أما آن لترهات ابن كيران أن تنتهي؟ !
اسماعيل الحلوتي
الآن وقد أسدل الستار على ما شاء له عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة السابق، والأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” السابق أن يتحول إلى شبه مهزلة، ويتعلق الأمر هنا ب”المعاش الاستثنائي” الذي خصه به الملك محمد السادس، عندما علم أنه يمر بظروف مادية عويصة، وصفها هو نفسه بأنها “ما دون البغل وفوق الحمار”.
وما أثاره الحدث من جدل واسع في منصات التواصل الاجتماعي وخارجها، لاسيما أنه كان من أشد المعارضين لمعاشات الوزراء والبرلمانيين، والمطالبين بإلغائها، معتبرا أنها ريع سياسي، تقتضي الموضوعية تحويله إلى دعم من هم أحق به من الفقراء والمعوزين.
وعوض الكف عن إيذاء الناس والقطع مع أساليب الاستعلاء، مراجعة الذات واستخلاص العبر من تجربته الحكومية، أو القيام بأنشطة تجارية مربحة بعيدا عن السياسة، أو التفرغ لكتابة مذكرات يكشف فيها عن بعض جوانب حياته، ونقل تجاربه الماضية للأجيال القادمة، بدءا من التحاقه بالشبيبة الإسلامية، مرورا بانخراطه في الحياة السياسية إلى أن أصبح أول رئيس حكومة، في ظل دستور جديد بصلاحيات واسعة وغير مسبوقة، في سياق ما سمي بالربيع العربي. ويستعرض عبرها ما لقيه من صعاب في مقاومة من كان يطلق عليهم “التماسيح والعفاريت” أو رموز التحكم… الذين اتخذهم ذريعة لتبرير إخفاقات حكومته، وعجزه عن تحسين ظروف عيش المواطنين ومكافحة الفساد وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية. وكيف أجبر على إرهاق كاهل البلاد بالمديونية والخضوع إلى إملاءات المؤسسات الدولية، التي أدت إلى استنزاف القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، من خلال اتخاذ قرارات مؤلمة كتحرير أسعار المحروقات ورفع الدعم عن بعض المواد الأساسية، وتجميد الأجور والإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية: الإضراب والتقاعد واستبدال التشغيل في الوظيفة العمومية بنظام التعاقد والسعي نحو خوصصة التعليم، وكيف حال “البلوكاج الحكومي” دون تشكيل حكومته الثانية، لتعود رئاستها إلى رفيقه رئيس المجلس الوطني بالحزب سعد الدين العثماني.
فإنه أبى إلا أن يثأر لنفسه ويتمادى في ترهاته ومهاتراته، يتحدث في كل شيء وعن اللاشيء. وصار يحكي باعتزاز وابتهاج عن معاشه الاستثنائي، ويذكر بذهابه إلى العمرة وعمان وتركيا على نفقة ملك البلاد… ولا يتوقف عن تمرير رسائله المستفزة إلى من يهمهم الأمر، رغبة منه في تصفية حساباته مع من يراهم سببا مباشرا أو ضمنيا في الإطاحة برأسه، والتنكيل بخصوم حزبه السياسيين ومنتقديه في الصحافة وغيرهم من مخالفيه الرأي، حيث بدا واضحا عدم استساغته التخلص منه بتلك الطريقة “المهينة”، وهو الذي قدم للدولة خدمات عديدة ومتنوعة، لم يجرؤ أحد على القيام بها من قبل.
ذلك أن إقالته من رئاسة الحكومة واستبعاده من الأمانة العامة، وتبرؤ الحزب من خرجاته الإعلامية، إلى حد منعه من استغلال موقع الحزب الإلكتروني في إرسال قذائفه، بعدما رفض الأمين العام ورئيس الحكومة العثماني أن يستمر في تصريحاته المهددة بتفجير الائتلاف الحكومي، منبها إلى أنها تخصه وحده ولا تلزم الحزب. كلها عوامل جعلت ابن كيران يضطر إلى فتح نافذة عبر تقنية “اللايف” في الفيسبوك، من حسابه الشخصي أو الصفحة الرسمية لسائقه الخاص “فريد تيتي”، ومن ثم أصبح يسدد “طلقاته النارية” عند ظهور أي حدث جديد، لاسيما عندما يتعلق الأمر بمزايدات سياسوية وتبادل الاتهامات بين قادة أحزاب الأغلبية وفرقها البرلمانية…
ولأن ترهاته المزعجة لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد، فإننا سنكتفي بعرض البعض فقط مما شنه من هجومات خرقاء هنا وهناك، مست حليفه السابق وشريك حزبه في الحكومة حاليا، وزير الفلاحة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، الذي كان بالأمس القريب ينوه بكفاءته ودماثة أخلاقه، فيما أصبح اليوم يرى فيه أحد ألد أعدائه السياسيين، الذين ساهموا في صنع البلوكاج الحكومي. حيث بات يستغل كل فرصة مواتية في قذفه بأقذع النعوت، ودعوته إلى التخلي عن السياسة والانصراف إلى أعماله ومشاريعه التجارية. وهاجم رشيد الطالبي العلمي وزير الشباب والرياضة والقيادي في حزب الأحرار، لرفضه اتهام حزبه بحمل مشروع تخريبي ورغبته في الاستيلاء على مفاصل الدولة، معتبرا أنه قليل الحياء ويستوجب الرد عليه بقوة حتى لو أدى الأمر إلى سقوط الحكومة. وهاجم وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي المنتسب إلى حزب الحركة الشعبية حول موضوع لغة التدريس في قانون الإطار للتربية والتكوين، متهما إياه بخدمة أجندة “اللوبي الفرنسي” وتحريف بعض بنود القانون، ومحملا إياه مسؤولية إحداث لبس لغوي لدى المواطنين. ولم تسلم من هجومه كذلك بعض الأقلام والمنابر الإعلامية، فضلا عن رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمينة بوعياش، بسبب الإدلاء برأيها في قضية محاكمة رفيقه عبد العالي حامي الدين، وادريس الكراوي رئيس مجلس المنافسة لانتقاده قرار تحرير أسعار المحروقات…
إن ابن كيران خلافا لمن سبقه من وزراء أولين، يشهد لهم الجميع بما اتصفوا به من حكمة وتبصر، ذو مزاج حاد، عنيد ومندفع بلا حدود، مولوع بحب الظهور وإلقاء الخطب أمام الجمهور. لذلك نراه مصرا على خلق الحدث بشتى السبل والوسائل، وجاعلا من بيته “دار ندوة” أو “مزارا خاصا”، مما يسيء بشكل صارخ إلى صورة رجل الدولة، الذي ينبغي له الحفاظ على كرامته وشهامته، والحرص على تدبير الخلافات بحنكة وحصافة، لا أن يتحول عند نهاية مهامه إلى مجرد “حلايقي”.
اسماعيل الحلوتي