فقدان أهلية تدبير الشأن العام بغياب الإرادة السياسية وعدم القدرة على الإنجاز
فقدان أهلية تدبير الشأن العام بغياب الإرادة السياسية وعدم القدرة على الإنجاز:
سمير أبو القاسم
ذهب البعض بعيدا حين بدأ يستعيد خطاب المظلومية، ويناقش على قاعدة افتراض وجود خصوم سياسيين يستغلون ظروف الأزمة للمطالبة بشرعنة خيارات حكومية خارج نتائج الانتخابات، وكأن معضلتنا السياسية ابتدأت مع انتشار فيروس كورونا وستنتهي بذهابه. متناسين أننا نعيش فعلا أزمة تدبير للشأن العام قبل ظهور الجائحة بكثير.
خاصة وأنه يتأكد للمغاربة يوما بعد آخر، أن قيادة العمل الحكومي غير قادرة على محاربة الفساد المستشري في القطاعات والمؤسسات، وعاجزة عن تأهيل الاقتصاد وتقديم الخدمات العمومية، وتسير في اتجاه تعميق الأزمة في كل المجالات، وغير عابئة بما تقوم به من إسقاط البلاد في مأزق ديمقراطي حقيقي يغيب فيه أي إحساس بالمسؤولية وينعدم معه الحس الوطني والمصلحة العامة.
وكل المؤشرات تعمل على إفقاد الناس الثقة في مقدرات ومؤهلات البلاد، وتعمل على القضاء على ما تبقى من أمل في التمكن من ظروف العيش الكريم والتمتع بالحقوق والحريات وتوفير شروط الإدماج التنموي، بفعل عدم كفاءة هذه الحكومة في إيجاد حلول للمشاكل التي نتخبط فيها.
فقد تبخر الرهان على القطع مع التطبيع مع الرشوة واحتلال الملك العام والتمكين من الامتيازات والسطو على الصفقات والتهرب الضريبي والعفو على أصحاب الأموال غير المشروعة والممارسات الفاسدة، وهو ما يقوي الميل إلى مخاصمة العمل الحزبي والإعراض عن المشاركة السياسية.
وتعقدت الأمور أكثر بدفع الناس إلى الهجرة، لعدم ضمان تنمية فاعلة وإنتاج الثروة وخلق فرص الشغل، مقابل الإبقاء على هزالة الأجور وعدم احترام ضوابط الحد الأدنى للتشغيل والأجر، والاحتفاظ بالقطاع غير المهيكل خارج الدورة الاقتصادية وعدم توفير الاستقرار المهني والحماية الاجتماعية والصحية، وتوسيع قاعدة الفقر والتهميش، وتقوية عوامل الرفض والتنديد والاحتجاج في الشارع العام.
وأصبح واضحا للجميع التداخل بين غياب الإرادة وعدم القدرة والافتقار لمؤهلات تدبير الشأن العام، الذي برز في التعاطي مع معضلات إصلاح الإدارة وتوفير الإمكانيات وإعمال الحقوق والحريات، وسيادة العشوائية وعدم الاستقرار حتى فيما يخص تركيبة الأغلبية الحكومية.
فالاختيارات والقرارات الحكومية غير محددة برؤية ولا مرجعية سياسية، وغير محكومة بمنطق معالجة الاختلالات وتصحيحها، ولا مهتمة بنجاعة ومردودية برامج عمل قابلة للتحقيق. لذلك، لا يمكنها سوى العمل على خلق ارتباكات إضافية، خاصة مع ما رافق كل هذا من منطق الإرضاءات الحزبية، وتفصيل المناصب على المقاس، وتوظيف آليات القرابة والولاء والمحسوبية والزبونية.
إذ من الصعب اليوم، الاطمئنان لطريقة تدبير السياسات العمومية، لافتقادها آليات الحكامة والشفافية، ولعدم خضوعها لمساءلة حقيقية، ولمساهمتها في تنامي مخاطر الانحراف عن القواعد القانونية وضوابط تحمل المسؤولية، وعدم صدقية المعلومات والمعطيات والإحصائيات، وعدم تحقيق أهداف البرنامج الحكومي كأساس تعاقدي ملزم.
وإذا كان هذا هو حال خلاصات تدبير حزب العدالة والتنمية للعمل الحكومي، فإن ما يزيد الطين بلة هو ذاك الفشل الذريع المتمثل في إحداث تراجع خطير، سواء فيما يتعلق بإعمال الحقوق والحريات، أو بالنهوض بثقافة حقوق الإنسان، واللذين أثرا سلبا على المنظومة القيمية، بحيث أصبح التطبيع مع الممارسات اللامدنية ومع العجز على القيام بمهام التأطير والتنشئة السمة البارزة لكبح جماح التغيير المنشود.
هذا ما جعل رهانات المغاربة مُعلَّقة، وإشكالات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية مصدر قلق، في ظل غياب فعالية النظام الوطني للنزاهة ومنظومة المحاسبة، وعدم الرغبة في إدماج المجتمع المدني في الجهود الرسمية، وشيوع ثقافة التطبيع مع الفساد بدل تنفيذ خطة المُلاءَمَة بين مقتضيات الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد والتشريعات الوطنية، للتصدي لمظاهر سوء التدبير والفساد الإداري والمالي.
وهو ما يعني عدم استثمار هذه الحكومة والتي سبقتها للمناخ السياسي الملائم في أعقاب دستور 2011، وحالة التعبئة الوطنية ضد الفساد، التي تمخضت عن تفاعلات الحراك الشعبي.