الى أخنوش: أيها الوزير، مثلما يرفض المغاربة أن يسِمَهُم شخص متهور بـ”الحمير” يرفضون أن تعتبرهم أنت أو غيرك “عديمي التربية”
ياسين عدنان
“المغاربة اللي ناقصاه التربية خصّنا نعاودو ليه التربية ديالو” هذا الكلام صادر عن وزير في الحكومة الحالية ورثته عن الحكومة السابقة والتي قبلها و”اللي قبل قبلها”.
وزيرٌ كان في الحركة الشعبية ثم صار تكنوقراطيا قبل أن يُصبغ بلون آخر ويتمّ “تنصيبه” على رأس حزب سياسي مُخضرَم.
هذا الكلام “المتهوّر” صدر عن هذا الوزير “المُزْمِن” في لقاء حزبي مع “مناضلين” من حزبه “العتيد”، وليس في اجتماع حكومي أو لقاء رسمي مع رجال سلطة أو رجال قانون مثلًا.
مما يعني أنه لم يكن يوجّه خطابه لمؤسسات الدولة بل إلى جموع المواطنين، دون أن يقدّر خطورة ما أقدم عليه من فعل يمكن اعتباره -دون أية مبالغة- ضربًا من التحريض.
أيها الوزير، رَبِّ أولًا أطفال الشوارع وجحافل ضحايا الهدر المدرسي فهم أحوج من غيرهم إلى مجهوداتك وسياسات حكومتك.
أيها الوزير، مثلما يرفض المغاربة أن يسِمَهُم شخص متهور بـ”الحمير” يرفضون أن تعتبرهم أنت أو غيرك “عديمي التربية”.
ثم إننا كنا نتوقّع منك ومن الحكومات المتعاقبة التي شاركْتَ بها أن توفّروا لنا وزارةً للتربية الوطنية تليقُ بتاريخنا ومستقبلنا، بتقاليدنا الراسخة وتطلعاتنا للمستقبل، وتؤمِّن لنا تربية متوازنة وتعليما عموميا ذا جودة يقينا شر تشنيعٍ طائشٍ كالذي بدر عنك.
لكنك ومَن معك عاجزون عن بلورة رؤية تربوية واضحة، وعن الإتيان بنموذج تعليمي ناجع.
فكيف تتجرّأ اليوم هكذا بخفة على تحريض “المجتمع” على إعادة التربية لمن قدّرتَ بتنَطّع أنهم “مارقون” من أبنائه؟ عبر أية آلياتٍ وبأية وسائل ستتمّ إعادة التربية هذه؟ وفي أية مراكز؟ وفي غياب مراكز ومؤسسات تضطلع بالتأهيل وإعادة التربية، هل تدعو الناس إلى سحل بعضهم البعض في الشوارع مثلا؟
هل تدعو إلى الرجم والتعزير؟ إلى الفوضى والتسيّب وممارسة العنف على العناصر التي تعتبرها ضالة في الشارع العام؟ من حقك أن تكون ضيِّق الرؤية ضعيف الحيلة فقيرًا إلى الحنكة والفطنة محرومًا من سعة النظر التي يحتاجها رجل السياسة والمسؤول العمومي، لكن ليس من حقك أن تدعو إلى الفوضى والتسيب.
ليس من حقك في دولة نُريدها دولة قانون أن تحرِّض بتهوّر ولا مسؤولية المغاربة على ممارسة “شرع أيديهم” ضد بعضهم البعض بناء على تقديرات سياسية حزبية، ضيقة بالضرورة، بزيغ هذه الفئة وضلال تلك. وإلا، فأنت تُشرعِنُ للإسلامي المتطرّف صنيعَهُ هو الآخر حينما يكفِّر جزءا من المجتمع ويدعو للتّعزير خارج سلطة القانون وبعيدا عن منطقه.
من حقك كسياسي أن تفشل في التنمية والتربية والتعليم وأن تعجز أنت ومن معك عن إرساء قواعد دولة الحق والقانون.. من حقك أن تُحجم عن تأمين فضاء حر للحوار السياسي الديمقراطي غير المتشنج.. نحن “نحترم” فشلك وفشل الحكومات التي تعاقبت علينا وظللت فيها وزيرًا ثابتًا مثل عمود خيمة، مُرابطا مثل حجر زاوية.
لكن ليس من حقك أن تدعو إلى الفوضى والفتنة وخرق القانون. “الفتنة نائمة، لعن الله موقظها”. وأخشى أنك توقظ الفتنة النائمة. فاسمح لنا على الأقل بأن نرفض تهوُّرَك واجتِراءَك المُتنطِّع على أبناء بلدك.