نهاية الصحافة الورقية في زمن كورونا
فمنذ ظهور ” التايمز” سنة 1785 في ” بريطانيا العظمى” كأول جريدة بالمعنى المتعارف عليه الآن، عرفت وسائل الاتصال ثورات عظيمة كانت لها صلة وثيقة بأحداث ووقائع محلية، إقليمية، دولية وعالمية، ساهمت في تطور وتجديد الحقل الإعلامي على ضوء مكاسب العلوم الإنسانية والاجتماعية المعاصرة.
ومنذ ذلك الحين، وفي ظل المتغيرات الجديدة التي يشهدها العالم الآن، و في ظل كابوس كورونا فيروس، أصبح الإعلام فاعل حقيقي و مؤثر في توجيه الرأي العام وترسيخ جملة من السلوكيات والممارسات، ينقل هموم الناس، ينشر تقارير وتوجهات السلطات الصحية والأمنية، يحذر من المخاطر، وينقل بالتحليل والتشخيص وبالأرقام والصورة والصوت، مجموعة من الرموز والممارسات داخل أنساق من العلاقات الجديدة، خضعت في الآونة الأخيرة إلى نفوذ فيروس كورونا وسلطته..إلى جانب غزارة وسائل الاتصال الرقمية والأنظمة المعلوماتية التي تلعب هي الأخرى دورا هاما في صناعة وإنتاج قيم ورموز ثقافية جديدة.
وإذا كان العالم اليوم في حاجة إلى التكيف مع ما تفرضه كورونا على الجميع، فإن هناك كذلك حاجة ماسة للتكيف مع الأفكار والتقنيات الجدبدة، خاصة وأن العديد من المجتمعات شهدت في العقود الأخيرة ثورة في المعرفة والمعلومات، لعبت فيها تكنولوجيات الإتصال الحديثة دورا فاعلا، في تكريس العلاقات والممارسات الافتراضية والتشبيك المعلوماتي أو الوظيفي، بأنواعه المختلفة.
فمنذ ظهور الإعلام الرقمي الجديد العابر للقرات وتكنولوجيات الاتصال الحديثة، أعلنت الصحف الورقية عن إفلاسها و دخلت الصحافة الورقية في أزمة حادة، نتيجة تراجع نسبة الإعلانات وحجم التوزيع، ونتيجة هجرة جماعية للأنترنيت والمواقع الأإلكترونية والهواتف الذكية والعالم الافتراضي (الفايسبوك والتويتر وانستاكرام وسناتشاب وغيرها) ، وذلك في إطار ديناميكية جديدة لتشكيل المجتمعات لذاتها.
فنحن الآن أمام ظاهرة عالمية، خاصة وأن كبريات الصحف والمجلات في دول كبرى متقدمة وقف صدورها بشكل نهائي، وتحول بعضها إلى مواقع إلكترونية، لتلتحق بها العديد من الدول، ولتصبح في ظل الحجر الطبي وحالة الطوارء والإغلاق العام، ظاهرة عامة.
أما على المستوى الوطني، فموت الصحافة الورقية بدأ تدريجيا منذ سنوات عديدة، أي منذ أصبح الحصول على الأخبار والمعلومة بمنتهى السهولة وبشكل مجاني، ومنذ دخول المغاربة في العزوف الجماعي عن القراءة، ومتابعة البحث عن التحليلات العميقة والمحتوى التفاعلي، ومنذ إنتشار (بسرعة البرق) الصحافة “المستقلة”، الوطنية منها والجهوية والمحلية، وظهور منصات إعلامية رقمية تحاكي مجموعة من التجارب الدولية والعربية.
وانطلاقا من هذا الواقع الجديد، وأمام الرهانات المستقبلية والاستراتيجيات الاتصالية والإعلامية الذي سيفرضها علينا واقع ما بعد كورونا، لا بد من التفكير منذ الآن، في إجابات علمية وموضوعية لحماية مغرب المستقبل من استغلال الثورة الرقمية للتلاعب بالأخبار المزيفة، وتلفيق الصور ومقاطع الفيديو لبيعها للخواصو لأقسام التسويق والمبيعات.
إن تحويل الصحافة الورقية المغربية إلى ما أصبحت عليه الآن لدواعي صحية وأمنية، يجب أن يكون فرصة لمراجعة واقع حالها، وفق قواعد النشر الجديدة بأمل تقوية عودها، وتحسين صورتها لدى القراء، للمساهمة في الحد من انتشار الفوضى في المشهد الإعلامي، والحفاظ على التمثلات السياسية والثقافية والاجتماعية التي واكبت الرسالة ” الاعلامية” منذ بزغوها.
فكل متمنياتنا بالنجاح وطول العمر للصحافة الوطنية، وللإعلام الوطني بكل فروعه وأطره ونخبه؛ كما نتمنى أن ينال المغرب القروي وسكان الجبل والواحات والسهوب، نصيبه من التنمية الاعلامية ومن العدالة المجالية الاعلامية، ومن الحق في البنيات الأساسية الإعلامية، لنشر الوعي، والعلم، والاشعاع الثقافي، وقيم التضامن والعيش المشترك، والتعبئة الشاملة، والوحدة الوطنية، من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن والأمان، في أفق المساهمة الجماعية في تشييد وبناء مغرب المستقبل.