جواد شفيق يرد على بلال تليدي: المنهجية الديمقراطية…إذا الموؤودة سئلت؟؟
جواد شفيق
“دار الزمن و قرر الحسن الثاني أن يسند الحكومة إلى ورثة يسار 1960.
لا أدل على ذلك من اختيار اليوسفي عوض بوستة. خطوة لا تفهم إلا إذا افترضنا أن الحسن كان واعيا بخطورة مرضه..” (خواطر الصباح 1999/2007..المغرب المستحب أو مغرب الأماني: عبد الله العروي ) ..
” Nous voyions tous que Hassan2 était malade, nous savions que des bruits couraient régulièrement à l’étranger sur sa mort imminente et sur l’anarchie qui s’en suivrait..” ( Le Maroc et Hassan 2 ,,Un témoignage..Abdallah Laroui)
“كان كل شيء يبدو طبيعيا، لكن لا شيء يكون في الحقيقة طبيعيا حين يركع الأسد، و حين تصبح مخالبه مجرد عظام كليلة لا نفع منها، فلا تثير ارتعادة أحد، حين تخبو نار نظرته، فتثير الشفقة بعدما كانت تزرع الرعب في النفوس، إذ تتحول إلى نظرة فارغة موجهة نحو داخل مظلم لجسد متداع و منهك . لم يبق من زئير الماضي البعيد سوى صدى واه لحياة استنزفت حتى الإنهاك، و أثقلت بمختلف أنواع المشاعر التي بلغت حد الإفراط: مرارات الندم، و الهزائم المكتومة، و أنصاف الانتصارات المدوية، و الأفراح العارمة، و الآلام العميقة، و الخيبات، و الأسى…
حياة صاخبة سارت فيها الملائكة و الشياطين جنبا إلى جنب، فوق دروب متعرجة، مزروعة بالأشواك، و حافلة بالمواعيد المحتومة مع الموت الذي لا يرحم. ” ( مؤنس الملك/ رواية…ماحي بينبين ).
كذلك كان إذن…
المؤرخ( و أي مؤرخ هو ؟؟) ، كما الروائي ( و أي روائي هو الآخر؟؟) ، كما كل المتابعين عن كثب لما كانت تعيشه المملكة منذ حلول تسعينيات القرن الماضي، يقرون بأن صحة الملك كانت قد اعتلت و تفاقمت علتها، بموازاة مع استمرار تدهور لياقة المملكة، التي ظل التنازع حول مدى خطورة التدهور إياه قائما بينه و محيطه و مريدوه و حكوماته و بين قوى سياسية وطنية أخرى شكل الاتحاد الوطني/ الاشتراكي للقوات الشعبية عمودها الفقري، إلى أن حسم الملك الشك باليقين باعترافه أمام الأمة من خلال ممثليها بالبرلمان بأن البلاد تشارف على سكتتها القلبية.
واعيا بالقدوم الحتمي ليوم يرفع فيه شعار ” مات الملك…عاش الملك ” ، فقد تصرف المرحوم الحسن الثاني كسلطان و كأمير للمؤمنين مؤتمن على نقل المشعل و العرش و اللقب و دوام السلالة و توفير و تيسير ظروف هذا الانتقال. و لهذا سكنه هاجس الترتيب السياسي لإشراك قوة سياسية وطنية ظلت معارضة طيلة أربعين سنة هي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
عشر سنوات قبل هذا التاريخ ( سقوط جدار برلين بكل مفاعيله على العالم برمته ) كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حلفاؤه قد أطلقوا دينامية سياسية و نضالية و اجتماعية عنوانها الكبير: الإصلاح الدستوري و السياسي، تصفية الأجواء الحقوقية و السياسية من أجل ديمقراطية حقيقية و تنمية فعلية.
أثمرت المرحلة إصلاحين دستوريين، إطلاق المعتقلين، عودة المنفيين… و كثير لحظات لتبادل حسن النوايا و الإرادات .
كما ظل التوجس قائما، من كلا الطرفين.
توجس أفشل المحاولات الأولى لتشكيل حكومة بقيادة المعارضة الديمقراطية الوطنية.
ثم فتح الموقف الإيجابي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من دستور 1996 ، و معه الاعتلال المتزايد لصحة الملك و المملكة طريقا سيارا نحو “التناوب الأول”.
في الزمن السياسي هذا، و على مدى عشرات السنين، كان طرفا الحقل السياسي و صراعه معلومان للجميع( نظام الحسن الثاني بسلطته و أجهزته و “أحزابه”… ، و القوى الوطنية الديمقراطية التقدمية ، و في طليعتها الاتحاد الاشتراكي).
و لما اختار أحدهم أو اختير له أن يطرأ ، فقد مهر شهادة ميلاده بدم عمر بنجلون ، احد مهندسي استراتيجية النضال الديمقراطي ( بكل ما في ذلك من دهشة و أسئلة لا تزال تسكننا لحد اليوم حول الحقيقة السياسية لهذه الجريمة السياسية البشعة و توقيتها و الواقفين وراءها و أهدافها …).
هل بإمكان السيد بلال التليدي(المولول زورا وبهتانا على الديمقراطية و منهجيتها !!) أن يقنعنا بأنها ليست “القوة الثالثة ” هي من استخدمت إخوانه لضرب الديمقراطية المغربية في مهدها و ضرب أحد قادتها الكبار و ضرب أحد أحزابها الرواد؟؟ ،، أم أنه فعل إرادي ؟؟(و تلك هي الطامة العظمى).
بعد ذلك ستثبت كثير وقائع ، ديمقراطية هؤلاء الزائدة عن كل الحدود في علاقة بالنساء و الطلبة و الفنانين و المثقفين و الحريات و المؤسسات…متى كان هؤلاء ليسوا على هواهم.
كان اليسار الديمقراطي عرضة لطلقاتهم في تحالف غير معلن مع الاستبداد و خصوم الديمقراطية( القوة الثالثة) .
و عندما حل “التناوب” حصل أن منعتهم القوة الثالثة من قبول عرض الوزير الأول المعين(عبد الرحمن اليوسفي ) بالمشاركة، و وضعوا وضعا في خانة المعارضة الرشيدة قبل أن يأمر عرابهم(الدكتور الخطيب ) بالانقلاب نحو المعارضة الشديدة(و كل ذلك دفاعا عن المسكينة الديمقراطية!!!)
إن عودة و لو خفيفة للصفحات الأولى لصحفهم و للمرافعات البرلمانية لنوابهم….كافية للوقوف على شراسة جهادهم في تجربة التناوب. بما هي تجربة ديمقراطية وطنية فتية كان يجب إسنادها .
و لكن العكس، كل العكس هو الذي حصل ، حتى أنهم كفروا (نعم كفروا ) اليوسفي عند قيادته لخطة إدماج المرأة في التنمية. و هاجموه و هو يحاول أن يلبس جبة رئيس الحكومة رغم أنه وزير أول، و عارضوا منهجيا أعراف ديمقراطية حاول ضخها في حياتنا السياسية رغم القيود الدستورية التي كانت تعوقه..
و كأننا بهم دخلوا إلى الديمقراطية لفرملة الديمقراطية.
لقد صاروا حلفاء معلنين لخصوم الديمقراطية(القوة الثالثة ) .
ليبلغ الأمر مداه، بعد تبويئ المغاربة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المكانة الأولى إثر استحقاقات 2002 التشريعية ، حيث عرض اليوسفي الوزير الأول /الكاتب الأول حصيلته و حاز تجديد ثقة المغاربة فيه و في حزبه.، ليصطف “إسلاميو القصر ” كما أطلق عليهم السي عبد الرحمان في محاضرة بروكسيل التي توسل إليها بلال التليدي لمهاجمة الاتحاد ، و صارت حائط مبكى الكثيرين ، اصطفوا بحيوية زائدة في صف “مولا نوبة ” و المتوجسين من استمرار التناوب بشرعية انتخابية جديدة، و جيوب مقاومة التغيير و ذوو المصالح غير المشروعة و الخصوم التقليديين للديمقراطية و الرجعيين ..
اصطفوا في هذا الخندق في زمن كانت المنهجية الديمقراطية بحاجة للتكريس و الرعاية…حماية و تعضيدا لتجربة التناوب و للانتقال الديمقراطي الفتي…
“لا بد من مقارنة ظروف اعتلاء الحسن الثاني العرش و تلك التي تحيط اليوم بالملك الجديد. كان محمد الخامس قد أسند الحكومة سنة 1958 إلى عبد الله إبراهيم المدعوم من طرف النقابات. كانت إذن حالة تناوب بعد الحكومات الإئتلافية التي أعقبت الاستقلال، ثم أقيلت الحكومة اليسارية على أثر حملة عنيفة شارك فيها حزب الاستقلال(الجناح المحافظ بعد الانقسام ) و بقايا أحزاب الأقلية(الشورى و الاستقلال و حزب الحركة الشعبية ) و المستقلون الذين كانوا على اتصال بولي العهد….” ( عبد الله العروي/مرجع سابق ).
ما أشبه اليوم بالأمس!!
لقد اختار العدالة والتنمية بمساهمته في معاكسة إعمال المنهجية الديمقراطية صف معاداة الديمقراطية و معاداة أحقية المغرب و المغاربة في الديمقراطية… حتى و قد قالت الانتخابات الديمقراطية كلمتها.
لقد اختار صف و خندق “القوة الثالثة” (و لعلم السيد التليدي فهذا المفهوم هو إبداع المرحوم عابد الجابري استعمله السي عبد الرحمان، و ربما ساهم المرحوم الجابري في كتابة محاضرة بروكسيل ؟؟ ).
و اليوم، و حتى و أن الانتخابات المقبلة و نتائجها ما زالت في علم الغيب ، اللهم إذا كان إخواننا البيجيديون من جنس “النفاثات في العقد” (قل أعوذ برب الفلق )، و اللهم إذا كانت الأبراج قد بشرتهم بفوزهم ،و حتى و أن الأمر يتعلق بمجرد أفكار مطروحة للنقاش تبغي حماية المنهجية الديمقراطية في كل أبعادها من العبث، و تحصن البلاد و مؤسساتها ضد الابتزاز و البلوكاج، و تملأ بياضات الدستور الكثيرة ، ،فقد أطلقت قيادات البيجيدي و أذرعه الإعلامية العنان لمناحة كبيرة و ولولة صاخبة على المنهجية الديمقراطية المنذورة مستقبلا للغدر من طرف القوة الثالثة التي أصبح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية “قائدها” ( يا سلام سلم!!!).
و وصل الأمر إلا أن قال الطبيب العثماني أن مجرد طرح السؤال هو حالة يأس…(طبعا لقد يئسنا من أن نراكم ديمقراطيين قولا و فعلا ).
و ذهب التليدي بعيدا في إلباس الباطل بالحق،، تعبيرا عن يأس حقيقي لم ينتبه له العثماني الطبيب النفساني.
و حيث أن الإتحاد لم و لن يخجل أبدا من نفسه و مبادراته فإنه يود أن يعلم إخوتنا في البيجيدي، بأنه ليس للاتحاديين و الاتحاديات أية عقدة نقص في الجهر بما اعترى ذاتهم …(خلاتها نعيمة سميح : و اللي ما يعذر….دابا يتبلى )، فهو يعلمهم أيضا بأن جوهر و روح رسالته ثابت ،راسخ ، هو هو : الديمقراطية و لا شيء غير الديمقراطية …
و سيذكر التاريخ ماذا قدم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للديمقراطية بالديمقراطية و بالدم و الحرية.
و أما من أساء للديمقراطية و فرمل الديمقراطية. . و لسنا نعرف لحد الساعة هل هو فعلا مؤمن بالديمقراطية فكرا و سلوكا و تربية و منهجا… فإن الاتحاديبن، كل الاتحاديين، و هم يرفضون أن يتلقوا الدروس منه، يهمسون في أذنه و يصرخون في وجهه:
” اللي شلاغمو من الحلفة، ،، ما كيسوطش على العافية”.
جواد شفيق/ فاتح ماي 2019.