لحسن حداد يكتب: الأسس الاجتماعية للنموذج التنموي المتجدد: محاربة الفقر والهشاش
لحسن حداد
يجب أن تكون المقاربة الاجتماعية في إطار النموذج التنموي الناجع أن تكون هادفة ومركزة ومبنية على معطيات موضوعية يتم تحيينها بشكل مستمر.
والتدخل يجب أن يكون ملائما ومباشرا وملموسا وناجعا لا يضيع وسط الاعتبارات البيروقراطية أو الإدارية.
ولا تتم محاربة الفقر عبر المقاربة الإحسانية ولكن عن طريق التمكين ورفع القدرات.
لهذا فالتدخلات يجب أت تكون مرفقة بالتكوين والتأطير والتتبع. وجود عدد لا يستهان به من العاملين الاجتماعيين، ذكورا وإناثا، يؤطرون بشكل ناجع أمر أساسي للوصول للفئات الهشة والفقيرة أينما كانت.
دينيس لوباين (من أوتريتش انترناشيونال) حدد خمسة وسائل تساعد في القضاء على الفقر: أولا، على الفقراء أنفسهم أن يساهموا بشكل مباشر وفعلي في المجهودات التي تستهدف التخفيف من الفقر.
ثانيا، يجب خلق مجموعة من الفاعلين وسط الساكنة لكي يساعدو أكبر عدد من الناس، بدل العمل مع كل فرد على حدة.
ثالثا، الفقراء أنفسهم هم من يحدد القضايا والحاجيات الملحة لديهم.
رابعا، على الفقراء أنفسهم أن يعرفوا أنهم قادرون على تجاوز مشاكلهم بأنفسهم. خامسا، القضاء على الفقر يأخد وقتا طويلا.
ما هو أساسي حسب لوباين هو أن الفقراء أنفسهم يجب أن يكونوا في طليعة من يحارب الفقر والهشاشة. مساعدة الفقير دون تمكين الفقير من الأخد بزمام حياته بدءا من محاربة فقره مقاربة مآلها الفشل. تدخل الدولة يجب أن يكون عبر توفير الوسائل التي ستمكن الفقير من القيام بمحاربة فقره بنفسه. من ضمن هذه الوسائل نجد توفير المساعدة التقنية عبر العاملين الاجتماعيين، وحملات التحسيس، وجمع المعطيات ونشرها، والرد على الشكايات والتظلمات وغيرها.
لا مناص من تقديم مساعدات مالية مباشرة للفقراء عبر تحويلات نقدية مشروطة ومحدودة في الزمن. هذا أمر دقيق واستراتيجي وله بعد تنموي أساسي ولا يجب تسيسيه أو إعطاؤه اعتبارات انتخابوية أو حزبية ضيقة. التحويلات يجب أن تكون مرفقة ببرامج للتكوين على كفايات حياتية وعملية بسيطة ومحو الأمية الوظيفية والولوج المحسن إلى المرافق الصحية ووجود مراكز للاستقبال للفئات الهشة ووجود برامج للمساعدة لولوج سوق الشغل (لمن لهم القدرة على ذلك) وتدخل سريع ومباشر للفاعلين الاجتماعيين. أي أن التحويلات وحدها ليست كافية للقضاء على الفقر بطريقة مستديمة.
والتركيز على دور المرأة في تدبير التحويلات سيكون أكثر نجاعة وفعالية كما أثبتت ذلك التجارب الدولية. المرأة غالبا ما تستعمل التحويلات المباشرة من أجل توفير الغذاء أو الكتب للأطفال أو أمور أساسية في حياة الأسرة.
تدبير النساء للتحويلات عادة ما يكون هادفا ومؤثرا على المدى الطويل خصوصا بالنسبة للنساء اللواتي يستثمرن قرضا صغيرا في نشاط مذر للدخل. إذا تزامن التحويل المباشر والنشاط المدر للدخل مع عمل للزوج، مهما كان عرضيا أو موسميا، يكون التأثير إيجابيا على الدخل العام للعائلة.
تنويع الدخل والرفع من القدرات عبر التحسيس والتكوين ومقاربة النوع كفيلة، إن وجدت كلها في نفس الآن، من إخراج العائلة من منطقة الفقر.
والتحويلات يجب أن تكون مدروسة بشكل دقيق وكفيلة بسد حاجيات الفقير الأساسية. ويجب أن تكون كذلك مشروطة بضرورة تتبع دروس محو الأمية والتكوين على الكفايات الحياتية والميكروتقاولية وكذا بتربية الأبناء، ذكورا وإناثا، وبالقيام بالتلقيحات وبالفحوصات قبل الولادة. يجب أن تكون الشروط متعلقة بأمور متوفرة بشكل واضح وسهلة الولوج مثل المدرسة والمستوصف ومقر التكوين إلخ…
التغطية الصحية للفقراء والمعوزين ودوي الدخل المحدود أساسية في أي استراتيجية للفقر. برنامج “الراميد” له أهمية قصوى ولكن شريطة توفير عوامل نجاحه كمحاولة محمودة لضمان ولوج غير مكلف للخدمات الصحية بالنسبة للطبقات المعوزة. ولكن التحديات التي تواجهه كبيرة جدا كما بينت الدراسة التي قام بها “المرصد الوطني للتنمية البشرية” (2017).
أولا، هناك إشكالية ضبط المستهدفين بشكل دقيق وتحيين المعطيات وتتبع تطور الاستفادة من التغطية. ثانيا، يطرح التمويل كثيرا من التحديات، حيث هناك غياب الملاءمة بين ما يتم تحويله للمستشفيات وواقع الاستشفاء الذي يفوق بشكل كبير ما يتم تخصيصه في الميزانية. الكثير من المستفيدين لا يؤدون الواجب السنوي مما يؤدي إلى اختلالات مهمة في ميزانية البرنامج. على المستشفيات أن تبقى بعيدة عن تدبير قلة الموارد المالية. فهي تقدم خدمة وعليها أن تتقاضى أجرا مقابل ذلك وإن كان هناك خصاص فعلى الدولة أن تتدخل لسده. ثالثا، الضغط الكبير على المشتشفيات مما يجعل الولوج يأخذ أسابيع إن لم نقل أشهر.
الموارد البشرية والتحهيزات غير كافية لاستقبال العدد الهائل من المرضى المستقيدين من تغطية “الراميد”.
رابعا، لم يتم بعد وضع حكامة ناجعة لتدبير “الراميد” سواء عبر خلق وكالة خاصة أوغيرها؛ ودور هذه الهيأة أو الوكالة ضروري للتحكم في التوازنات المالية وفي تكلفة التغطية لكي لا يتحول البرنامج بدوره إلى “غول مالي” يلتهم الملايير دون جدوى.
البحث عن مصادر للتمويل مبتكرة (جبائية وقارة مثلا) بالإضافة إلى مساهمة الدولة ومساهمة المستهدفين أساسية لضمان استدامة النظام.
سيأخذ نظام التغطية الصحية للفئات المعوزة على الأقل عشر سنوات قبل أن يصير ناجعا، ومتوازنا وفعالا. ولكن العمل على تحسين تدبيره وتتبع إنجازه وتسوية اختلالاته يجب أن ينطلق الآن. يجب على الحكومة أن تضع علامات تقدم ومؤشرات لتقييم متواصل للإنجاز من أجل التدخل واتخاد القرارات الصائبة والهادفة في هذا الشأن.
القضاء على الفقر بطريقة مستدامة عبر تنمية القدرات والكفايات وتحسين الولوج والرفع من الدخل مسألة ستأخذ سنوات.
يجب أن يكون لنا النفس الطويل لكي نلتمس المقاربة الصحيحة والناجعة.
ولا يمكن للفقر أن يندثر إن لم يكن الفقراء أنفسهم في طليعة من يشتغلون ويعملون ويتعبؤون من أجل ذلك في إطار مقاربة تشاركية واضحة المعالم. دول أخرى مثل الصين والطايلاند والبرازيل وأندونيسا والمكسيك قطعت أشواطا مهمة في هذا المجال. للمغرب مؤهلات وقدرة على القيام بنفس الشيء. يكفي أن ندبر الأمر بصرامة ونجاعة ومهنية عالية.