية والنفسية التي تتأسس على المتاجرة بالقضايا الانسانية ويغذيها الارتزاق.
قد نلتمس أعذارا للعامّة من الناس، كل الناس، على استهلاك هلوسات المهلوسين باستثناء الدكتور الأستاذ، فإذا كان “مخطط التقسيم” سيبدأ من الجنوب الشرقي كما صرح به مهندس الأسطوانة سلفا، فإن الوالي الأسبق لجهة مكناس تافيلالت (سابقا) يفترض أن يكون على علم مسبق بما يحاك أو على الأقل أن يتوفر على معطيات حول هذه “التحركات المشبوهة”، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا التأخر في الإعلان عن هذا “الخطر الداهم” الذي يهدد وطننا سنين كاملة؟؟
لا يمكن أن يفهم تأكيد السيد “صاحب الخرجة” على “المشروع التفتيتي” خارج محاولة “صهينة” الحركة الأمازيغية والتشكيك في مشروعها، خصوصا عندما استشهد الدكتور بادعاءات شخص له باع طويل في شيطنة الحركة الأمازيغية وربطها بالمثلية الجنسية والعمالة لجهات أجنبية وإسرائيل بالخصوص، فهل نجح حرّاس المعبد القديم في استقطاب السيد “المدّعي الجديد” أم أن هذا الأخير بصدد مراجعة فكرية بطعم الاستكانة؟؟
لا شك أن التموقع الجديد للسيد “حسن أوريد” له دواع غير معلنة، فالسيد المعني كان أحد “الوسيطين” الأساسيين بين المؤسسة الملكية والحركة الأمازيغية إلى جانب السيد محمد شفيق –أطال الله عمره- فجر “العهد الجديد”، ومواقف السيد أستاذنا بخصوص القضية الأمازيغية اتسمت دائما بالمرونة حدّ التعاطف، بل وبحث لنفسه عن موطئ قدم داخل الحركة الأمازيغية، منذ سنوات قليلة جدا، فحضر تظاهرات أمازيغية “ملتزمة”، وأطّر عدد كبيرا من الندوات في موضوع الأمازيغية، بل سعى ومن معه –حسب متتبعين وحسب ما كان متداولا- إلى تأسيس حزب ذي مرجعية أمازيغية قبل أن يتراجع لأسباب مجهولة.
من جهة أولى، نعلم أن العلاقة بين الدكتور وأحد الوجوه الأمازيغية الذي كان بمثابة “خليل” له في وقت مضى لم تعد كما كانت بل وتوتّرت كثيرا، فهل يتعلق الأمر بردّة فعل انفعالية حتى لا نقول انتقامية؟؟ من جهة ثانية، كان تعاطي الفعاليات والاطارات الأمازيغية التقليدية مع “مبادرات” المفكر بالدخول في الصف الأمازيغي باردا جدا عكس الجمعيات الصغيرة التي استقبلته استقبال الابطال في ربوع شتى، فهل أراد ذات المفكر استفزاز وليّ عنق هذه الاطارات ورموزها وهو يقصفها ب”قوة ناعمة”؟ من جهة ثالثة إن الخسائر –المعنوية على الأقل- التي تكبدها الأستاذ جراء استبعاده من دوائر القرار جسيمة، فهل تكون الخرجة محاولة للعودة إلى الواجهة بمساعدة “الإخوان”؟؟
باختصار، إن دور المفكر والمثقف العضوي داخل المجتمع يقتضي إصرارا على إحياء وبعث الضمير الجمعي والانتصار للقضايا العادلة بمنطق الفكر الحر الذي يكسر قيود السياسة والايديولوجيا، ولا يستقيم بتاتا لمن يحمل هذه الصفة شخصنة المواقف والانتصار لأناه مهما تفرقت به السبل. وفي الختام، نتمنى أن تكون خرجة السيد “حسن أوريد” مجرد كبوة لجواد نريده أن يبقى أصيلا أصالة “تامغرابيت”، وهو الذي يدرك جيدا أن الأمازيغية صخرة تتحطم عليها كل الرؤوس التي تتجنّى عليها حقدا وتدّعي عنها باطلا.