الصحافة في زمن فيروس كورونا
الصحافة في زمن فيروس كورونا
عادل الزبيري
أعترف أولا وأخيرا، أنني طيلة 15 عاما من العمل الصحافي المهني، ما سبق لي أن كنت خائفا، من ممارسة عملي الذي أعشقه حتى الثمالة، كما يقع لي اليوم، في تمريني المهني الميداني القاسي الحالي، في مواجهة جائحة فيروس كورونا.
ما تصورت في حياتي يوما، أن لقاء الناس سيصبح مصدر خطر، وكيف يكون العمل الصحافي المهني قائما، من دون الاشتغال مع الناس؟ تغير كل شيء فجأة، وبشكل سريع جدا، فبعد أن كنت أتابع أخبار فيروس كورونا، والقادمة من هنالك بعيدا، في إقليم ووهان في الصين، باعتباره خبرا دوليا، وتحول الفيروس إلى الخبر الأول والأخير في المغرب.
ففي مطار مدينة سلا، بقرب العاصمة المغربية الرباط، التقيت بعضا من آخر القادمين من مدينتي مارسيليا وباريس، قبل إغلاق المغرب لأجواءه، أمام الطائرات الفرنسية، بسبب تفشي فيروس كورونا في فرنسا.
التقيت بنسوة مغربيات سعيدات، بزيارة المغرب، في هذه الظروف الصعبة وغير المسبوقة، في حياتهن.
وفي مطار محمد الخامس الدولي، في مدينة الدار البيضاء، التقيت صينيين قادمين من بكين، واستجوبت مغاربة من الطلبة العائدين، من الصين، وجميعهم خضع لاختبار درجة الحرارة عبر مسدس يدوي، وعبر كاميرة حرارية.
وسيتكرر لقائي مع الطلبة المغاربة، مرتين اثنتين في مستشفى سيدي سعيد، في مدينة مكناس، بعد إجلائهم بتوجيه من العاهل المغربي الملك محمد السادس، من مدينة ووهان الصينية، أول بؤرة عالمية لانتشار فيروس كورونا في العالم.
ففي كل محطة مهنية، كانت قناعتي تزداد، أنني أواجه مهنيا تحديا مختلفا في كل التفاصيل، ولكنني واصلت البحث عن قصص إخبارية مغربية، لها علاقة بفيروس كورونا.
كانت لحظات قاسية، في تصوير إغلاق مقهى فالدي ديفاس، في حي سعيد حجي، في مدينة سلا بقرب العاصمة المغربية، امتثالا لقرار السلطات المغربية، الدخول في حجر صحي جماعي، كإجراء احترازي لمواجهة خطر انتشار فيروس كورونا.
ويريعا تحول شارع محمد الخامس، في قلب العاصمة المغربية الرباط، إلى مكان بدون راجلين من العابرين، وبدون فعاليات احتجاجية، وحده الحمام يحلق قبالة مقر البرلمان المغربي.
فرضت حالة الإغلاق الكامل في المغرب، إيقاعا جديدا للحياة، لا يعلم أحد بعد لا متى ولا كيف ستنتهي، وارتبك بشكل غير مسبوق العمل الصحافي المهني الميداني، اختفى الناس من الفضاءات العامة، وللحصول على تصريح صحافي مصور؛ المهمة شبه مستحيلة.
وفي كل خروج من البيت لأداء الواجب المهني، وقبل التفكير في أدوات العمل الميداني، وفي زاوية معالجة للتقرير، الأولوية للكمامات وللمعقم اليدوي، وأوراق الترخيص القانوني للاشتغال المهني.
آه نسيت، في عدة العمل المهني اليوم، شيء جديد اسمه حامية الوجه، مع الحرص الشديد، إلى حد الهوس، عند العودة إلى البيت، بتغيير الملابس، وتعقيم الحذاء، وغسل اليدين بطريقة دقيقة بالماء والصابون؛ كل شيء تغير إلى غاية إيجاد حل طبي ناجع.
أحاول احترام قواعد الصنعة الصحافية في بناء تقرير تلفزيوني إخباري، ولكن غياب الناس عن الفضاءات المفتوحة، والتزام المغاربة بالحجر الصحي الجامعي المنزلي، أي الالتزام بعدم دخول البيوت، يجعل القصص قليلة، ولكنها في زمن فيروس كورونا، إلى غاية الآن، لا تزال ممكنة.