بعد نكسة «الاستفتاء».. فوز مزدوج للبرزاني في بغداد وأربيل
فيصل علوش
بعد أن خسر رهان «الاستفتاء» على استقلال إقليم كردستان العراق في أيلول/ سبتمبر 2017، عاد الحزب «الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود برزاني وفرض نفسه كصاحب اليد العليا في الإقليم، بعد أن تصدّر نتائج الانتخابات البرلمانية في الإقليم، وتالياً، كصاحب ثقل سياسي كبير في الساحة السياسة الاتحادية بعد المكاسب التي استطاع تحقيقها في البرلمان الاتحادي. وتوقع البعض أن يطالب بوزارات سيادية كالخارجية والمالية، أو منصب نائب رئيس الوزراء.
الحزب الأكبر
وعلى رغم أن الحزب خسر أخيراً معركته لانتزاع رئاسة الجمهورية من غريمه التقليدي حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي أوصل مرشحه برهم صالح إلى هذا المنصب الفخري، فإن ميزان القوى في السباق إلى الحقائب الوزارية بات يصبّ لمصلحته، بعد حصوله على 25 نائباً في البرلمان العراقي، معتبراً أنه بهذه النتيجة يعتبر الحزب الأكبر في العراق، من منطلق أن القوائم التي سبقته تمكنت من ذلك بفضل تحالفات أحزاب وحركات سياسية، فيما هو الحزب الوحيد الذي خاض السباق منفرداً.
وكان حزبه تصدّر نتائج الانتخابات الاشتراعية للإقليم التي صدرت نتائجها النهائية (21/10)، حاصداً 45 مقعداً من أصل 111 في البرلمان المحلي. وبالتالي، بات يمكنه تقديم نفسه على أنه «الممثل الأكبر لأكراد العراق»، علماً أنه يلقى الآن قبولاً وتودداً من الأميركيين والإيرانيين، القوتين الأكثر نفوذاً على الساحة السياسية العراقية.
ويتكون برلمان إقليم كردستان العراق من 111 مقعداً، تُخصص 11 منها للكوتا المخصّصة لمرشحي الأقليات، كالمسيحيين، والتركمان، والأرمن، بينما تتنافس الأحزاب السياسية على 100 مقعد. ونظرياً، يمكن لـ«الديموقراطي الكردستاني» ضمان الغالبية في برلمان الإقليم من دون أن يضطر إلى التحالف مع أيّ من منافسيه السياسيين، بل فقط بضم نواب الأقليات الذي يبلغ عددهم 11 نائباً، وفق ما أشار خبراء.
تصفية حسابات؟
وبعيداً من بغداد، يمكن للحزب «الديموقراطي» الآن تصفية حساباته مع أولئك الذين كانوا في معسكر الحكومة الاتحادية عندما اتخذت إجراءات قاسية ضد الإقليم رداً على الاستفتاء. فبعد تصويت غالبية سكان الإقليم على الاستقلال، اعتبرت بغداد العملية «غير قانونية». واتجهت إثرها المدرعات العراقية شمالاً لاستعادة مناطق متنازع عليها مع أربيل، لا سيما تلك الغنية بالنفط، باتفاق ضمني مع «الاتحاد الوطني الكردستاني»، وفق بعض التقديرات.
واضطرت قوات «البيشمركة» إلى الانسحاب من دون قتال أمام تقدم القوات العراقية في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فيما اعتبره برزاني «خيانة وطنية عظمى»، من دون أن يسمي «الاتحاد الوطني الكردستاني» الذي حصل على 21 مقعداً في البرلمان الحالي بدلاً من 18 سابقاً.
أما مفاجأة انتخابات الإقليم، فكانت خسارة حزب التغيير (غوران) المعارض الأكبر للحزبين التاريخيين في الإقليم، بفقدانه نصف مقاعده وحصوله على 12 مقعدا فقط. وكان هذا الحزب انتزع في انتخابات العام 2013، المركز الثاني لأول مرة من الاتحاد الوطني بفوزه بـ(24) مقعداً، مقابل (18) مقعداً للاتحاد، أما «الديمقراطي الكردستاني» فبقي في المركز الأول وحاز حينها على (38) مقعداً.
وعزا رؤوف عثمان، عضو الهيئة التنفيذية في «غوران»، هذا التراجع إلى الوضع الاقتصادي السيء وقطع رواتب موظفي الإقليم اللذين «أديا إلى ابتعاد الناس عن المشاركة في الحياة السياسية والانتخابات، (…) إيماناً منهم بأن الوضع لن يتغير».
خطر الانقسامات
وفي المقابل، رأى مراقبون أن سقوط «غوران» هو ثمرة انقسام المعارضة إلى جبهات عدة. فمع خسارته نصف مقاعده، حصل حراك «الجيل الجديد» الذي تأسس أخيراً على ثمانية مقاعد. ووصف آرام سعيد، القيادي في «الجيل الجديد»، ما جرى بأنه «مهزلة مستمرة منذ 27 سنة تحت حكم الحزبين الرئيسين، بسبب التزوير والتلاعب بأصوات المواطنين».
وفي ظلّ ضعف أحزاب المعارضة، فمن المرجّح أن يواصل الحزبان الرئيسيان؛ «الديمقراطي» و«الاتحاد الوطني»، اقتسامهما السلطة الذي بدأ قبل نحو 30 عاماً، مع هيمنة لـ«الديمقراطي الكردستاني» وزعيمه البرزاني، بعد النتائج الأخيرة.
وعلى ذلك، فقد أبدى مراقبون وسياسيون مخاوفهم من استحواذ حزب البرزاني على السلطة في الإقليم الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة خلّفتها السنوات القليلة الماضية، وعلاوة على ذلك، فهناك أزمات سياسية باتت تخيم في الأفق، بالتزامن مع شغور رئاسة الإقليم.
وقد أعرب البعض عن خشيتهم من خطر الانقسامات في الإقليم، إذ يمكن أن يؤدي التوتر المتصاعد بين الحزبين الأكبرين إلى إثارة العنف والاضطرابات في كردستان العراق، وهو ما من شأنه، كما رأى مراقبون، أن يساهم في «تقويض المعركة ضد الجماعات المتطرفة، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية»، فضلاً عن تعطيل الاستثمارات والشركات العاملة في الإقليم.
فقد سبق وشهد الإقليم ما يسمى «حرب الإخوة» بين عامي 1994 و2006، التي أسفرت عن نشوء إدارتي حكم، واحدة يديرها الحزب «الديموقراطي» في أربيل، وأخرى تولاها «الاتحاد الوطني» في السليمانية.
وقال محللون إنه «بعد مرور أكثر من عقد على المصالحة، قد نشاهد إدارتين، مجدداً». لكنهم لفتوا إلى أن «الأمور لن تصل إلى مرحلة الحرب في ظل وجود ضغوط خارجية من دول إقليمية لا يناسبها اندلاع حرب جديدة في المنطقة على حدودها».