التصميم الخماسي لصناعة المشهد الحزبي بالمغرب للانتخابات 2015
عند أواخر أكتوبر المقبل يتم تشكيل مجلس المستشارين الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي، وبذلك يتم إجلاء أعضائها الحاليين الذين عمروها خارج دستور 2011 كآكلي لحوم المغاربة ونباتهم وعقاراتهم وصيدهم. استعدادا لذلك التاريخ يشهد يوم 4 شتنبر انتخاب المجالس الجماعية والجهوية، إتباعا لما شهدناه خلال الأيام الأخيرة من انتخابات مهنية للغرف وفق التقسيم الجهوي الجديد، وهو المسلسل الذي كان قد ابتدأ بانتخابات اللجن الثنائية بالقطاعين العمومي والخصوصي. ملاحظات وتنويهات: يجدر بداية إثارة ملاحظات واكبت استعداد الدولة ومختلف الفاعلين في المجال السياسي لهذه الاستحقاقات الاقتراعية والتوجيهية من خلال:
• بالرغم من إعلان رئيس الحكومة مسؤوليته الكاملة على المسلسل الانتخابي فإن وزارة الداخلية هي التي قامت وتقوم مركزيا بجميع العمليات الاستباقية والإشرافية لكل العمليات بدءا من التشريع والمراسم المناسبة للتوجهات العامة للدولة خرقا للفقرة الأخيرة للمادة 71 من دستور 2011.
• توالي الانتقادات اللاذعة من طرف الملك لمختلف مؤسسات الدولة الحكومية التمثيلية العاملة تحت إمرته وخططه التي لا يجرؤ أحد على تجاوزها كممارسة ملكية لمعارضة مباشرة منه للمؤسسات والأجهزة عدا قطاعات الداخلية والشؤون الإسلامية والفلاحية والصيد البحري للمصاحبة والانتفاع.
• أعلن مقاطعة الانتخابات الجماعية والجهوية (فقط هاته) فاعلان: يساري والثاني إسلامي.
• إشارات خاصة بطمأنة بعض القوى المعارضة بخصوص هذه الانتخابات، لكن بغير أسلوب الطمأنة التي أعلنت بمناسبة انتخابات 2007. • احتداد ملاسنات بوليميكية فيما بين أقطاب حزبية هي مرشحة للإحالة على التقاعد الحزبي والسياسي إن لم تكن هناك مغادرة طوعية من طرفهم. •
بدأ الشروع في خلخلة الوضع العام بخلخلة تمثيلية المركزيات النقابية، باستبعاد الفيدرالية وتقوية الاتحاد الوطني (البيجيدي) والنقابيين المستقلين الذين يتجهون لترجيح البام كما ثبت نفس التوجه لدى مستقلي الغرف المهنية كجيش احتياطي.
• بخصوص المشاركة السياسية فقد ارتفعت نسبيا لدى بعض السياسيين الذين كرسوا سابقا الاهتمام والمتابعة السلبيين خاصة اليساريين منهم، ولعل حركة 20 فبراير حركت لديهم الشعور بالفاعلية أكثر ولو أنهم لا يريدون جزاءا ولا شكورا. •
يلاحظ أيضا مركزة الخطاب السياسي لدى الجل حول محاربة الفساد وعدم الإنتاجية في المؤسسات المنتخبة لكن نفس الخطاب ينقسم إلى شطرين: شطر حداثي وآخر تناقضي وهو ما تريده الطبقة الحاكمة التي تقوم سياستها على هذين النقيضين التكامليين عبر تاريخ الدولة خاصة بعد الاستقلال الشكلي. ولقد غابت عن الخطاب السياسي مرجعيته النظرية والإيديولوجية، فلم نعد نسمع الاختيار الليبرالي أو الاختيار الاشتراكي وحل محل ذلك الخطاب الأخلاقي، التربوي والأسلوب التدبيري. كما تم تغييب مصدر السلطة وحق التقرير (بالنسبة للشعب).
أحزاب الر أس المال: كشفت نتائج انتخاب رؤساء الغرف المهنية الفلاحية والتجارية والصناعية والصيد البحري والصناعة التقليدية بعددها الأربعين (40 غرفة مهنية) بمجموع الجهات الاثنتا عشر، كشفت النتائج عن سيطرة حزبين اثنين: البام والاستقلال على أكثر من نصف عدد الغرف (21 غرفة) وإذا كان كل من تجمع الأحرار والحركة الشعبية قد تراجعا في نتائج هذه الانتخابات (6 غرف للأحرار و3 غرف للحركة) فإن ذلك لا يمنع من كونهما أحزاب الرأسمال سواء العقاري أو الصناعي أو الرأسمال المالي. بذلك تكون كثلة الرأسمالية المغربية (بالرغم من هشاشتها الطبقية والسياسية) قد برزت برسم العقد أو العقود المقبلة بعد الدفع بتهميش الاتحاد الدستوري والبندي ومشتقاتهما. الدولة العلوية المغربية لا تعتمد الطبقية الاقتصادية والاجتماعية في تدبير الشؤون الحكومية والبرلمانية وغيرها فهي تلجأ إلى المزيج فيما بين مكونات المجتمع حتى الثقافي والاثني لذلك لابد من أن تلجأ إلى إعادة انتشار سياسي من خلال تحالفات الأضداد بين: – كثلة الرأسمال وكثلة الجماهير – كثلة الحداثيين وكثلة التقليدانيين – كثلة اليساريين التقدميين وكثلة الرجعيين – كثلة الرافضين المنتقدين وكثلة الموالين دون شرط وفي سبيل ذلك يتم الاعتماد على المكونات النقابية لترجيح هذه الكثلة أو تلك السياسية، كما يتم اللجوء إلى توظيف الجهوية والمنحدرين منها ثقافيا وإثنيا بدعوى ضمان التمثيلية وعدم الإقصاء، وتحت غطاءات الكفاءة والنزاهة والحكامة، لذلك تستقطب الأطر فرادى بالإغراء أو الترغيب أو الترهيب والإقصاء الفعلي لمن يستحق حقيقة. الأحزاب المنتقاة من خلال عدد الترشيحات للجماعية والجهوية: المحتمل هي:
البام، البيجيدي، الاستقلال، التجمع. أي اثنان من الأغلبية الحالية واثنان من معارضتها. وتتشكل المجموعة الثانية من: الاتحاد والتقدم والحركة والدستوري. دون التكهن أو التنجيم فاحتمال نتائج اقتراع 4 شتنبر المقبل قد يحصل البيجيدي على أكبر عدد الأصوات إلا تأثير ضعفه بالجنوب لكن أكبر عدد المقاعد قد يحصدها البام بفعل تمريره بالجنوب، والكل تحت منافسة ضاغطة من الاستقلال. فعدد الترشيحات لابد أن يؤثر في النتائج بالنظر لطبيعة المجتمع المغربي، الجديد في كل ذلك هو القوة النوعية التي أصبحت فيدرالية اليسار الديموراطي تبلورها إلى غاية الانتخابات النيابية المقبلة (2016) مما سيجعلها محط اهتمام ومتابعة جميع المهتمين بالمشهد الحزبي والحكومي على السواء أو بتفاوت نسبي. ومن الصعب من جهة أخرى تلاقي البيجيدي مع كل من الاتحاد والاستقلال في ظل قيادتها الحالية إلا بتدخل مخزني قوي. استمرارا في مجازفة حساب الاحتمال السياسي وبغض النظر عن الظرفية السياسية الدولية والوطنية التي ستجرى في خضمها انتخابات مجلس النواب (2016) فإن رئاسة الحكومة لن تخرج عن البام والبيجيدي، الشيء الذي سيؤدي إلى تفاعلات الكثل الحزبية المذكورة قبله في تشكيل الأغلبية والمعارضة البرلمانيتين داخل الغرفة الأولى (مجلس النواب). إنها لعبة العمل السياسي بالمغرب تأكيدا للاستقرار الثابت وتفعيل المتغير الثانوي تجديدا في الظاهر وتكريسا للباطن وتبقى جماهير الشعب تعد وتحسب لأيامها المأزومة كعدها لموسم كروي بين النازل والصاعد من الفرق الرياضية. إن قوى اليسار المناضل لها الاستمرار في تطوير عملها النضالي وسط الجماهير وقواها الحية، لقد تأكد صحة تحالف اليسار فيما حققه من خلال فدراليته بغض النظر عن نتائج الانتخابات التي حققتها.
غير إن المجموعة التي دمرت اليسار أو حاولت ذلك فقد أكل عليها الدهر وشرب كما أكلت وشربت هي من مقاعد الحكومة دون أن تقدم للتاريخ والشعب ما يجب.
فيدرالية اليسار الديموقراطي بالمغرب:
لقد برز هذا النموذج الحزبي المتميز كتطور موضوعي لتحالف اليسار، وقبل ظهور مثيله بفرنسا أو غيرها.
ممارسة هذا النموذج الحزبي النضالي تجسدت بتفوق سام من خلال ما قدمه شباب وشابات الأحزاب الثلاثية المكونة للفيدرالية عبر وسائل الإعلام في خضم الحملة الدعائية لاقتراع الرابع من شتنبر 2015 عدا واحد الذي لم يدع إلا لشخصه ولو تستر خلف بوعبيد ناسيا 1965 و1983. إن فيدرالية اليسار الديمقراطي التي تمكنت من انتزاع حقوق أوسع لجماهير الشعب الكادح في شروط الانتخاب وإنها لقادرة على ذلك بالنظر لكفاءة أطرها وقيادتها دون أن تنخدع بطمأنة غير مضمونة ودون الانشغال بقضايا تورط فيها الحكم بما تعود عليه من ضياع مال الشعب تجميلا لصورته قبل أن تنتقم قوى من ثمن ملف دبلوماسي وقضائي في غيبة الشفافية واستقلال القرار الوطني الديمقراطي فتحية لوحدة اليسار المغربي المناضل كجبهة موسعة تكون نواتها الفيدرالية اليسارية المغربية المتميزة بالتضحية والعطاء وهي قادرة لبلورة القطب اليساري الاشتراكي.