الإنتاجات التلفزية في سياق طقوس رمضان وكورونا: أعمال وإنتاجات تسائل أدوار ومهام الهاكا.
عبد الرحيم بنشريف.
مواكبة لتفاعل المشاهد المغربي مع إنتاجات وأعمال التلفزة العمومية لرمضان هذه السنة، ومن أجل تقييم نسبة رضا المغاربة على ما تقترحه هذه القنوات التلفزات الوطنية، ومن أجل طرح نقاش هادف وبناء حول بعض من الجوانب المرتبطة بهذا الإشكال كقضية مجتمعية، ضاغطة تختزل أكثر صور وحالات الثقة المهزوزة بين المواطن ومؤسساته، نرصد هنا مجموعة من الملاحظات الكفيلة بتشخيص واقع علاقة قنواتنا الإعلامية بالمشاهد وانتظاراته، خاصة في ظرف استثنائي تجتازه البلاد ومعها باقي العالم بأسره، ألا وهو أزمة جائحة كورونا وتداعياتها.
ونحن نعيش الأسبوع الثالث من أيام شهر رمضان الكريم، في سياق تشارف فيه البلاد على بلوغ 7 آلاف حالة إصابة بفيروس كورونا، والأسر المغربية تواصل ممارسة طقوس الصيام والحجر الصحي، والمشاهدون قابعون في البيوت، يعدون الدقائق والساعات، تطالعنا الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري هاكا، ببلاغ بحمولة قوية، تشدد مضامينه وتوصياته على القنوات التلفزية، انطلاقا من المهمة الموكولة إلى الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري في حماية حقوق الأطفال والجمهور الناشئ، والحفاظ على سلامته الجسدية والذهنية والنفسية من المخاطر التي قد يتعرض لها إعلاميا، تزامنا مع ارتفاع أصوات جمهور المشاهدين والمتتبعين والمهتمين، تحتج على بث القناة الأولى للسلسلة الكوميدية سوحليفة” التي تقوم في كل حلقة بعرض مواقف كوميدية للطفلة إسراء رفقة خالها المدني وزوجته، تتناول مقالب وتصرفات غير مؤدبة من الطفلة تجاه خالها ومن هم أكبر منها، بما يجعل منها قدوة سيئة للطفولة والناشئة، وتكرس لدى الطفل هذه التصرفات الوقحة وغير التربوية.والحصيلة أن ما تبنيه الأسرة والمدرسة يهده الاعلام العمومي في دقائق معدودة، من زمن حلقات البرنامج.
ويجدرالتذكير أن بلاغ الهاكا نص على أن نقص الدراية الإعلامية والتواصلية لدى الجمهور الناشئ، يشكل نقطة يقظة تدعو الأسر إلى بذل المزيد من الجهود لمواكبة الممارسات الإعلامية للأطفال والجمهور الناشئ خلال فترة الحجر الصحي. كما يغتنم المجلس الأعلى هذه المناسبة للتذكير أن وضع مخطط وطني للدراية الإعلامية، مسؤولية جماعية تقع على عاتق فاعلين آخرين مؤسسين، مهنيين ومدنيين. كما يوصي البلاغ بانخراط الأسر في مساعدة الأطفال، حسب فئاتهم العمرية، على اختيار البرامج التي تناسب أعمارهم ضمن العروض التي توفرها الشاشات من أجل الإسهام في تطوير الجوانب العلمية والتربوية لحماية الطفل في هذا الظرف الخاص، بالنظر إلىنقص الدراية الإعلامية والتواصلية لدى الجمهور الناشئ، يشكل نقطة يقظة تدعو الأسر إلى بذل المزيد من الجهود لمواكبة الممارسات الإعلامية للأطفال والجمهور الناشئ خلال فترة الحجر الصحي. كما يغتنم المجلس الأعلى هذه المناسبة للتذكير أن وضع مخطط وطني للدراية الإعلامية، مسؤولية جماعية تقع على عاتق فاعلين آخرين مؤسسين، مهنيين ومدنيين.
هي مضامين قوية ودالة، وتولي بالغ الأهمية لما يمكن أن تتعرض له الناشئة من ضرب لحوقها واستغلال لقصور الدراية بما يعرض عليها من إنتاجات وبرامج تلفزية، إلا أن واقع الحال، وبمجرد الوقوف على عمق الحمولة التدميرية التي تشكلها سلسلة سوحليفة، على طفولتنا اليوم، تستدعي من المجلس الأعلى للسمعي البصري، التدخل العاجل لوقف هذه المهزلة التلفزية، من موقعه كمؤسسة دستورية تشرف على البث في أمور من هذا القبيل وإلا فما جدوى إحداثه.
كما يجدر التذكير بأن السلسلة المعنية، كانت قد اثارت استياء وامتعاض المشاهد المغربي، أثناء بث الجزء الأول من حلقاتها في رمضان السنة الماضية، وبالرغم من ذلك، يأبى القائمون على الشأن التلفزي بالقناة الأولى، إلا أن يعاكسوا إرادة المغاربة، عبر الإمعان في برمجة هذا التذمير المقصود للخلية النووية للمجتمع المغربي التي هي الأسرة، وبالتالي فالسؤال يطرح نفسه، ما إذا كان بلاغ الهيئة العليا مجرد حركة، لدر الرماد في العيون، بما أنها هي الجهة الأولى بتقييم الأثر الوخيم للسلسلة المذكورة، على الناشئة، والمبادرة بحمايتها.
*توافق عقلية تدبير القناتين الأولى والثانية في صفة معاكسة رأي المشاهد:
وارتباطا بالموضوع، وفي استقراء لردود المشاهدين حول السلسلة، أوردت منابر إعلامية مبادرة الفنان الممثل محمد الشوبي يطالب فيها الهيئة العليا للسمعي البصري بإيقاف بث السلسلة، مؤكدا أنه سبق له في العام الماضي أن لفت انتباه الهاكا للمسخ الذي تمثله السلسلة، متأسفا عن عدم الاهتمام الذي أبدته الهيئة، معتبرا العمل من النوع الذي يكرس لطبيعة من الأطفال الذين اغتصبت طفولتهم من طرف الكبار، وبالتالي فهذا العمل، ينبني على توظيف ممسوخ لصورة طفولة تستغل لتقديم نموذج مشوه لما ينبغي أن تكون عليه علاقة الطفولة بمحيطها الأسري والاجتماعي عموما.وخلص الشوبي إلى أن المشكل يكمن في القناة الوطنية، التي تفرض فيهاألا تقدم مادة تسيء إلى الطفولة بهذا الشكل وفي هذا الجو الرمضاني.
ومن جهة أخرى، شكلت حلقات الكاميرا الخفية، التي لم تعد تحمل من دلالاتها وأبعادها وأهدافها التي وجدت من أجلها إلا الاسم، وتحول برغبة مفضوحة إلى إنتاج عنوان العبث والضحك على ذقون المشاهد المغربي، بل قدمت أوضح حالات التبذير والفساد في صرف المال العام. فالقناة الثانية ومن خلال إصرار من يقفون وراء إنتاج حلقات مشيتي فيها، يظهر بالملموس أن حجم الاستهتار واللامبالاة لدى من يعتقد في نفسه أنه يقدم منتوجا يرقى إلى مستوى تطلعات المشاهد، إنما يمعن في البحث بكل الوسائل على الربح ولا شيء غير ذلك، على حساب حق المشاهد في أعمال تحقق لديه المتعة والترفيه المطلوبين خاصة في ظرف استثنائي هو احوج ما يكون إلى ما يخفف عنه وطأة الحجر الصحي وملازمة البيت.
وقد اثارت حلقات كاميرا القناة الثانية، الخفية، انتقادات لاذعة من المشاهد والمتتبع ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعد توالي عرض حلقاتها التي وصف مضمونها بـالحموضة، والتي تكلف مصاريف بالغة، تشمل نقل وإقامة ضيوفه داخل أو خارج أرض الوطن، دون طائل ولا فائدة، علما بأن الفكرة منقولة ومستهلكة، ومقالبها مفبركة ومتفق عليها. وبالرغم من كل الانتقادات الموجهة لهذه الكاميرا منذ السنة الماضية، لم تتخل القناة الثانية عن برنامج “مشيتي فيها” لرمضان الخامس على التوالي. وهنا تلتقي إرادة وعقلية تدبير القناتين الأولى والثانية في صفة معاكسة رأي المشاهد وركوب سلوك الإصرار والإمعان في الاستهتار واللامبالاة.
وفي سياق هذا الرصد المواكب لإنتاجات رمضان، سجل حسن الفذ كعادته، التميز وتجسيد قدر مقبول من الفكاهة الساخرة والجادة، ومن خلال أولى حلقات السلسلة طوندونس التي أعدها بالمناسبة بعنوانها اللافت والمثير، هو الأخر يعطي الانطباع بأنه بدوره انخرط في موجة التهافت للفوز بنصيب من كعكة الشهر الفضيل. وقد نفى الممثل الكوميدي حسن الفذ أن يكون قد استخلص مقابلا ماديا من المال العام نظير الأعمال الرمضانية التي قدمها على القناة الثانية طيلة السنوات الماضية، لافتا أن هذه القناة لم تصرف عليه ولو درهما واحدا، وبأنه الممثل الوحيد في المغرب الذي لم تمول أعماله قناة من القنوات العمومية أو الخاصة.
حسن الفذ كان مضطرا للتصريحبأن القناة الثانية هي من تتقاضى المال لتمرر أعماله، بحكم تعاقده مع المحتضنين الخواص الذين يمولون أعماله، وليس المال العام. بل وأكد أن مقاولته الصغيرة تساهم في المال العام عبر الضرائب التي تؤديها للخزينة.
*خيبة أمل المشاهد المغربي في قنواته في عز رمضان والحجر الصحي:
وعموما فإلى جانب الضحالة والهزالة، في المضامين المعالجة، والطرح الفني والتقني المعتمد في الإنتاج، فالسمات الغالبة على الأعمال الرمضانية، تجعل المشاهد لا يميز بين هذا العمل وذاك، مع استحواذ وجوه بعينها على جل هذه الانتاجات لدرجة أن ممثلابعينه يتكرر أمامك بلا مبرر مرات ومرات، إلى الحد الذي يختلط عليك الأمر إذا حاولت الانتقال من قناة إلى قناة، بينما العشرات من الموهوبين وخريجي المعاهد يعيشون البطالة المقنعة.
ومن منطلق الحس الوطني الصادق، وإسهاما في نقاش بناء، هناك مجموعة من العمال الدرامية التي لاقت تجاوبا ملفتا من قبل جمهور المشاهدين، تملي الضرورة الموضوعية الوقوف عندها بالتأمل والتحليل، وتستوجب التشجيع والتنويه، سنفرد لها وقفة خاصة، فيما يأتي من جرد ومتابعة ضمن هذا التناول.
مرة أخرى خاب أمل المغاربة في الأعمال الفنية الرمضانية المعروضة، بعدما كانوا يمنون النفس في أن تخفف عنهم وطأة الحجر الصحي. إذ منذ اليوم الأول من الشهر الكريم عادت نفس الاتهامات والتهكمات لتطال قنوات القطب العمومي مجتمعة، كلها تصب في أن الأسر المغربية تُعرض عليها، وهي محجورة في منازلها، مشاهد الاستهزاء والفبركة وانعدام الإبداع، بما يؤكد على أن قنواتنا التلفزية مجتمعة مصممة العزم على الاستمرار في بث ما يجعل المشاهد يولي وجهته نحو قنوات تلفزيونية أخرى. وهذا الأمر يدعونا لطرح الحديث عن الوافد الجديد على فضائنا السمعي البصري، ممثلا في قناة إم بي سي5 التي سنفرد لها حيزا خاصا بالنظر لما يطرحه اختراقها لنسيجنا الوطني من تساؤلات كبرى وبحمولات دالة، تستدعي تشخيص سياق هذا الحضور.