مناورات البيجيدي المفضوحة !
مهما بلغ قياديو الحزب الأغلبي “العدالة والتنمية” ومعهم أعضاء “لجنة النزاهة والشفافية”، من مناورات في محاولة طمس معالم “الجريمة” النكراء التي اقترفها عن سبق إصرار وترصد، كل من المصطفى الرميد عضو الأمانة العامة ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وزميله في الحزب والحكومة محمد أمكراز وزير الشغل والإدماج المهني، في حق مستخدميهم بمكتبي المحاماة التابعين لهما، بعدم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فلن يكونوا قادرين على تضليل الرأي العام، مادامت المواطنات والمواطنون يتميزون بذكاء أقوى من أن يقنعه بلاغ هزيل ويبعث على السخرية والاشمئزاز.
فسيظل المغاربة يذكرون بحنق ومرارة ما طبع سنة 2020 المشؤومة من أحداث وفضائح، وفي مقدمتها تفشي جائحة “كوفيد -19” التي ضربت العالم وحصدت آلاف الأرواح من كل بقاع الأرض، وانفجار البؤر الوبائية في الأوساط العائلية والوحدات الصناعية والتجارية، وفضيحتي الوزيرين السالفي الذكر اللتين بلغت أصداؤهما الصحافة الدولية…
ولن ينسوا أبدا البلاغ العجيب الصادر عن اجتماع الأمانة العامة المنعقد يوم الجمعة 3 يوليوز 2020، الذي جاء مخيبا للآمال الغاضبين عندما أبى إلا أن يبرئ ذمة الوزيرين، معتمدا في ذلك على تقرير لجنة النزاهة والشفافية، التي اكتفت بوصف ما أقدم عليه الوزيران من خرق سافر للقانون بمجرد “مخالفة قانونية”، وكأننا أمام مخالفة مرورية عادية وبدون خطورة، جراء عدم احترام مرتكبها الإشارات الضوئية.
فالباعث على الضحك في تقرير اللجنة الجد محترمة، أنه لم تفت حكماءها الإشادة بالمصطفى الرميد على ما كان يوليه لكاتبته الراحلة جميلة بشر من عناية مادية خاصة قبل أن تمتد إليها يد القدر، مرتكزين في حكمهم على ما قيل شهادات تم جمعها حتى من أقاربها، الذين يؤكدون على تكفله بجميع مصاريف علاجها. والتنويه كذلك بمسارعة محمد أمكراز عبر المسؤول الأول عن مكتبه للمحاماة، إلى تصحيح وضعية مستخدميه وفق المقتضيات القانونية الجاري بها العمل.
والأغرب من ذلك كله أن التقرير وشح “الأخوين الفاضلين” بوسام فخر من درجة فارسين، لكونهما “لم يخرقا قواعد النزاهة والشفافية المرتبطة بتدبير الشأن العام، ومقتضيات تحملهما المسؤولية العمومية”. فضلا عن استنكار الأمانة العامة ما اعتبرته حملة شعواء، ممنهجة ومنسقة، تستهدف ضرب مصداقية الحزب والنيل من قياداته. وتشديدها على أن رصيد الحزب وممارسات مناضليه وقيادييه جد مشرف منذ تولي مسؤولية قيادة الحكومة، وأنه يدعو إلى الفخر والاعتزاز دون أن يقلل من شأنه ما يصدر عن بعض أعضائه من أخطاء، لا يتأخرون في تصحيحها سواء من تلقاء أنفسهم أو بإيعاز من مؤسسات الحزب. ترى على من يكذب البيجيديون؟ ومن مازال يصدق ألاعيبهم؟
فمن الوهم الاعتقاد بأن أعضاء الأمانة العامة أو غيرهم في “لجنة النزاهة والشفافية” وجميع مناضلي الحزب وقيادييه، يمكنهم الاحتكام إلى العقل ومقتضيات الدستور والانتصار للقانون متى ما خرقه أحدهم أو أخل بواجبه. إذ يقوم الحزب على مبدأ “انصر أخاك ظالما وظالما ثم مظلوما”، ولا يؤمن لا بالديمقراطية الحقيقية ولا بالتعاقد الانتخابي ولا هم يحزنون، مادامت هناك كتلة ناخبة ثابتة يعول عليها في الاستحقاقات الانتخابية. فالهاجس الأكبر لكل قياداته هو المناصب والمكاسب والحقائب. ثم ما جدوى الإقرار بخرق القانون عبر عدم التصريح بالأجراء، إذا لم يترتب عنه جزاءات حقيقية، ليعطي الحزب بذلك درسا بليغا في النزاهة والشفافية واحترام القوانين والمؤسسات والمواطنين والحفاظ على سمعة المغرب في المنتديات الدولية؟
ولا نعتقد أن اللجنة “الموقرة” التي اعتمدت الأمانة العامة تقريرها في تخفيف الضغط عن الوزيرين، تجهل المعنى الحقيقي لمصطلحي النزاهة والشفافية، اللذين يستخدمهما الحزب في أوقات الشدة للتضليل ومحاولة تبييض وجوه قياداته. فالنزاهة في أصلها اللغوي تعني الاستقامة وتفادي إلحاق السوء والأذى بالغير وترك الشبهات، وتفادي الأعمال المستقبحة والتزوير والتملص من المسؤولية. وهي قيمة أكبر من الأمانة والأخلاق وأوسع منهما، وهي ظاهرة إنسانية تحكمها قوانين الإنسان وقيمه. إذ تشمل الكفاءة واحترام القانون وحقوق الإنسان والحفاظ على الالتزامات، ولا يمكن لأي إصلاح أن يتحقق بدونها. وتعرف اصطلاحا بأنها الابتعاد عن ممارسة الشر والفساد والتحلي بالصدق…
بينما الشفافية تعني كل ما هو شفاف ولا يحجب ما خلفه. وفعل “شف” يقابل فعل “رق” إلى حد يمكن معه رؤية ما وراءه، أي هي الوضوح وعكس التعتيم والسرية. ولا يختلف اصطلاحها كثيرا عن معناها اللغوي. والشفافية بشكل عام، قيمة إنسانية رفيعة يجب تكريسها في حياتنا اليومية داخل البيت وخارجه، ولا ينبغي بأي حال تحويلها إلى مجرد شعار، يتم رفعه من حين لآخر وكلما دعت المصلحة الشخصية أو الحزبية إلى ذلك… فأين “لجنة النزاهة والشفافية” من كل هذه المعاني السامية؟
إن ما أقدم عليه الرميد وأمكراز ليس بالأمر الهين وأكبر من مجرد مخالفة قانونية عابرة يمكن تداركها، بل هو جريمة شنعاء تستوجب الاستقالة أو الإقالة. فالأول وزير سابق في العدل والحريات، ووزير دولة مكلف حاليا بحقوق الإنسان، فيما الثاني رئيس المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزير الشغل والإدماج المهني. وهما معا ارتكبا فعلا خطيرا في حق مستخدميهم من خلال حرمانهم من الحماية الاجتماعية وهضم حقوقهم، وفي حق الدولة عبر التملص من تسوية وضعيتهم القانونية بأداء مستحقات صندوق الضمان الاجتماعي، لمدة بلغت أزيد من عقدين بالنسبة للأول…
اسماعيل الحلوتي