فنجان بدون سكر: سياسة الجر الى الوراء لتدجين الفعل السياسي
فنجان بدون سكر
بقلم عبدالهادي بريويك
بات من الواضح في سماء المتغيرات السياسية المغربية الملبدة ببعض الغموض..على ضوء ما افرزته كورونا من تداعيات اقتصادية؛ بروز بعض المصطلحات السياسية كمصطلح ” تكنوقراط” والترويج لها بهدف تأثيتها في المستقبل السياسي الوطني في ظل ما تعرفه الحكومة الحالية من اخفاقات واعطاب حالت دون نجاحها وربح تحدياتها ورهاناتها في مجموعة من القضايا وبخاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
قد تبدو المسألة كأنها مسألة التشكيك في الديمقراطية ونجاعتها رغم كون العلاقة القوية التي تربطها بالتنمية ؛ بحيث يعتبر اعظم تفسير للتقدم في عملية التنمية يكمن من خلال النظر في نوعية الحكم في وطن ما والدور الذي تلعبه الحكومة والعدل والأحزاب السياسية والمجتمع المدني خاصة فيما يرتبط بمجالات الرقابة على الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة.
فمحاولة تدجين العمل السياسي وتبخيسه من خلال تجربة حكومية معظمها تكنوقراط وتقنوقراط باتت شبه عاجزة في تحقيق رهاناتها وتحدياتها ..
والتباعد الحاصل بين مكوناتها .. في ظل الوضع الراهن الذي أملته قوة فيروس كورونا ..والتمهيد الممنهج لاقصاء الاحزاب السياسية من مناصب القرار من خلال التلويح بشعارات البديل التكنوقراطي المعتمد على الرقمنة والمكننة والخبرات العلمية والتقنية ..
ووفق مخطط محسوب عرفه التاريخ المغربي منذ الاستقلال الوطني في مراحل تاريخية مختلفة.
فالتكنوقراطية التي تعتبر نظاما مقترحا للحكم يتم فيه اختيار صانعي القرار على اساس خبراتهم في ميادين معينة؛ خصوصا المرتبطة بالمعرفة العلمية والتقنية.
مما يتناقض تماما وبشكل واضح بل ويلغي تماما دور المنتخبين ويعتمد بالأساس على المعرفة والاداء بدلا من الانتماءات السياسية أو ما يعرف بالمقاعد البرلمانية لتشكيل الأغلبية الحكومية ..كما هو معمول في النظام الديمقراطي.
وإذا كانت من بين المرتكزات الأساسية والمهمة التي أقبل عليها دستور 2011 هو تعزيز الآليات الخاصة بالأحزاب السياسية، وبالتالي تقوية دور الاحزاب للانتقال من قنوات التأطير الى وجود ممارسة سياسية للاحزاب تطمح من خلال ممارستها الى الحصول على السلطة؛ كما ينص على ذلك الفصل السابع من دستور 2011 ولاسيما أن الأحزاب السياسية التاريخية ساهمت بشكل كبير في إنجاب الأطر التي قدمت خدماتها للوطن في مجالات متعددة ومختلفة ..كما انقذت البلاد في تسعينيات القرن الماضي من السكتة القلبية في إطار التناوب التوافقي التاريخي كما سماه الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني؛ يقتضي اليوم طرح أكثر من تساؤل حول المكتسبات التي ناضل من اجلها الصف الديمقراطي وسعى إلى تحقيقها بفضل نضالاته الجماهيرية وبفضل قاعدته الانتخابية؛ وعن الأهداف الحقيقية والدستورية للأحزاب السياسية والادوار التي تلعبها والغاية أصلا من وجودها .
فرغبة البعض في العودة لنظام التكنوقراط أو أسلوب الحكم “الغير مسيس” والذي انتهى مع انتهاء الثورات العربية؛ إنما يرغب في العودة بالمغرب الى الوراء وفي وضع تباعد أكثر پين الفعل العمومي والأحزاب السياسية.
وبالتالي يبحث عن ” قطع غيار” للحكومة الحالية خارج سرب الأحزاب السياسية لمعالجة اعطابها لكن بأسلوب يخدم أجندات تعتمد على أنظمة التنمية الموجهة وتقييد.الحقوق السياسية . ومحاولة استبعاد النخب الحزبية من تدبير الشأن السياسي وتقليص دورها معتبرا أن الأولوية لقضية التنمية الاقتصادية ولو كانت على حساب العمل على بناء دولة ديمقراطية حديثة يسودها الحق والقانون..
وباعتبار أن الرجل التكنوقراط رجلا مستقلا. في حين انه ليس مستقلا بكل ما ماتحمله الكلمة من معنى؛ لأنه يبقى تابعا للجهة التي رشحته وسيتبع على نحو لا إرادي لانتماء ما؛ أو كتلة ما، أو إلى رجل أعلى منه كان سببا في تعيينه.
وإلا ما المعنى من إجراء انتخابات حرة وتنافسية بين الأحزاب السياسية في تحديد الاختيارات الاستراتيجية حول التنمية من خلال الممارسة الديمقراطية وما الفائدة من هدر الملايير من السنتيمات في دعم الدولة للأحزاب السياسية.