البؤر المهنية وخطر العودة إلى الصفر
بقلم: سعيد بعزيز/ برلماني
فرحة عارمة سادت مختلف أرجاء التراب الوطني، ونحن نتابع ما تناقلته القنوات وكبريات الجرائد الدولية حول الإشادة بالإجراءات والتدابير الاحترازية ذات الطابع الوقائي والحمائي المتخذة من طرف بلادنا، للحد من تفشي جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19، وخيار إعطاء الأولوية للإنسان قبل الاقتصاد، وتضحيات جسيمة للفئات الفقيرة والهشة عبر انضباطها للحجر الصحي وقبولها بالتدخلات الاجتماعية المتواضعة للدولة، وأمل العودة للمغاربة العالقين بالخارج، وتفاني العديد من أصحاب مهن الواجهة …، رغم بساطة مؤشراته التنموية وضعف منظومته الصحية، لكون طموح الجميع، كان ومايزال، هو حماية البلاد من هذا التهديد والعدوان الوبائي الخطير.
خطوة جد مهمة، تلك التي تتعلق بإحداث الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورنا ـ كوفيد 19، الذي توجد من بين أهدافه نفقات تتعلق بدعم الاقتصاد الوطني من أجل مواجهة آثار انتشار جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19، الموجهة تحديدا لفائدة المقاولات التي توجد في وضعية صعبة، المحددة شروطها في المادة الثالثة مشروع قانون رقم 25.20 بسن التدابير الاستثنائية المتعلقة لفائدة المشغلين المنخرطين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والعاملين لديهم المصرح بهم، المتضررين من تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19، وذلك من أجل مواجهة تداعيات هذه الجائحة وآثارها على المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها الضريبية المتعلقة بإدلاء الإقرارات وأداء الواجبات للمديرية العامة للضرائب، بسبب الإكراهات التي تواجهها، كما أطلقت آلية جديدة للضمان على مستوى صندوق الضمان المركزي، تحت اسم “ضمان أكسجين”، تخص المقاولات التي عرفت انخفاضا على مستوى خزينتها، وسن أحكام خاصة تتعلق بسير أشغال أجهزة إدارة شركات المساهمة وكيفيات انعقاد جمعياتها العامة خلال مدة سريان حالة الطوارئ الصحية، وغيرها من الإجراءات التي تهدف أساسا إلى ضمان حياة المقاولة الوطنية والسير بها إلى بر الأمان.
لكن للأسف الشديد، جشع البعض، ورغبتهم في تحقيق مصالحهم الشخصية خارج سياق التلاحم الوطني، سارع العديد منهم إلى تقديم تصريحات مغلوطة تفيد وجود مقاولاتهم في وضعية صعبة، في حين البعض، لم يحترموا الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية المتعلقة بالإغلاق المؤقت لوحداتهم أو توفير شروط الصحة والسلامة لفائدة الأجراء.
تصرفات وسلوكات العديد من المقاولات، والتي لا تحترم المقتضيات القانونية والتدابير المتعلقة بحفظ الصحة والسلامة، والوقاية من المخاطر المهنية المحتملة في ظل انتشار هذه الجائحة، جعلت البلاد تنتقل من إحصاء الإصابات اليومية بالعشرات إلى المئات، فعلى سبيل المثال، كانت مدينة مكناس في المرحلة الأولى من البؤر الوبائية، بسبب رحلة منظمة إلى مصر، لكن وبحكم أنها اكتست بعد ذلك طابعا عائليا، فقد تمكنت السلطات الصحية من احتواء الأزمة والتحكم في الوضع، وفجأة تظهر بؤرة وبائية ذات طبيعية مهنية بمدينة فاس بعد إعلان تسجيل حالات إصابة بالفيروس وسط أجراء مركز تجاري، جعلت هذه الأخيرة تتجاوز جارتها في وقت وجيز، وبنفس الوتيرة تسارعت الأرقام في مدن أخرى شهدت بدورها بؤرا مهنية خطيرة.
إنه الاستهتار بسلامة وأمن الأجراء، ومن يرتبط بهم من أفراد عائلاتهم وكل المخالطين…، من أجل كسب مزيد من الثروة، دون أدنى حس وطني، فما تربحه مقاولة في فترة الحجر الصحي، قد يكون سببا في حدوث كارثة إنسانية، وينهار بسببها كل شيء، لأنه، ما تجمعه النملة في عام تأكله البقرة بلحسة واحدة.
قد تتغلب السلطات الصحية على المنحى التصاعدي للبؤر العائلية، التي لا ذنب لأحد فيها، لكون المرض يتسلل إلى جسد الإنسان خلسة، وتعمل على محاصرته وتتابع المخالطين، وتخلص إلى التحكم فيه واستقرار الوضع الوبائي، وبالتالي تجنب سقوط البلاد فيما لا يحمد عقباه، والتعجيل بخروجها من هذه الظرفية الحرجة إلى بر الأمان، بأقل الخسائر الاقتصادية والاجتماعية.
لكن أن تعمل على محاصرة تفشي الوباء، واستمرارية اشتغال الوحدات المهنية دون احترام شروط الصحة والسلامة، كمن يطارد عصفورين فيفقدهما معا، لذا فعلينا اليوم، أن نختار إما الحفاظ على ما حققته بلادنا من حماية للأمن الصحي والمجتمعي والحفاظ على حياة المواطنات والمواطنين وسلامتهم، والقبول بالتبعيات والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي لحقت بالبلاد، والاستمرار في مضاعفة الجهود، وتوسيع دائرة التحقق الوبائي من أجل العمل على رفع الحجر الصحي في أقرب وقت ممكن، وإما إطلاق عنان وجشع بعض المقاولات، وإشعال فتيل البؤر المهنية، والعودة إلى نقطة الصفر أو أخطر من ذلك.
لقد صدق من قال، البؤر المهنية تجعل البلاد أمام مقولة “لي حرث الجمل دكه”.
فلنقدر تضحيات الجميع، ولنتحمل مسؤوليتنا، ونساهم بكل صدق وحس وطني في الجهود المبذولة من أجل الحد من تفشي هذه الجائحة.