أبرز التحديات للحركات النقابية العربية
د. باسم عثمان
تمكنت الحركة العمالية العربية منذ نشأتها في بدايات القرن الماضي ــ مع انتشار العمل المأجور بفعل الاستعمار الغربي من جهة، ونشوء حركات سياسية تناضل من أجل الاستقلال عن المحتل، ونمو الأفكار اليسارية والقومية وتمددها في أوساط النخب الاجتماعية الناشطة من جهة أخرى ــ من التوسع في صفوف العمال في قطاعات عدة , ودخلت ساحات النضال مبكراً على مستوى القضايا العمالية من أجل إقرار الحقوق النقابية وتحسين شروط وظروف العمل، وعلى المستوى الوطني من اجل الاستقلال. لكن معركة التحرر الوطني سرعان ما فرضت نفسها كأولوية أمام الحركة العمالية ومنظماتها النقابية المختلفة، وشكلت إطاراً سياسياً وتعبوياً لدعم الحركة الوطنية في بلدانها، ومع تحقيق الاستقلال، نجحت الحركة العمالية بالحصول على الاعتراف الرسمي بوجودها، حيث أقرت الدساتير العربية لدول ما بعد الاستقلال بحق التجمع للمواطنين، بما في ذلك حق تشكيل النقابات والأحزاب والجمعيات. كما أصدرت الحكومات قوانينها الخاصة لتنظيم أسواق العمل.
دفعت هشاشة الاقتصادات العربية، وفشل السياسات التنموية المعتمدة، الحكومات العربية للذهاب باتجاه إصلاحات اقتصادية معاكسة لخياراتها السابقة. وعملاً بإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، أقدمت على خصخصة مؤسسات الدولة الإنتاجية، وتقليص حجم القطاع العام، وفتح الأسواق، وتحرير التجارة. واعتمدت مبدأ مرونة العمل كشرط أساسي لتثبيت النماذج الاقتصادية الجديدة، ما أدى إلى انتهاء الأمان الوظيفي، وتجميد الأجور، وتوسّع الاقتصاد غير النظامي الذي بات يحوي العدد الأكبر من العاملين بأجر المحرومين من أبسط حقوقهم وكانت معالجة العجز المالي الحكومي في صلب ما سُمي بـ«الإصلاحات الهيكلية»، فتقلصت الخدمات والتقديمات العامّة وتردّت نوعية التعليم والطبابة والخدمات الأساسية الأخرى… ما أنهى في الواقع، ومن طرف واحد، العقد الاجتماعي الضمني.
وحصرت الحركة النقابية الرسمية مطالبها بتحسين شروط خروج العاملين في القطاع العام إلى المعاش المبكر، ضاربةً بعرض الحائط مصالح ملايين العمال والعاملات خارج أي حماية نقابية.
دفع هذا الواقع العمال، خاصة في القطاع العام والقطاعات التي تمت خصخصتها في بعض الدول العربية، إلى تشكيل نقاباتهم المستقلة خارج الإطار النقابي الرسمي. وبدأوا بالتواصل مع العمال في القطاعات غير النظامية، خاصة الفئات التي خاضت وتخوض تحركات نقابية مطلبية، لمساعدتهم على بناء تنظيماتهم النقابية، الأمر الذي ظهر كبداية جديدة للحركة النقابية العربية.
أضاف تعقد مسيرة التغيير الاقتصادي والاجتماعي من حدة الارتباك العمالي، ولاسيما في ظل غياب رؤية إستراتيجية للحركة العمالية حول خياراتها الاقتصادية وآليات عملها وأدواتها، وتوجهاتها المستقبلية, وهذا ما أسهم بشبه الفرز الحاصل في صفوف الحركة العمالية العربية، بين المنظمات المستقلة التي تطالب بضرورة إقرار حق التنظيم النقابي لجميع العمال دون قيود، وحق الاضراب والتظاهر، وبتحسين الأجور وظروف العمل وبدولة الرعاية الاجتماعية من جهة، والنقابات الحكومية التي تبدي استعدادها، انطلاقا من شرعيتها القانونية كممثل وحيد للعمال.
إن القوانين المقيدة للعمل النقابي لا تزال قائمة، وتشل من قدرة الحركة الجنينية على التوسع، في ظل رفض أصحاب العمل في القطاع الخاص الاعتراف بالنقابات المستقلة، وصعوبة العمل في الاقتصاد غير النظامي، علاوة على ضعف الموارد المادية لتلك النقابات وخبراتها التنظيمية, وما يفاقم من صعوبة المهمة أمام الحركة الناشئة، هو جزئية المطالب التي تتحرك من اجلها، والتي تخل بالتضامن بين العمال. وهذا خلل لا حل له إلا ببلورة رؤية شاملة لخيارات اقتصادية واجتماعية تنموية بديلة.
ومن ابرز التحديات للحركة النقابية العمالية:
1. تخلي معظم الدول العربية عن مسؤولياتها بالتشغيل والتوظيف، والاعتماد على لغة السوق لامتصاص العمالة.
2. ارتفاعات غير مسبوقة في مستويات التضخم وارتفاع الاسعار.
3. اضطراب الحركات النقابية العمالية العربية، وعدم تمكنها من التفاعل مع المستجدات، فلم تعد قادرة ومهيئة للتعامل مع القطاع الخاص.
4. عدم تطوير تشريعات الحوار لكي تتوافق مع المعايير الدولية.
5. عدم تنسيق الجهود للنقابات والاتحادات العربية فيما بينهم للاستفادة من تجاربهم والتنسيق مع الاتحادات والنقابات العمالية العالمية.
ومع ازدياد تأثر العمال في المنطقة العربية بالتطورات المصاحبة للعولمة وانفتاح الاسواق، أدركت الاتحادات والنقابات أنه يجب عليها تغيير أساليبها، بل ان التطورات فرضت عليه تغيير وسائلها، للتمكن من الاستمرار، وبدأت الاتحادات تدرك أهمية التعامل مع المصطلح الجديد للحوار الاجتماعي. فالحوار هو الاسلوب الامثل للتفاوض والوصول لأفضل الممكن. والحوار أيضا يجعل النقابات أكثر اطلاعا على ما يجري في الساحة الاقتصادية الاجتماعية، والحوار يتيح للعمال المشاركة في تعديل التشريعات العمالية، والاقتصادية التي لها آثار مباشرة وغير مباشرة على العمال.
النقابات العربية هي أكثر الاطراف اهتماما بالحوار الاجتماعي، كونه يوفر الحد الادنى من الحماية للعمال، أو على الاقل يوفر حدا أفضل من الموجود من ناحية حقوق العمال
الجزء الرئيس الذي تقوم به الاتحادات العربية والنقابات من خلال الحوار الاجتماعي، والمجالس الاقتصادية الاجتماعية هو العمل على ضمان أن تطوير تشريعات العمل تكون متوازنة، وتتوافق مع المعايير الدولية. ويحتوي على الاليات اللازمة لاحترام هذه المعايير.
وللتطرق الى دور الحركات النقابية العربية بالنهوض بالحوار الاجتماعي، وتطوير تشريعات العمل، فهنا يجب الاشارة الى التباين بين هذه التشريعات على المستوى العربي، لكن يمكن وضع بعض المعايير التي يمكن الاتفاق عليها، على أنها حد أدنى من الشروط الواجب توفرها في التشريعات العمالية:
1. أن تتوافق التشريعات مع المعايير الدولية، ولا يكفي أن نقول هذا فقط، بل يجب أن تكون هذه التشريعات قد روجعت من منظمة العمل والدولية، وتم مباركتها على أنها تحتوي على الحد الادنى من المعايير.
2. أن تكون الانظمة والتعليمات الصادرة عن القانون تحتوي على تفاصيل العمل بالقانون.
3. أن تأتي التعديلات نتيجة لحوار اجتماعي شامل، يتم من خلاله تمثيل العمال بالحجم الذي يستحقونه، وأن يكونوا على قدم المساواة بالتمثيل مع أصحاب العمل.
4. ان تعالج التشريعات أشكال العمل الجديدة التي ظهرت نتيجة العولمة وتبعاتها.
وحتى تكون مشاركة العمال واتحاداتهم فاعلة، تثري الحوار الاجتماعي وتساهم في تطوير التشريعات فإنه يجب على العمال أن يعملوا على مايلي:
• زيادة وتعزيز قدرتهم على الحوار الاجتماعي، من خلال خلق مؤسسات نقابية، لديها القدرة على البحث، والابداع.
• زيادة حجم التنظيم النقابي العمالي، بحيث تصل النقابات الى كل العمال، وخصوصا فئة الشباب والمرأة.
• الوصول الى العمال في القطاع الخاص وتنظيمهم، مهما كلف الثمن، لان مستقبل القوى العاملة للقطاع الخاص، على حساب القطاع العام.
• تنسيق جهود الاتحادات النقابية على المستوى العربي للاستفادة من تجارب الاخرين، وتكاملها مع الاتحادات النقابية الدولية، والمنظمات الدولية.
• تطوير هياكل الاتحادات النقابية العربية، للتمكن من المشاركة بشكل واسع في عمليات تطوير التشريعات والحوار الاجتماعي، وتعزيز الديمقراطية داخل الاتحادات النقابية العربية.
• أن تشارك الاتحادات النقابية العربية بفاعلية في نشاطات منظمة العمل الدولية، وان تثري الاتحادات هاذه المنظمة بمعلومات عن سوق العمل، واحصائيات تؤكد وجهات نظرها.
ان عملية تطوير التشريعات من أهم الادوات التي يجب ان تستعمل من خلال أطراف الانتاج، ومن خلال عملية حوارية مستمرة، بحيث تجعل من هذه التشريعات أداة لعمل ايجابي، لا اداة لتغليب طرف على آخر. وان التطورات التي يشهدها العالم الان، وانهيارات الاسواق المالية غير المسبوق، والتخوف من انهيار النظام النقدي العالمي يجعل من مشاركة الجميع في تطوير التشريعات أكثر أهمية الان من اي وقت مضى، وقد تميزت مرحلة ما قبل العولمة بما يلي:
• سيطرة القطاع العام على معظم الفعاليات الاقتصادية في معظم الدول العربية.
• مسؤولية الدول عن عملية التشغيل والتوظيف في معظم الدول العربية.
• سيطرة الدول على الاوضاع الاقتصادية، والتضخم، ومستوى الاسعار.
• قرب النقابات العمالية من الحكومات في معظم الدول، والتنسيق حول زيادة الاجور، والبطالة وارتفاع الاسعار.
• ضعف التنظيم النقابي في القطاع الخاص، رغم صغر حجم هذا القطاع.
• انهماك النقابات العمالية في القضايا السياسية التي واجهتها الامة، أكثر من عملها على تطوير ثقافة عمالية لأعضائها.
• تباين القوة النقابية بين الدول العربية في شمال افريقيا، والدول العربية في غرب آسيا، بسبب تأثر تلك الدول بما يجري في أوروبا.
ومع اتساع القطاع الخاص، وبداية تخلي معظم الدول العربية عن القطاعات العامة التي كانت تديرها، بل ووصل القطاع الخاص لإدارة الدول نفسها، فقد وجد العمال أنفسهم في مواجهة مباشرة مع كل التحديات، دون الاعداد المسبق، والتهيؤ للمستجدات السريعة، وضمن هذه التحول السريع الذي شهدته الاسواق العربية، فقد رافقت هذه الحقبة التي جاءت مع منتصف التسعينيات تقريبا، الامور التالية:
• تخلي الدول، وحيثما أمكن عن القطاع العام، التزاما ببرامج التصحيح الاقتصادي، الذي فرضته المؤسسات المالية العالمية (وخصوصا البنك وصندوق النقد الدوليين).
• تخلي معظم الدول عن مسؤولياتها بالتشغيل والتوظيف، والاعتماد على لغة السوق لامتصاص العمالة.
• ارتفاعات غير مسبوقة في مستويات التضخم وارتفاع الاسعار.
• اضطراب الحركات النقابية العمالية العربية، وعدم تمكنها من التفاعل مع المستجدات، ولا هي قادرة ومهيئة للتعامل مع القطاع الخاص.
• زيادة اهتمام النقابات العربية بحقوق العمال، والاتفاقيات الدولية، وعلاقاتها القومية والدولية.
• سعي الحكومات العربية الى تطوير قوانين العمل والتشريعات الاجتماعية الاقتصادية، لجعلها أكثر مرونة للاستثمار، وأكثر مرونة لتقليص القوى العاملة حيثما لزم.
• زيادة حجم البطالة بشكل كبير، وارتفاع نسبة الفقر.
• زيادة العمالة المهاجرة الى الدول العربية، وخصوصا التي شهدت طفرة نفطية’ وهجرة عمالة عربية الى مختلف دول العالم.
• زيادة انتهاك حقوق العمال ، وخصوصا ضد العمال المحتجين على آثار انفتاح الاسواق.
• شهدت الحركة العمالية العربية تطورات ايجابية من حيث ادراكها لأهمية دوره المفصلي في هذه المرحلة، فبدأت بتثقيف عمالها على حقوقهم.
• ازدادت التحديات على النقابات مع ازدياد نسب البطالة بسبب الازمة الاقتصادية العالمية، وعودة الاف العمال الى الدول المرسلة للعمالة.