سقوط الأقنعة في زمن كورونا !
في الوقت الذي يواجه فيه المغاربة على قلب رجل واحد فيروس كورونا المستجد أو “كوفيد -19″، الذي اجتاح بقاع الأرض بشكل رهيب، مبدين للعالم أجمع تضامنهم في مجابهة الأزمة الصحية الخانقة. لاسيما بعد أن اتخذت السلطات العمومية حزمة من القرارات الجريئة والتدابير الاحترازية والاستباقية، من أجل تطويق انتشار الفيروس اللعين وحماية صحة وسلامة المواطنين، وما تلا ذلك من مبادرة ملكية سامية، تمثلت في إنشاء صندوق خاص بتدبير ومقاومة تداعيات الجائحة، رصدت له عشرة مليارات درهم من ميزانية الدولة، للتكفل بنفقات تأهيل المعدات الصحية ودعم القطاعات الأكثر تضررا والتخفيف من معاناة الأسر الفقيرة والأشخاص الفاقدين لمناصب عملهم ومصادر رزقهم.
وفي الوقت الذي تنافس فيه المواطنات والمواطنون من مختلف الشرائح الاجتماعية ومراكز المسؤولية، سواء كانوا عاديين أو أعضاء في الحكومة أو في البرلمان، على التبرع كل حسب إمكاناته المادية لفائدة الحساب أو الرقم الهاتفي المفتوحين والخاصين بالصندوق المحدث يوم 15 مارس 2020، وفي طليعتهم ملك البلاد محمد السادس الذي كان سباقا إلى المساهمة بمبلغ ملياري درهما.
وفي الوقت الذي انطلقت فيه حملات واسعة للتحسيس بخطورة الفيروس “كوفيد -19” والعمل الخيري من داخل الوطن وخارجه، وتعددت المبادرات التطوعية، سواء من قبل أشخاص ذاتيين أو مؤسسات عمومية أو وحدات إنتاجية أو فرق رياضية وغيرها كثير. وتظافرت جهود بعض الأساتذة في إطلاق منصات للتعلم عن بعد وعدد من الطلبة المهندسين والأطباء والتقنيين وسواهم في ابتكار أشكال جديدة من الأقنعة الواقية وأجهزة التنفس الاصطناعي وغيرها.
وفي الوقت الذي نجد فيه أطباء شبان يسهرون على تقريب الاستشارات الطبية من المواطنين، وآخرين حاملين دبلومات في مكافحة الأوبئة من منظمة الصحة العالمية، يطالبون بإلحاح شديد منحهم فرصة المشاركة ضمن الخطوط الأمامية، واضعين خدماتهم رهن إشارة الوطن ومقدمين أرواحهم فداء له ولأبنائه.
وفي الوقت الذي نرى فيه مجموعة من الشخصيات الأجنبية البارزة ووسائل الإعلام الدولية تنوه بما أظهره المغرب، ملكا وحكومة وشعبا، من تلاؤم وتواؤم، وتكافل وتكامل، وما يقوم به من خطوات عملاقة في اتجاه التقليص من اتساع دائرة العدوى، معتبرة ذلك درسا رياديا يحتذى به في صد المخاطر والأوبئة والكوارث الطبيعية.
أبى الأمين العام السابق للحزب الأغلبي ورئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، إلا أن يبلع لسانه ويتوارى عن الأنظار منذ ما يزيد عن شهر من إحداث صندوق مواجهة تداعيات الجائحة إلى الآن، وكأنه وقع في عمق حفرة سحيقة بلا قرار، ولم يعد يسمع له حس ولا خبر. إذ تساءل الكثيرون عن سر اختفائه المباغت في مثل هذا الظرف العصيب، الذي يحتاج فيه المغرب إلى ألسنة وجيوب أبنائه من المخلصين، ولو برفع أكف الضراعة إلى الله ليرفع عنه البلاء ودعوة الناس إلى الالتزام بقواعد النظافة والسلامة والتباعد الاجتماعي واحترام الحجر الصحي وحظر التجول، عوض خرقه عبر مسيرات التهليل والتكبير. وهو الذي عودهم على الكلام المباح أينما حل وارتحل، حيث أنه لم يكن يدع مناسبة تمر دون الإدلاء برأيه فيها مهما بدت تافهة، فأين نحن من مزاعمه وادعاءاته عن الوطنية والإيثار والشهامة، والوقوف إلى جانب الفقراء والمعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة؟ أليس هو من كان لا يكف عن التبجح بأن حزبه هبة من السماء وأن الله اصطفاه لإنقاذهم من غياهب الجهل والمرض والبطالة وتحرير البلاد من رموز الفساد؟
ومما يستغرب له أن هناك من يعزو عدم ظهوره وتراجعه عن نشر “مهاتراته” في صفحة سائقه الخاص، إلى توصله بإنذار شديد اللهجة من جهات عليا عن تهوره وتماديه في التشويش على حكومة خلفه، خاصة عند مهاجمته إقرار “القانون الإطار” المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، المؤشر عليه في المجلس الوزاري برئاسة الملك، وكذا المجلس الحكومي برئاسة سعد الدين العثماني، ومطالبته لهذا الأخير علانية بتقديم استقالته والانسحاب الفوري من الحكومة.
وهي الحجة المردودة على أصحابها، لأنها ليست مبررا كافيا في لزومه الصمت وعدم خروجه من “جحره”، إذ على العكس من ذلك كان عليه أن يجعل من هذه المحنة فرصة ذهبية للتكفير عن سيئاته، باعتباره مسؤولا عما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من تدهور، جراء السياسات العمومية الفاشلة لحكومته المنتهية ولايتها وتدبيره السيء. أليس هو من كان ينادي برفع الدولة يدها عن قطاعي الصحة والتعليم، فاسحا المجال للقطاع الخاص في الهيمنة عليهما؟ ألم يكن حريا به أن يساهم ولو بالحد الأدنى من معاشه الاستثنائي غير المستحق، وهو يعلم أن المبلغ الشهري (سبعة ملايين سنتيم) يعادل قيمة ما تتلقاه أزيد من ثمانين أسرة يفوق عدد أفرادها أربعة أشخاص من دعم “صندوق الجائحة”؟
إنه بالرغم مما نشره “كوفيد -19” من رعب وحصد من أرواح، وفضلا عن تداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية وكلفتها الضخمة، إلا أنه أماط اللثام عن بشاعة بعض الوجوه وكشف عن زيف ادعاءات أصحابها، ونحمد الله على أن عددها محدود مقارنة مع تلك التي أبانت عن تضامن كبير بروح المواطنة الصادقة ونكران الذات. ولن ينسى المغاربة أبدا حقيقة ابن كيران ومعه “رابطة أرباب المدارس الحرة” و”الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء بالقطاع الخاص”. فهل مازال الرجل يملك الجرأة في الظهور مجددا بعد انقشاع الغمة ؟
اسماعيل الحلوتي