ماما أنغيلا ميركل في مراكش
محمد العلاوي
كاتب وروائي
ماما ميركل تتجول في أزقة مدينة مراكش، وفي ساحة جامع الفنا كما لو أنها تتجول في أزقة برلين بدون برتوكول، بدون خوف،بدون تردد ،فالغني عن البيان لتوقف عند الدلالات السياسية والاخلاقية والمجتمعية لتصرفات التلقائية لميركللدى المغاربة، أن تتجول مستشارة ألمانيا بكل حرية بين دروب المدينة الحمراء، وتقتنى النعاع من عند رجل عادي لم يألف أن يقف أمامه إلا “المخزنية” بلباسهم الأخضر الباهت وهم يصادرون بضاعته التي تبلغ بضع دراهيم معدودة، وليس أي مسؤول يقف أمام عربته الخشبية المثقلة بالنعناع والكرافس والمعندوس، إنها رئيسة أقوى دولة في أوربا وفي الاتحاد الأوربي، إنها كما ألقبها بماما ميركلمستشارة ألمانيا.
ماما ميركل،المرأة التي تقف في وجه أقوى رؤساء العالم بداية من بوتين وترامب وصولا إلى بن سلمان على مدارعقد ونيف،تقف بكل عنفوانها وبكل بساطتها و تواضعها أمام مغاربة بسطاء مثلها يبادلونها الفرحة وابتسامة العارمة.
أنغيلا ميركل”المرأة الحديدية” كما يلقبها العالم تتبضع من أنامل الصناع التقليدين ، وتجلس على مقهى شعبي عادي وسط مدينة مراكش بكل تواضع وبكل احترام، تستمتع بنسيم مراكشي حين وتبتسم حين أخر ، وتضحك في وجه المغاربة الذين لم يألفوا زيارة مسؤول حكومي وإلا يسبقه هائلة من الهلع والنظرات العبوسة في وجوه المواطنين.
شاهد المغاربة جميعا، أنغيلا ميركل تتجول في مراكش ببساطتها كما تتجول في برلين وباريس ولندن…، ولم تخلو زيارة ميركل لمراكش على هامش المؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة الذي لا يعرف جل المغاربة لماذا يجتمعوا قادة العالم في مدينتهم؟ من وقوف النشطاء المغاربة على مقارنة بين تصرفات المستشارة ألمانيا وتصرفات المسؤولين الحكوميين والوزراء وبعض الفنانين المغاربة، وقد عرفت المدينة نفسها قبل يومين المهرجان الدولي للفيلم الذي بدوره المغاربة منشغلون عنه بهمومهم المعيشية، قبل انشغال الفنانين نفسهم بهموم البطالة السينمائية وأخرين منشغلون بهموم الظهور على السجاد الأحمر.
بهذا، فجأة ميركل تسرق أضواء المؤتمر الدولي للهجرة و المهرجان الدولي للفيلم من كبار قادة العالم ومن كبار المخرجين والفنانين عبر بساطتها وعبر سترتها الصفراء وسروالها الاسود على سجاد المغرب من شماله إلى جنوبه، كما قالوا على تشابه ثيابها مع سياستها الرزينة .
على الرغم من كم التساؤلات التي تجول في مخيلة الجميع على بساطة السيدة التي من بينها كيف لميركل التي فتحت حدود بلادها للألف من اللاجئين السورين والعراقيينألا تكون بهذا التواضع والانسانية والرزانة؟
في حين كانت الرياض ودبي وعمان ومئات العواصم العربية قريبة وأقرب من برلين مسافة ولغة ودينا ومصيرا وأغلقوا الحدود في وجه اللاجئين.
والتساؤل الاخر الذي يبسطه المواطن البسيط العادي للوزير الذي لا يترجل من سيارته إلا على باب الوزرة ومنها إلى مكتبه العريض المكيف أن يعرف حال المغرب؟ وكيف يعيشون المغاربة؟ حتى وأن صادف هذا المواطن البسيط بغتة هذا الوزير في المصعد أو في أدراج الوزارة، فإنه لا يبالي بتظلماته ويهب داخلا إلى مكتبه مسرعا، فما بالك أن يفكر المواطن في أن يستقبله الوزير في مكتبه فليس عليه غير المرور عبر عدة مكاتب وعدة استنطقات طويلة وانتظار لأسابيع طويلة، وفي أخير يرفض استقباله، فكيف إلا يقف المواطنين والمواطنات مطولا عند ميركل وتصرفاتها.
وهناك طينة أخرى من المسؤولين المغاربة الذين يلعبون على وثر النزول إلى الشارع كما تفعل ميركل دوما في ألمانيا،عندما يحل موسم الحملات الانتخابات ليظهروا مدى قربهم من الطبقات الفقيرة والكادحة،وما ينفك ينتهي موسم جني الاصواتحتى لا تجد لهم أثر حتى في قبة البرلمان.
ويحكى أيضا من خلال الكتابات التي تعرضت لسيرة ميركل خلال طفولتها، أنها تعلمت بسرعة ولكنها استغرقت وقتا أطول لتعلم المشي، وكانت تنزع لتسلط على أخيها الاصغر، وظلت ميركل لفترة طويلة تخشى هبوط الدرج و المنحدرات. وعلقت ميركل على ذلك بالقول: “كنت اتحول الى حمقاء للغاية عندما يتعلق الامر بالتحرك… اضطر والداي أن يشرحا لي كيف اهبط منحدرا.. وكان علي أن افكر في داخلي في الأشياء التي يمكن للشخص العادي أن يفعلها بشكل تلقائي واتمرن عليها” كما أنها تعاني من راهب الكلاب.
فالمغاربة انبهروا بماركيل وبتصرفها العادي بالنسبة لها وغير العادي بالنسبة لنا، فكل الامور والتحركات والتصرفات التي قامت بها ماركيل في زيارتها لمراكش عادي بالنسبة لها، على اعتبار أنها تستمد قوتها وحكمها عن طريق الشعب وعن طريق صناديق الاقتراع الحرة النزيهة،وبالتالي فإنها في منصب الحكومي لخدمة الصالح العام ومصالح الشعب،وليس مصالحها الخاصة،وأن ذلك المواطن أو تلك المواطنة التي يصادفها في الشارع العام تعرف أنه هو الذي منحها صوته حتى تصل لمنصب المستشارية.
أما بالنسبة للأمر غير العادي بالنسبة إلينا،هو أنه لا يمكن مثلا تخيل وزير يركب القطار كباقي المواطنين، أو أنه يتجول في الشارع العام بمفرده، أو ينصت لهموم المواطنين والمواطنات،فمن الاقوال التي مازالت محفورة في ذاكرة المغاربة عندما قال وزير التشغيل يتيم عندما سأل حول المقاطعة أجاب قائلا : “أنا ماشي مواطن أنا وزير غير معنى بموضوع المقاطعة”تبرز طرح أن انبهارنا بماركيل ليس عادي البتة ونحن لم نألف أن يتبضع الوزير من عند البقال أو أن يجلس مع عموم المواطنين في المقاهي العادية أو أن يشترى أغراضه الشخصية والمنزلية من الأحياء الشعبية الفقيرة.
ولتذكير فقط وليس على سبيل الاستئناس،إن ماركيلالمستشارةميركل هي أول امرأة تتقلد منصب المستشارية في ألمانيا،وقد تقلدت عدة مناصب أخرى رفيعة في المجلس الاوربي وألمانيا، التي لم يتوقع أحد وصولها إلى قمة الهرم السياسي، وهي بالمناسبة أيضا عملت نادلة في احدى الحانات الالمانية، وكانت لها رغب أن تصبح معلمة قبل أن تعدل عن قرارها بسبب الحكومية الشيوعية التي اعتبرت عائلتها مصدر خطر وتتجه لدراسة الفيزياء،وهذا القول مصوب سهامه نحو أولئك الذين يرددون أن المرأة مكانها في المنزل.
ماما ميركل لالة أو مولاتي أسي.
محمد العلاوي
كاتب وروائي