أعطــــوني الثقـــــــافــــة…. إلى من يهمه الأمر
أعطــــوني الثقـــــــافــــة
إلى من يهمه الأمر
أبوالقاسم الشـــبري : باحث أثري وكاتب
في فتح ورش الثقافة
الثقــافة ليست تَــرَفا،
الثقافة لا تخلق العُصاة،
والفلسفة لا تخلق الانقلابيين.
بمناسبة مرور عشرين سنة على حكم الملك محمد السادس، كثر الحديث عن كثير من الأشياء.
وقبل خطاب العرش العشرين، نشرتُ تدوينة على حائطي الفايسبوكي أتساءل فيها عما إذا كان خطاب جلالته سيتضمن حديثا عن الثقافة وعن فتح ملف الثقافة.
وبعد أن استمعت إلى الخطاب الملكي السامي كتبتُ على التو نداء إلى المثقفين لتوقيع التماس جماعي يرفع إلى نظر جلالته الكريمة قصد “فتح ورش الثقافة”.
فمنذ تربعه على العرش وخلال عشرين سنة فتح جلالة الملك كل الأوراش إلا ورش الثقافة. ويظل دم الثقافة متفرقا بين القبائل.
كما أقول دائما إن المثقف الحقيقي إما أن يكون مزعجا للسلطة ومنفلتا عنها، ولن يفلت منها، أو هو ليس مثقفا بالمرة. لكن منطلقي في التماس فتح ورش الثقافة بقرار ملكي فلأنني واعي كل الوعي بأن الورش الملكي لن يصدر كتبا ولن يرسم لوحات تشكيلية ولن ينتج أفلاما.
الورش الملكي الثقافي هو من الأهمية بما لا يُقَدر، لأنه سيفُك أولا القرار السياسي من عِقاله واعتقاله وسيتضمن ثانيا إطلاق السيولة المالية وتصحيح البرامج التعليمية الرثة، وكلها رثة مهترئة ومُملقة، وسيشمل تطهير الإعلام، والانطلاق في ترميم وتثمين التراث الحضاري بالمغرب قاطبة بالقرى والجبال قبل المدن في إطار إستراتيجية مرسومة، وتشييد بنيات ثقافية متنوعة بما يضمن تمثيل كل أصناف الثقافة والتراث والإبداع وبما يضمن أساسا وقبل كل شيء عدالة مجالية في توزيع الثقافة والبنى الثقافية وفي الحق في الثقافة والحق في تثمين كل منطقة لموروثها المحلي. وإن برنامج إنقاذ المدن العتيقة وإحداث المؤسسة الوطنية للمتاحف، على أهميتمها البالغة والبليغة، لا يعنيان أن ورش الثقافة قد تم فتحه. ورش الثقافة لم يفتح بعد.
هذا الورش الثقافي الملكي كما نتصوره أو نتوقعه هو حوار وطني حول الثقافة والتراث حيث يتداخل الموروث الحضاري والإبداع والتعليم والإعلام والبحث العلمي. حوار وطني شعبي نقابي سياسي جمعوي وأكاديمي، برعاية ملكية، يرسم معالم دقيقة لسياسة ثقافية مرحلية ومتوسطة وبعيدة المدى. ورش ملكي للثقافة يعلن “الثورة الثقافية المغربية”، ثورة لغزو العالم، وقبلها تثمين هذه الثقافة المغربية في كل أبعادها الأنتربولوجية والمجالية والزمنية العابرة للتاريخ ورد الاعتبار إليها وتثمينها بين المغاربة ولفائدة المغاربة أولا.
الورش الثقافي المَلكي هو إعلان لدمقرطة الثقافة وضمان الحقوق الثقافية لكل فرد وجماعة وتمكينهم من تغذية ثقافية سليمة، والتأسيس للأمن الثقافي الوطني المغربي.
فالمغرب مهدد في أمنه الثقافي، إن لم نقل إنه انفرط منه. ولَعمري إن انفراط الأمن الثقافي هو أخطر على الأنظمة والمجتمعات من غياب الأمن بمعناه الأمني وأخطر من الحروب المدمرة ومن الانقلابات العشوائية ومن الثورات الهائجة غير المؤطرة وأخطر من أوبئة القرون الوسطى بأوربا المتخلفة.
الورش الثقافي في مغرب اليوم يجب أن يجعل الثقافة هي الأوكسجين الذي به تحيا الكائنات. يجب حظر أي مشروع إنمائي لم تصادق عليه مصالح السلطة المكلفة بالثقافة. يجب تشريع قانون جديد تحت إسم “دراسة الجدوى الثقافية” كشرط من شروط إطلاق أي مشروع سواء كان ملعبا للكرة أو سدا على نهر أو مقاطعة حضرية أو مستوصفا قرويا أو محطة نووية أو مد قنوات المياه العادمة.
ليس عيبا أن نشير إلى أن الراحل فرانسوا ميتران لما استتبت له رئاسة فرنسا في 81 أحدث “وزارة الثقافة والأشغال الكبرى”.في مغرب اليوم، ولإنجاح المشروع التنموي الجديد أو حتى القديم، فلابد لنا على المستوى المؤسساتي من إحداث “القطب الحكومي للثقافة”، فنجمع تحت مظلته قطاعات الثقافة والسياحة والصناعة التقليدية والاتصال والشباب. هذه القطاعات يتم دائما فصلها عن بعضها فقط لإرضاء أحزاب التحالف الحكومي. مثلما تم إلحاق المركز السينمائي المغربي بوزارة الإعلام في ظروف نعرفها جيدا، لدواعي أمنية وتحكُمية صرفة، لا غير. لابد من استرجاع وزارة الثقافة للمركز السينمائي المغربي. هذا القطب الحكومي الثقافي يندرج في تصورنا ضمن إطار شامل ودائم تتشكل فيه كل الحكومات المقبلة من أقطاب لا من وزارات فارغة من المعنى والمبنى. ولنا مقال في الموضوع ننشره لاحقا.
إلى من يهمه الأمر
الجديدة : 05-8-2019