طوبي لاستعادة الصحافة لوظيفتها الحقيقية، وبئس “صحافة القواد”
عبد العزيز كوكاس
لقد أخرس فيروس “كوفيد 19″ كل أشكال التفاهة التي تسيدت صحافتنا الإلكترونية خاصة، وفرضت الجائحة المعولمة على وسائلنا الإعلامية الكثير من المصداقية والتصالح مع الجمهور الواسع المتعطش للمعلومة الصحيحة، فلا مجال للأرداف وللخيانات الزوجية و”روتيني اليومي” والمقتاتين على عاهات المجتمع وما تساقط من لغو الشارع، وغابت سينا وساري كول ونيبا ومول الدلاحة ومول الكاسكيطة ومول البيشكليطة… وغاب معهم نجم مستضيفيهم المنشغلين بالفقاعات والبوز ورفع الطوندونس.. ولم يبق في الساحة لحظة الجد، غير الماكينة الحيوية للمجتمع، أطباء وممرضون ومعلمون وأمنيون وجنود ورجال ونساء الوقاية المدنية وصيادلة وضامنون للأمن الغذائي للمغاربة، من بائعين بسوق الجملة حتى البقالين الذين يشتغلون بالكثير من الروح الوطنية خارج الربح، من أجل ضمان الحياة للمغاربة المختبئين ببيوتهم خوفا من جائحة المرض القاتل، ثم الصحافيات والصحافيون الذين كشفت جائحة كورونا عن معدنهم الأصيل..
كمهتم إعلامي لا يمكن لي إلا أن أبتهج لعودة تلفزيوننا المغربي خاصة إلى وظائفه الحقيقية في التوجيه والإرشاد ومد الناس بالمعلومة الطازجة، أي الوظيفة البيداغوجية والإخبارية الأساسية التي ارتبطت بالصحافة منذ ميلادها.
غير أن ما يحز في النفس هو أن بعض وسائل الإعلام الالكتروني، أضحت مختصة فقط بالتهليل لمشاهد “تصرفيق” المواطنين والتعليق بالكثير من الأريحية على نخوة ”القياد الشجعان” و”القايدات البوكوصات”.. مما أسميه ب”صحافة القواد” نسبة إلى القياد والقايدات، وهنا لا يمكن إلا أن ننوه بأن الادارة العامة للأمن الوطني كانت أكثر صرامة في احترام حقوق الانسان من إعلام آخر زمان، حين فتحت تحقيقا في الخروقات التي قام بها أطرها لتطبيق القانون، وأعلنت عن جزاءات صارمة مترتبة عن خرق حقوق الانسان، ممن اتسمت تدخلاتهم بالعسف أو الشطط في تطبيق قانون الطوارئ الصحية..
يجب أن نميز بين وظيفة الإعلام الأساسية في الإخبار ونقل المعلومات من مصادرها الحقيقية لعموم المواطنين وبين السقوط في دائرة التهليل الفج لبعض افراد السلطات العمومية الذين خرق بعضهم أبسط حقوق الإنسان.. ويجب أن نعرف خطوط التماس بين التوعية والتهديد، وبين واجب نساء ورجال السلطة في تطبيق روح القانون لحفظ الحق في الصحة العامة وبين خرق أبسط مبادئ حقوق الإنسان التي لا يمكن الصمت عنها، إذ نكون حينها في وضع الشيطان الأخرس، والحمد لله أن مسؤولي السلطة الرئيسيين حتى اليوم ليسوا على وفاق مع تشجيع “تصرفيق” المواطنين والحط من كرامتهم بشكل فج، فقانون الطوارئ الصحية سن لحفظ حق المغاربة في الحياة، ولا معنى لحياة بدون كرامة، وعلى وسائل الإعلام أن تتسم بالكثير من الوعي في التمييز بين وظيفتها الإخبارية والتوعوية والبيداغوجية وبين الإشادة بالعنف والحط من الكرامة أنى كان مصدره.