المريزق: ديمقراطية المستقبل، في حاجة إلى من يصنعها…وتنتظر جيل جديد من المناضلات والمناضلين وتضحيات جديدة، وتواصل يومي مع الشعب ومؤسسات الدولة
المريزق المصطفى:
من محن الحياة
في الأيام والشهور الأولى من ظهور حركة قادمون وقادرون – مغرب المستقبل- الى الوجود، وجهت العديد من رسائل الشكر والامتنان الى كل من شاركني حلم تأسيس هذه التجربة المدنية المواطنة، وكان ذلك في اطار دينامية الاستمرارية والقطيعة، بعد أزيد من خمس سنوات على صدور ” مسار في تجربة اليسار- الجزء الأول”، و توثيق صفحات من عمري مرت في لمح البصر…
وليس من العجب أن أستحضر في زمن الحجر الصحي كل هذه السنوات التي مرت، والتي جربت فيها ما جربت…ورسمت فيها صورا جديدة للمستقبل..
ومع ثلة من شرفاء الوطن، صديقات وأصدقاء، أغلبيتهم جدد، تعرفت عليهم في السنوات القليلة الماضية بعد ما هجرت وهجرني جيل كامل من الصديقات والاصدقاء…؛ بدأت تجربة جديدة، غيرت مجرى حياتي وممارستي..تجربة وضعت مسافة مع ايديولوجية القرابة والأحباب…
كل هذه السنوات التي مرت من عمري، لم تزدني إلا فخرا وسرورا واعتزازا بوطنيتي، وإيمانا بتلاقح التجارب، والثقافات المتداخلة واحدتها في الأخرى. كما مكنتني من عشق الحياة و التشبث بها .. رغم قساوة المحن!
وربما يكون الحجر الصحي فرصة جديدة لاستحضار العلامات البارزة لهذه التجربة المتواضعة، ومحطة من محطات الوقوف عند التحولات العميقة التي عرفها مساري الاجتماعي والسياسي والثقافي والأكاديمي، في علاقة مع محيطي الجديد الذي أنقدني من السقوط في التطرف و الحقد والكراهية..في زمن انبعاث سياسة جديدة، “سياسة القضايا” العابرة للطبقات (البيئة، الجندرة، الهجرة، الطفولة، الحرية الفردية…) ، بدل ثنائية الليبرالية ضد الاشتراكية، واليمين ضد اليسار.
إنه فصل جديد من فصول تجربة طويلة دامت ما يقرب 40 سنة…كافحت فيها وناضلت وأصبت وأخطأت في العديد من محطاتها، واحترمت فيها تاريخا لم يتوقف عند أحد..وفكرا جدليا لم يتوقف عند كتابة أول بيان أو قراءة آخر كتاب..
وبعد نهضة جيل جديد من الشباب التواق لتعزيز الديمقراطية والحريات والتغيير السياسي، وبعد تفتت البنية القبيلة وعدم سقوط دواويرها ومداشيرها في الطائفية والقومية، وبعد نجاة بلادنا من السقوط في أحضان الشمولية..وبعد هزيمة الهويات المذهبية، وفشل أسلمة العلوم الاجتماعية والعلوم الحقة، أصبحنا جميعا ننتظر مرور القطار لينقلنا للمدرسة.. لنتعلم من جديد أصول الحياة والقيم، ولنجدد التواصل بيننا وبين مؤسسات الدولة، ولنعود من جديد لدراسة الأنماط الجديدة في الفكر والسلوك، ولنتعرف على شبكة الأدوار الجديدة التي يجب أن نقوم بها كفاعلين ومسؤولين، و على الوظائف الاجتماعية التي يجب أن نلعبها في حياتنا الاجتماعية.
إن الديمقراطية ليست شعارا، إنما هي شكل من أشكال الحكم، تؤسس، وتكسب كما يقال في القانون “قوة الشيء المقضي به”، إذا ما إستطعنا إدراك القدرة على تعزيزها وتصليب عودها وتكريسها. وهو ما يفرض على الجميع اليوم ترتيب أولويات العمل لتثمين المنجزات ونقد الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية…
هكذا أستحضر في زمن الحجر الصحي، كذلك، فظاعات اقترفت في حق العديد من الشعوب باسم الديمقراطية. فاستقراء وتفكيك العديد من الوقائع والأحداث المحزنة، يجعلنا نقف اليوم عند انهيار المركزية، وبداية انهيار حلقة جديدة من حلقات الدولة الحديثة.
فالرجوع من جديد إلى المدرسة، سيمكننامن دراسة مواد ما أحوجنا اليوم إليها، مثل: الاختلاف والتماثل والخصوصيات والمشترك والتقدم والحداثة وما بعد الحداثة.. إن كنا نرغب إلى العبور إلى المستقبل.
إن ديمقراطية المستقبل، في الحاجة إلى من يصنعها…وتنتظر جيل جديد من المناضلات والمناضلين وتضحيات جديدة، وتواصل يومي مع الشعب ومؤسسات الدولة على كافة المستويات، بعيدا عن العصبية والمركزية والسلطوية والعنصرية والكراهية والراديكالية والتطرف والعنف.
أخيرا، وفي ظل الاسئلة المتعددة التي تطرحها التحولات المتسارعة التي نعيشها، ليس بالضرورة أن نملك الأجوبة…لكننا اخترنا توجيه طاقاتنا نحو كل ما هو ايجابي، كما اخترنا النضال من إجل رد الاعتبار للثقافة والفكر ..
إنها مناسبة أعبر فيها، بفخر واعتزاز ، عن انتمائي لكن ولكم، ولوطني الذي يعيش فيه الجميع تحت الحجر الصحي، من أجل الحياة…من أجل المستقبل..