“انتهاء تاريخ صلاحية” الفاعل..
المريزق المصطفى
” ليس هناك أمل”، هذه هي الرسالة التي أصبحت أتلقاها من طرف طلبتي الأعزاء، ومن كل من ألتقي بهم أثناء تنقلاتي عبر جهات المملكة، أو خلال الاجتماعات التي أحضرها، أو تلك التي أشرف عليها.
قد يكون من السابق لأوانه تقديم مجمل أسباب الضعف والاهتزاز الذي يغطي واقعا غامضا يحتاج لمراجعة نقدية وتقييم صريح، لكن وعلى الرغم من ذلك، لا بد من مراجعة رصينة لواقعنا، ومن الواجب فتح باب الحوار بيننا ومن حولنا، والبداية يجب أن تكون حول سؤال .”انتهاء تاريخ صلاحية” الفاعل من عدمه
لقد حدث تحول كبير في مجتمعنا، ولم يعد أي أحد قادر على إلقاء نظرة شاملة من أعلى الجبل لرسم خريطة طريق حياة المغاربة. فحتى الجبال في حالة حركة مستمرة. فهناك ما يؤثر في سبل حياتنا باطراد، وهناك ما يسخر منا، وما يهدمنا، لأن هناك قوى اجتماعية عامة لا نمتلك السيطرة عليها، تحاصر كل ابتكاراتنا واجتهاداتنا وأنشطتنا، وتؤثر في سلوكنا، وحينما نتعب نلهث كالكلاب، ثم نخلد إلى النوم..
نعم، إن مجتمعنا الذي نعيش فيه وننتسب إليه يفرض علينا قيوده ويضغط على أفعالنا، ويتحكم في مساراتنا. فهناك داخل مجتمعنا من له اليد العليا علينا، وهو أكبر وأضخم من مجموع أفعالنا وتصرفاتنا وتحركاتنا، ففيه حسب علماء الاجتماع “صلابة” أو “ثبات مستقر” يشبه ما في البيئة الطبيعية الموجودة حولنا، بل يحدد المسارات لما يمكن أن نفعله كأفراد.
لكن، ورغم كل الاجتهادات التي قد يحدثها ويخلفه الجدال بين الصلابة والثبات والمعاني الرمزية التي نستثمرها في ما نقوم به من تصرفات، فإننا ربما أمام وضعية ” انتهاء تاريخ صلاحية” الفاعل، خاصة حينما يصبح هذا الأخير ليس “صنيع المجتمع” ولا .”صانعه”
طبعا نفتخر بجيل الاحتجاجات السياسية والنقابية والتظاهرات الثقافية والمهرجانات الفنية التي انطلقت مع حركة حرية التعبيرعن الرأي في الجامعات والمعاهد العليا لتجتاح بعد ذلك كل الفضاءات العمومية، والتي ومن دون شك، أصبحت اليوم لا تفتن العديد من الناس، من دون تصنيف أو نعت هؤلاء أو غيرهم بالمنشقين أو بالثوريين أو الفوضويين أو العدميين.
مقابل كل المحاولات التجريبية، تبقى بنيتنا الاجتماعية أمرا حتميا ومحددا لسلوكنا ولفعلنا، رغم آثار ما تنطوي عليه هذه البنية من تقاليد وقيم وممارسات على سلوكنا ووجودنا.
إن “انتهاء تاريخ صلاحية” الفاعل، يبدو فريبا من الصواب، حين يسجل هذا الأخير عجزه على التشكل من جديد، أو حينما يصيبه العقم ويصبح بليدا اجتماعيا، وغير قادر على إنتاج المعرفة واحداث التغيير.
ويبقى الأمل الوحيد الذي يراودنا، هو أن نجد كفصائل مدنية-اجتماعية قضية مشتركة. لقد “لعبوا بنا” لكننا لن نلعب بمغرب المستقبل!