إسحاق شارية يكتب: رسالة عتاب للوطن
المحامي إسحاق شارية يكتب: رسالة عتاب للوطن
وطني الغالي:
أكتب إليك هذه الرسالة لعلي أجد فيك بقايا وطن كنت أحلم به ولازلت، وناضلت من أجله ولازلت.
يحزنني فيك يا وطني أني أجدك سريع النسيان والقسوة، فكيف تمتنع عن معانقتي عندما هممت لمعانقتك، وما سر تلك البرودة المتعالية البادية على محياك وأنت تحدثني بتفاخر عن منجزات ديموقراطيتك التي لطختها أحزابك بأموال المخدرات حسب ما يدعون بلسانهم، وما سر ترديدك على مسامعي أنك قد تجاوزت مرحلة الأزمات وركبت قطار الإصلاح، هل يعني أنك لا تريدني أن أركب معك،ربما لأنك تعلم مسبقا أني أصارحك دون خوف أو مواراة، لأقول في وجهك أن إصلاحك لازال متذبذبا يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وأن عدالتك وتعليمك وصحتك لازالوا في الحضيض، أما أحزابك فارمي غالبيتها في الزبالة هي وزعماءها الفارغون.
كيف لا تنصت لي يا وطني، أم تراك نسيتني؟
كيف نسيت يا وطني يوم أعلنت امتناعي عن الطعام لأيام، وافترشت الأرض والتحفت السماء، هناك في الشارع أمام باب السفارة الجزائرية، لا لشيء سوى تضامن مع منسي آخر من منسيي الوطن، ذاك الرجل الذي رمى بنياشينه الأمنية في وجوه طغاة البوليساريو، وقال صراحة أنه معك يا وطن.
كيف نسيت يا وطني عندما وقفت أمام الديكتاتور القذافي، وأنا ضيفه في قصر العزيزية، لأنظر في عينيه دون خوف او خجل، وأنا أعلم أني قد لا أحيا بعدها، لأقول له بصريح العبارة أن يوقف دعمه للإنفصاليين، وأن يجد حلا لأزمة كان من بين المسؤولين عن افتعالها.
كيف نسيت يا وطني عندما أغلقت مكتبي وعلقت بذلتي السوداء، وخرجت للشارع لأجعل من جسدي شيئا تدوس عليه أقدام الغاضبين أيام الحراك المغربي، ليس بلطجة ولا عمالة، و لكن لعل هذا الجسد الضعيف يحميك من كابوس انهيار الوطن، والفوضى والاقتتال.
ألهذا الحد أصبح صدرك يضيق عند مجالستي، ولا تطيق صبرا في سماع انتقاداتي؟
أتعلم أنه لا يحزنني أن تنساني، فمن أكون أمام من حملوا السلاح فداء استقلالك يا وطن.
من أكون أمام شهدائك يا وطن.
من أكون أمام علمائك ورياضييك ومثقفيك ممن حملوا أعلامك عاليا يا وطن.
أذكرهم يا وطن، وتذكر أن نضالهم العذري النقي هو حصنك يا وطني.
تذكر أن يوم تعتل، لن تنفعك حينها ألاعيب السياسيين المقيتة، ولا شعارات الأحزاب الخاوية، ولا تملق المتملقين، ولا ظلم المتسلطين، ولا رشوة الفاسدين.
فكفى قسوة على أبنائك الطاهرين، وكفى تهميشا لشبابك المتحمسين، افتح ذراعك للعمال البسطاء، وأنصت لأبناء الشهداء، وازرع مع الفلاحين الفقراء، واحضن طلاب العلم النجباء، واعدل للمتقاضين أمام القضاء، وأحن على الأرامل واليتامى والفقراء، تبقى حيا عزيزا يا وطن.
والسلام
المحامي إسحاق شارية