خطاب 20 غشت ؛ سلوك وطني مثالي ومسؤول هو الحل
عبد السلام المساوي
1_ ان جلالة الملك محمد السادس يقود بنفسه حربا كبيرة قد تكون أخطر من الحروب التي قادها والده ، خصوصا أنها ضد كائن مجهري يهدد الأمن القومي لمملكته ، يعكس ذلك الخطاب السامي لصاحب الجلالة ، الذي وجهه إلى الشعب المغربي بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعب ؛
انه خطاب الصراحة والصرامة الذي يروم إيقاظ الوعي في ضمائر المغاربة ، والتذكير كما يؤكد صاحب الجلالة بأن ” تاريخ المغرب حافل بهذه المواقف والأحداث الخالدة ، التي تشهد على التلاحم القوي بين العرش والشعب ، في مواجهة الصعاب ” .
يقول جلالة الملك” واننا اليوم ، ونحن نخلد ذكرى ثورة الملك والشعب ، أكثر حاجة لاستحضار قيم التضحية والتضامن والوفاء ، التي ميزتها ، لتجاوز هذا الظرف الصعب .
واني واثق بأن المغاربة ، يستطيعون رفع هذا التحدي ، والسير على نهج أجدادهم ، في الالتزام بروح الوطنية الحقة ، وبواجبات المواطنة الإيجابية ، لما فيه خير شعبنا وبلادنا .”
ان خطاب جلالة الملك يشكل خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة الصحية وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية ، لكنه في حاجة ، ليس لمن يشيد به ، بل لمن يلتزم به وينزله إلى أرض الواقع فعلا وتنفيذا…
خطاب صريح وصارم ، جريء وشجاع ” ان خطابي لك اليوم ، لا يعني المؤاخذة او العتاب ؛ وإنما هي طريقة مباشرة للتعبير لك عن تخوفي ، من استمرار ارتفاع عدد الإصابات والوفيات ، لا قدر الله ، والرجوع إلى الحجر الصحي الشامل ، باثاره النفسية والاجتماعية والاقتصادية ” .
2_يقول جلالة الملك”إننا لم نكسب بعد المعركة ضد هذا الوباء، رغم الجهود . إنها فترة صعبة و غير مسبوقة بالنسبة للجميع.
صحيح أنه كان يضرب بنا المثل، في احترام التدابير الوقائية التي اتخذناها، وفي النتائج الحسنة التي حققناها، خلال فترة الحجر الصحي.
وهو ما جعلنا نعتز بما قمنا به، و خاصة من حيث انخفاض عدد الوفيات، و قلة نسبة المصابين، مقارنة بالعديد من الدول.
ولكن مع الأسف، لاحظنا مع رفع الحجر الصحي، أن عدد المصابين تضاعف بشكل غير منطقي، لأسباب عديدة.
فهناك من يدعي بأن هذا الوباء غير موجود؛ و هناك من يعتقد بأن رفع الحجر الصحي يعني انتهاء المرض؛ وهناك عدد من الناس يتعاملون مع الوضع، بنوع من التهاون والتراخي غير المقبول.
وهنا يجب التأكيد على أن هذا المرض موجود؛ و من يقول عكس ذلك، فهو لا يضر بنفسه فقط، و إنما يضر أيضا بعائلته وبالاخرين ” .
نحن في حاجة الى الانتباه الى مخاطر ترك الحبل على الغارب ، وعلى الجميع ان يعي خطورة الوضع ويفهم صعوبة المرحلة وما تتطلبه من انضباط صارم يقي البلد من السقوط في ما لا تحمد عقباه…
نحن في حاجة الى الاقتناع الجماعي بالحاجة الى اعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع ، باعتبارها اضمن وأقوى تأثيرا على النفوس من أية قوة عارية قد تتصور أو يتصور أصحابها انهم قادرون على الحسم في كل الظروف…
ان التحرك الاستباقي للمغرب في تعامله مع الوباء كان صائبا ، بل هو نموذج أثنى عليه العديدون في أقطار المعمور ، غير أن كل هذا ليس مبررا لسبق الأمور . فالنصر لن يكون سوى بالتحكم التام والشامل والنهائي في الفيروس والقضاء عليه .
المشكل لم ينته بعد ، والوباء ما يزال يتربص بالبلد والناس يجب أن تلزم الحذر في أقصى درجاته …
ستكون أياما حاسمة في مواجهتنا لوباء كورونا ، وستكون أياما محددة لتوجه هذا الفيروس في بلادنا ؛ اما انحسار كامل ان شاء الله لأننا اقتنعنا بضرورة احترام كل التعليمات الصادرة الينا ، واما لا قدر الله انتشار يتسبب لنا في كارثة صحية اذا ما واصل بعضنا الاستهتار بما لا استهتار به .
جلنا متأكد ان الأيام الحاسمة ، الصعبة ، الأكثر حساسية هي التي نحياها الان….
هل نؤدي الان ثمن التهور؟ هذا أكيد ، لكن الوقت لم يفت…
لم يعد هناك من حل سوى الالتزام بقانون الطوارئ الصحية بالصرامة المطلوبة لأن بلادنا لا يمكن أن تتحمل وضعا اخر أكبر مما وصلنا اليه اليوم في مواجهة كورونا . الوضع لا يقبل أية مغامرة . قد يكون الوقت لم يفت بعد ، لكن المشكلة في الزمن أنه لا ينتظر أحدا فهو يسير بسرعته المعهودة ولا ينتظر المتخلفين .
حقيقة لا نفهم من يحاولون تمثيل دور من لا يروا الخطر المحدق بنا جميعا ، ويواصلون الاستهزاء …
نحن في حاجة إلى الوعي بخطورة هؤلاء ومخاطر ما يدفعون اليه …
هؤلاء لن يضروا أنفسهم فقط ، هؤلاء يهددون ابناءهم واخوانهم وأخواتهم ووالديهم . هؤلاء يهددون المجتمع ككل، فلنحذر من خطرهم ، أكثر من أي وقت مضى .
نداؤنا إليهم ، بل استعطافنا لهم ، أن انتحروا اذا أردتم ذلك ولم ترغبوا في سماع كل ما يقال لكم ، انتحروا لوحدكم ، ضحوا بأنفسكم اذا راق لكم ذلك لكن بعيدا عن الأبرياء الاخرين الذين لا يريدون الالقاء بأنفسهم الى التهلكة .
هذا النداء وهذا الاستعطاف صادر عن أغلبية شعبنا التي فهمت واستوعبت أهمية ما تقوم به الدولة حماية للناس وصحتهم وأرواحهم . وهاته الأغلبية ترفض أن تجرها حماقات أقلية قليلة لا تريد الصبر أياما معدودات وتفضل أن تجرنا جميعا معها الى الخراب .
لا بد من الاقرار بأن هناك أشياء مقلقة في مواجهة الوباء اللعين على المستوى العلمي ، وعلى مستوى التكفل بالمصابين ، وفي اكتشاف الحالات ، وفي عدد التحليلات ، التي يمكن اجراؤها يوميا ، وما الى ذلك من طاقة استيعابية ومن مستلزمات وامكانيات مادية ولوجستيكية وبشرية . انها جملة من المشاكل المرتبطة بالمنظومة الصحية ببلادنا والتي يعرفها الجميع .
يبقى الخلاص الوحيد والأوحد هو التقيد بشروط الوقاية والنظافة وارتداء الكمامات …
لم يعد الوقت يقبل الأخطاء والهفوات . يمكن أن نتغلب على كورونا ، هذا أكيد ، لكن الأمر يتطلب حذرا كبيرا جدا واحتياطات في مستوى وحجم المشكلة ، واليوم اكثر من أي وقت مضى …
3_ يقول جلالة الملك “والواقع أن نسبة كبيرة من الناس لا يحترمون التدابير الصحية الوقائية، التي اتخذتها السلطات العمومية: كاستعمال الكمامات، و احترام التباعد الاجتماعي، و استعمال وسائل النظافة و التعقيم.
فلو كانت وسائل الوقاية غير موجودة في الأسواق، أو غالية الثمن، قد يمكن تفهم هذه التصرفات. و لكن الدولة حرصت على توفير هذه المواد بكثرة، و بأثمان جد معقولة.
كما أن الدولة قامت بدعم ثمن الكمامات، و شجعت تصنيعها بالمغرب، لتكون في متناول الجميع.”
لقدجاءت المبادرة الملكية الكريمة بتوزيع الكمامات الواقية من الفيروس مجانا على الفئات الشعبية الهشة ، لتؤكد تلك الحقيقة التي يؤمن بها المغاربة دوما وأبدأ والتي يصدقها الواقع اليومي باستمرار : حقيقة إستماع ملك البلاد لنبض شعبه ، وبالتحديد نبض والام وهموم الفئات الأقل حظا فيه والأكثر هشاشة .
توزيع الكمامات الطبية مجانا على المواطنين الفقراء في المناطق التي تشهد تصاعد هذا الوباء الفتاك ، ليس أمرا هينا ولا سهلا ولا نافلا ، هو أمر لم تستطعه حتى دول كبرى ، تناقش اليوم مع القطاع الخاص كيفية النقص من ثمن تصنيع وتوزيع الكمامات لتصل إلى أكبر قدر من مواطنيها ، دون أن يكلف الأمر خزينتها ما لم تطقه في زمن الأزمة الاقتصادية التي زادتها أزمة كورونا استعصاء .
ان الخطوة الملكية الرائعة هي كريمة أولا ، وهي إنسانية ثانيا ، وهي جبارة ثالثا وتكلف الكثير ، لكنها تعني لنا في المغرب أننا في القارب ذاته ، وفي الطريق ذاته نحو النجاة جميعا من هذا الوباء شرط أن نقاومه ، وشرط أن نحس بخطورته ، وشرط ألا نستهين بالمنحنى التصاعدي الذي أخذه منذ عطلة عيد الأضحى وحتى الآن ، وشرط أن نفهم أنه يشغل بال البلد كله ، وما هذا الاهتمام من عاهله وملكه بالفقراء من أبناء شعبه الا دليل إضافي على الأمر .
دليل لم يكن ينتظره الشعب المغربي ، لأنه على اليقين ذاته أن ما يمسه يمس ملك البلاد ، وأن العكس صحيح أيضا ، ويكفي أن نشاهد التطورات الأخيرة لكي نتأكد مليا من ذلك .
ان الصراع ضد وباء كورونا يجب أن يكون بكل جدية الكون ، لأن المسألة لا تتقبل مزاحا ، بل هي فعلا وليس قولا فقط مسألة حياة أو موت .
نعرف أن المغاربة يؤمنون بالحياة وسينتصرون لها ، وسيفعلون المستحيل لأجل الحرص عليها ، ونعرف أن في عز حربهم هاته على هذا الوباء الفتاك سيتذكرون جيدا كل المبادرات الكريمة التي تذكرهم بأن الانتماء المغربي مسبق على ما عداه ، وأنه يأتي في مقدمة كل الأشياء .
4_ يقول جلالة الملك “بل إن الأمر هنا، يتعلق بسلوك غير وطني و لاتضامني. لأن الوطنية تقتضي أولا، الحرص على صحة وسلامة الآخرين؛ ولأن التضامن لا يعني الدعم المادي فقط، وإنما هو قبل كل شيء، الالتزام بعدم نشر العدوى بين الناس.
كما أن هذا السلوك يسير ضد جهود الدولة، التي تمكنت و الحمد لله، من دعم العديد من الأسر التي فقدت مصدر رزقها.
إلا أن هذا الدعم لا يمكن أن يدوم إلى ما لانهاية، لأن الدولة أعطت أكثر مما لديها من وسائل و إمكانات .”
لنقلها بكل صراحة : جزء من المعركة التي نخسرها هاته الأيام ضد كورونا سببها حديث أناس لا يفهمون ولا يعلمون عن أمور لا يفهمونها ولا يعلمون عنها شيئا .
بسبب هذه الجرأة الجاهلة والتطاول غير العالم على موضوع طبي وعلمي ها نحن اليوم نعود الى نقطة الصفر لكأننا لم نقم بشيء ، وها نحن نجد أنفسنا أمام تهديد العودة إلى حجر قاس وقوي مثل ذلك الذي عشناه منذ أشهر خلت …
خطابات التوعية ، التي اشتغلت بشكل متحمس في البدء منذ شهر مارس ، والتي لاقت هوى واستجابة في صفوف أغلبية الناس تراجعت الى الخلف ، ومعها تراجع انشغال الناس بالوباء ، وازداد وهمهم انه انقضى وانه اصبح مجرد ذكرى سيئة فرضت علينا أشهرا ثلاثة من البقاء في منازلنا وكفى ….
رأينا علامات كثيرة على استهتار الناس بخطورة المرض ، ورأينا تخبطا في التواصل الحكومي كاد يقنع الناس بأن المرض لم يعد له وجود في بلادنا ، دون بقية بلدان العالم التي لا زالت تعبر عن خشيتها من الأسوأ .
لذلك تكاثرت علامات التصرفات الطائشة ، ومع تكاثرها تكاثرت حالات الاصابات ، والأسوأ تكاثرت حالات الوفيات اليومية بشكل خطير ومقلق ومزعج ولا يتقبل صمتا أكثر .
الذين كانوا يقولون لنا ان كورونا لا وجود له يكتشفون مع سقوط هذا العدد الرهيب من الاصابات والوفيات أن جهلهم هو الذي دفعهم إلى ارتكاب أقوال مثل هاته ، ويتأكدون بأن القادم لن يكون الا أصعب …
ويجدر التذكير اليوم بأن في اعتناقنا للتصرفات الصحية السليمة ، والبسيطة ، والعادية فرصة إضافية اخرى لنا لكي ننجو ببلادنا وبأنفسنا وأسرنا من تداعيات أمور لا قبل لنا بها على الاطلاق ….
نتمنى ألا يكون قد فات الأوان فعلا ، ونتمنى أن يتحرك الذكاء المغربي الراغب في البقاء سليما معافى على قيد الحياة لكي يساعد بلدنا على اجتياز هذا المنعرج الخطير بسلام ، او على الأقل بأقل الأضرار الممكنة .
5_ يقول جلالة الملك “بموازاة مع تخفيف الحجر الصحي، تم اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية، قصد الحفاظ على سلامة المواطنين، والحد من انتشار الوباء. إلا أننا تفاجأنا بتزايد عدد الإصابات.
فتدهور الوضع الصحي، الذي وصلنا إليه اليوم مؤسف، و لا يبعث على التفاؤل. ومن يقول لك، شعبي العزيز، غير هذه الحقيقة، فهو كاذب.
فبعد رفع الحجر الصحي، تضاعف أكثر من ثلاث مرات، عدد الإصابات المؤكدة، والحالات الخطيرة، و عدد الوفيات، في وقت وجيز، مقارنة بفترة الحجر.
كما أن معدل الإصابات ضمن العاملين في القطاع الطبي، ارتفع من إصابة واحدة كل يوم، خلال فترة الحجر الصحي، ليصل مؤخرا، إلى عشر إصابات.
و إذا استمرت هذه الأعداد في الارتفاع، فإن اللجنة العلمية المختصة بوباء كوفيد 19، قد توصي بإعادة الحجر الصحي، بل وزيادة تشديده.
و إذا دعت الضرورة لاتخاذ هذا القرار الصعب، لاقدر الله، فإن انعكاساته ستكون قاسية على حياة المواطنين، وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وبدون الالتزام الصارم و المسؤول بالتدابير الصحية، سيرتفع عدد المصابين و الوفيات، و ستصبح المستشفيات غير قادرة على تحمل هذا الوباء، مهما كانت جهود السلطات العمومية، وقطاع الصحة.
وبموازاة مع الإجراءات المتخذة من طرف السلطات العمومية، أدعو كل القوى الوطنية، للتعبئة و اليقظة، و الانخراط في المجهود الوطني، في مجال التوعية و التحسيس وتأطير المجتمع، للتصدي لهذا الوباء.
و هنا، أود التنبيه إلى أنه بدون سلوك وطني مثالي و مسؤول، من طرف الجميع، لا يمكن الخروج من هذا الوضع، و لا رفع تحدي محاربة هذا الوباء “.
هو المغرب الذي يسري في العروق مسرى الدماء . وحين العروق وحين الدماء لا يمكنك ان تكذب أو تنافق او تكتب تحت الطلب مثلما يدعي الكئيبون ، حين الحب الحقيقي لا يمكنك التمثيل ، ويشهد الله اليوم أننا جميعا نحس بها هاته الأيام : المغاربة لا يمثلون حين حب المغرب ، هم يحبونه وانتهى الكلام .
يهمنا هنا ان نشرح لبني وطننا ، ان المعركة اليوم هي المعركة لأجل الحياة ولأجل الحفاظ على الحياة في مواجهة الفيروس اللعين .
المغرب بقيادة ملكه الحكيم واستنادا على تجربة القرون الماضية في الحكم ، واستماعا لصوت العقل قرر أن يجعل هاته المعركة لأجل صحة وحياة شعبه أولوية الأولويات .
ان بيت المملكة المغربية متين بقيادتها وشعبها …سنجتاز جميعا هذه الأزمة أكثر قوة لأننا أكثر اتحادا اليوم ، فخورين بهويتنا الوطنية وانتمائنا لشعب عظيم بقيادة ملك عظيم….
درس مغربي متواصل على امتداد الأزمنة والأمكنة يجدد نفسه دوما وابدأ ويمنح إمكانية الاستفادة منه لمن كان ذا عقل سليم .